الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الملياردير والسمكة




قد أكون واقعياً أكثر من رومانسية الحالمين، لكن تلك الواقعية لا تمنعني من أن أتعلق بطيف من الأماني.

لا أستطيع أن أطالب مليارديرات مصر بأن يقتدوا بحملة (التعهد بالعطاء) التي أطلقها في الولايات المتحدة الملياردير الأشهر بيل جيتس، المقترن اسمه بشركة مايكروسوفت، والملياردير بافيت رئيس شركة (هاث واي).. التي دعوا فيها المليارديرات المصريين بأن يتبرعوا بنصف ثرواتهم علي الأقل للأعمال الإنسانية والخيرية.. تلك التي انضم إليها حتي قبل يومين ما لا يقل عن 40 مليارديراً.. لم يكتف بعضهم بالنصف بل مضوا إلي التبرع بأغلب ثرواتهم.

المسألة مختلفة، الواقع هنا غير هناك، أولاً من حيث عدد المليارديرات تجد أن في الولايات المتحدة أغلبية مليارديرات العالم الذين يناهزون الـ400 فرد يتصدرون قائمة أغني الأغنياء، وثانياً كلمة ملياردير هناك تشير إلي أشخاص تتخطي ثرواتهم أفق الخيال.. أحدهم ثروته 46 مليار دولار.. ومن ثم فإنه حين يتبرع بـ99% منها.. فإنه لا يكون قد أصبح علي حد الكفاف.. وإنما سوف يتبقي له نصف مليار يمكن أن يعيش به بقية عمره.

ومليارديراتنا غير مليارديراتهم. هناك الثروات الشخصية تختلف تماماً عن موجودات وأصول الشركات التي يملكها المليارديرات.. وتخضع الشركات لضوابط حوكمة تمنع اختلاط العام والخاص.. وهناك الشركات الخاصة هي أيضا (شأن عام) لأنها مملوكة لمساهمين.. ولأنها جزء أساسي من بنية الاقتصاد.

والأهم أن الرأسمالية تطورت بحيث لا يبدو صعباً عليها أن تبذل مما فيها لكي تخدم الإنسانية والأعمال الخيرية، الرأسمالية في بلدنا تتطور لكنها تحتاج سنوات لكي تنضج، بعض الأثرياء لم يصل إلي الإحساس بالاكتفاء بعد.. والثروة بالنسبة له في مصر هي وسيلة حماية ونفوذ.. فإن فقدها أو لنقل تنازل عن بعضها لن تنقلب حياته رأساً علي عقب.. ولن تضيع صورته ولن تنهار مكانته.

الثروات هناك في أغلبها نتجت عن معرفة قدمها هذا الملياردير أو شركته، الثروات هنا لا تزال تحاول اكتشاف الطريق الفاصل بين ما يجوز وما لا يجوز، بين الفساد والشرف، وهي ناتجة عن تجارات أو صناعات في بداية طريقها.. والمؤسسات لم تزل تحفر سبيلها إلي الرسوخ.. بحيث إنك يمكن أن تقول إن اختفاء الملياردير صاحب هذه الشركة أو تلك يؤدي إلي انهيار المؤسسة في مصر لأنها مرتبطة باسمه أكثر من قوتها الاقتصادية.. علي الأقل في أغلب الأحوال.

ومن المهم أن ننتبه إلي أن التبرع بالثروات هناك لا يعني أن تتعرض للعبث أو أنها سوف تخرج من الاقتصاد، بل إنها تبقي في داخله.. تدور بحيث تؤدي نتائج إدارتها إلي توفير ريع للأعمال الخيرية وليس أن تنفق علي تبرعات رمضانية أو إعانات مؤقتة للفقراء.. إنهم يطبقون التبرع وفق نظرية أعلمك الصيد بدلاً من أن أعطيك سمكة.. في حين أن أثرياءنا مازالوا يتبرعون بثمن السمكة.

إن أهمية فكرة التعهد بالعطاء الأمريكية تكمن في أنها تتوسع في تعميم نظرية (الوقف).. أي إيقاف الأموال من أجل غرض بعينه.. إنساني أو خيري.. وهو ما يحتاج إلي أن يدرسه أثرياؤنا من جديد.. أن يعيدوا إليه الحياة.. فقد كان منتشراً في عصر ما قبل الثورة وقبل أن ينقطع مسار الرأسمالية المصرية بالتأميم.. وقد عادت من جديد لتعيد بناء نفسها بعد الانفتاح في 1974.. ومرت بمراحل غير طيبة.. قبل أن نصل إلي المرحلة الحالية من التراكم.

في زمن مهربي البضائع الفاسدة لم يكن من الممكن أن تطالبهم بأن يتبرعوا بجزء من ثرواتهم.. كيف تطلب من صاحب الثروة الحرام أن يفعل خيراً.. وكيف تطلب من تاجر مخدرات أن يوقف مالاً من أجل الآخرين ونفعهم.. الآن علينا أن نطالبهم ببعض هذا .. وقد يقول البعض إننا نفعل.. وسوف أقول حسناً أنتم تفعلون، لكن يمكنكم أن تتفضلوا بالمزيد.. لا تقتربوا من هذا الأسلوب الأمريكي فهو حلم بعيد المنال.. ولم يحن وقته.. ولكن فكروا في 1% منه.

الموقع الإليكترونى: www.abkamal.net
البريد الإليكترونى: [email protected]