السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حالة الدكتور حسن




تقرير التفتيش الذي كتبه الأستاذ الشيخ إبراهيم العوادي، في الأستاذ (الخوجة) صادق أفندي عنبر، سنة 1920، ونشرت وثيقته أمس، لم ينقلنا فقط إلي مستوي التعليم الذي كان.. وطريقة التعامل الإداري مع العملية التعليمية، وإيمان المفتش بأن لديه رسالة واقتناعه بأن لديه مهمة من خلال مهنته.. لم ينقلنا إلي كل هذا فحسب.. ولكنه أيضًا قلب علينا مواجع أخري.

قيمة المعلم في المجتمع كانت مختلفة.. وإحساسه بذاته كان متباينا مع الواقع الحالي.. الناس أيضًا كانوا ينظرون إليه بطريقة تناقض ما نراه الآن.. حتي لو كان بعض أفلام السينما قد سخر من نماذج عارضة للمدرسين.. وأظهرهم في صورة (الأستاذ حمام).. وقد كان في فيلم (غزل البنات) حالة إنسانية أكثر من أن يشير إلي حالة تعليمية.

وبصراحة جدًا، بقدر ما ألهمني مستوي اللغة التي كتب بها الشيخ العوادي تقرير تفتيشه عن زميله الأقل درجة، أزعجني.. دعني أذكرك أولاً بمستوي اللغة وما تضمنته من تجسيد للحالة النفسية المستقرة للمفتش.. فقد قال.. من بين ما قال عن صادق أفندي عنبر: (وإني لشديد اليقين أن الأستاذ ينشئ للأمة نشئًا صالحًا ويهيئ لها من الكتبة من ينصرون العربية ويعملون علي رفعة شأنها).

لقد طبقت هذا الكلام علي حالة أستاذ جامعي معروف هو الدكتور حسن نافعة.. وقلت: تري ما نوعية النشء التي يقدمها الآن الدكتور، وهو أستاذ علوم سياسية من خلال ما يكتبه يوميًا ويناقض أرففًا كاملة من الكتب التي لعله يكون قد قرأها في مكتبة كلية الاقتصاد، حيث قضي عمره.. سواء علي مستوي المضمون أو علي مستوي القيم.. وتساءلت: ما القيمة التي يوحي بها صاحب هذا الاسم إلي طلاب العلم؟

أنا شخصيًا أتعاطف مع حالته الإنسانية، ذلك أن أغلب أحلامه المعلنة لم يتحقق، لم يتمكن من أن يصبح عميدًا لكلية العلوم السياسية، ولم يتمكن من أن يصبح مندوب مصر في اليونسكو، وحتي حين طلب منه أن يرشح عددًا من أسماء الباحثين السياسيين للانضمام إلي عضوية أمانة السياسات فإن الذين طلبوا منه أن يرشح الأسماء لم يختاروه، وقد قضي سنوات حتي تم حفظ القضية التي اتهم فيها بأنه نقل كتاباً من زميلته الدكتورة حورية مجاهد.. ويا له من تراث في تاريخه! ولما ذهب إلي الأردن ليقود مركزًا يموله ويرعاه أمير وولي عهد سابق.. كان أن اضطر إلي أن يستقيل.

أتعاطف مع هذه الحالة، حتي لو كنت أختلف معها، ولكنني بالفعل لا أستطيع أن أتفهم ما عليه (الحالة) الآن.. فقد أصبح الدكتور (حالة فوران) تغلي طوال الوقت.. وتتقافز بين حبال الحياة العامة.. لا هو أصبح كاتب عمود له صيت ومكانة.. ولا هو سياسي له جماهير تناديه في الطرق وتطالب به.. ولا هو صار من الممكن أن نقول إنه أستاذ جامعي مرموق.. إذ يدفع إلي أن تختلط الأذهان حوله.

ومن المدهش أن لغته أصبحت خارج القاموس الذي يمكن توقعه من أستاذ جامعي.. وكلامه خارج المنطق الذي يمكن افتراضه في رجل درس السياسة.. حتي لو لم يكن له تاريخ في التخصص في السياسة الداخلية.. فهو متخصص في العلاقات الدولية.. والأهم أن مواقفه تناقض تاريخه المعروف.. وقد كنت أري الدكتور حسن نافعة في الاستويوهات في التليفزيون المصري ينتظر أن يدخل إلي أحد البرامج لكي يمتدح أداء النظام المصري وخططه.. والأرشيف موجود.. أنا شخصيًا دعوته مرات إلي برنامج «الظل الأحمر» الذي قدمته الإعلامية سناء منصور.. وكنا نجهز الأسئلة بالمخالفة لما نتوقعه من آرائه حتي لا نبدو رسميين أكثر مما ينبغي.

وبقدر تعاطفي مع هذه الحالة، والدراما التي تمثلها، حتي لو لم أكن أتفهمها، خصوصا أن في داخلها إحساسًا رهيبًا بالرغبة في إتمام أي شيء، فإنني تخيلت لو أنني مؤلف أكتب قصة تماهي مسيرة مماثلة للدكتور حسن الذي تحول من مؤيد إلي معارض، كيف أنقلها إلي مستوي درامي مختلف؟ وقد تخيلت إنه إذا كان الدكتور يلهث في حلبة السياسة بين آليات مختلفة.. فإن علي أن أكتب له مشاهد تظهره وقد قرر أن يخوض الانتخابات ولو علي عضوية مجلس الشعب.. مختبرا خطابه ولغته وقيمه وموقعه المجتمعي وما يردد من آراء.

تري كيف سوف تكون النتيجة؟ سوف أتخيل هذا غدًا.
 
الموقع الالكتروني :  www.abkamal.net
البريد الالكتروني  :  [email protected]