الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

السفير فخرى عثمان مساعد وزير الخارجية الأسبق: وضعت خطة اصطياد الجاسوسة الحسناء «هبة سليم» أخطر عملاء الموساد فى باريس




السفير فخرى عثمان مساعد وزير الخارجية الأسبق.. سفير من طراز رفيع، أنقذ مصر من تكرار هزيمة 1967، وأسهم فى انتصارها فى حربها ضد إسرائيل عام 1973، بعد أن وضع خطة القبض على الجاسوسة هبة سليم وعودتها لمصر.  التحق السفير فخرى عثمان بالعمل فى السلك الدبلوماسى عام 1957، إثر تخرجه فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وتقلد عدة مناصب وظيفية شملت عمله سفيرًا لمصر فى 8 دول: العراق، فرنسا، ليبيا، الأرجنتين، شيلى، اليمن، ألمانيا والإمارات، ثم عمل فى عام 1965 مسئولًا عن ملف دول المشرق العربى بمكتب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لمدة أربع سنوات.
حصل على خمسة أوسمة أهمها وسام الاستحقاق من الرئيس أنور السادات لإساهمه فى وضع خطة القبض على فتاة الجاسوسية المعروفة هبة سليم ـ مصرية الجنسية.  تخرجت هبة فى كلية الآداب قسم لغة فرنسية، التى كان بها أستاذ فرنسى الجنسية، اهتم بها ورأى فيها الطموح والذكاء والنشاط، وأشار عليها قبل التخرج ونصحها بأن تحصل على كورس لتقوية اللغة الفرنسية فى جامعة إكسربور، ووعدها بالمساعدة.

 ■ كيف تمت عملية تجنيد الجاسوسة هبة سليم؟
- لا.. التجنيد تم على مراحل كثيرة بالطبع؛ لأنها عندما سافرت تعرفت إلى بعض الطلبة ومنهم طبيب فرنسى، وبعدها تعرفت إلى بعض الشخصيات عن طريق هذا الطبيب، فكل شخص يؤدى دوره فى مرحلة التجنيد والتجهيز.. حتى تصل الى المستوى المطلوب  للجاسوسية.
■  وما الدافع الحقيقي  لتجنيدها؟
- السبب الحقيقى حتى الآن غامض لا أعرفه، لأنها ـ هبة ـ من عائلة ميسورة الحال وجميلة، أحوالها الأسرية جيدة، لكن من أسباب خروجها إلى فرنسا أنها كانت تريد الهرب، لأنها كانت تحب ضابطا وتم رفضه من أسرتها بسبب تواضع مستواه وظروفه غير المستقرة، ما دفعها  للهرب إلى فرنسا.
■ هل هو عدم انتمائها لوطنها؟
- أكيد لم يكن عندها انتماء.. ويرجع ذلك إلى طموحها وذكائها، فكان لديها استعداد لعملية التجنيد، وهذه المراحل تحتاج إلى لباقة شديدة جداً وأساليب نفسية.. لكن فى النهاية.. إلام وصل بها طموحها.
■ كيف تعرفت إلى «هبة»؟
- كانت فى البداية مقيمة فى منزل صديقى، الذى كان مديرًا لشركة مصر للتجارة الخارجية، فكانت “هبة” فى ذلك الوقت، تبحث عن عمل، وكانت ترغب فى العمل بالسفارة المصرية بباريس، وفى الحقيقة.. وقفت مانعا لعدم عملها فى السفارة، إذ كنت أعمل قنصلا عاما بالسفارة المصرية بباريس، إذ لم توجد وظائف حينها، وأسباب أخرى منها المظهر وملابسها الخليعة، وكان هذا عام 1968، فحاولت أن تسعى للعمل فى مكتب الملحق العسكرى وفشلت، وكانت بدأت تنجذب للتيار والتوجه الآخر الجديد، فى هذه الفتره نقلت من السفارة الفرنسية، وخلال تلك المدة كانت تقيم مع أسرة صديق هو (عمر جلال)، فكان كلما زارنى كانت ترافقه هبة، فأعجبت جدا بذكائها وحسها الوطنى ومطالعتها للأحداث العربية وبصفة خاصة القضية الفلسطنية.
■ كيف اكتشفتم حقيقتها إذن.. وما خطة الإيقاع بها؟
- عندما استطاعت “هبة” تجنيد الضابط “فاروق الفقى”، الذى أوهمته بأنها تحبه وترغب فى الزواج منه، اشترت له شقة فى مدينة نصر، واستطاعت بذكاء الأنثى الحسناء البارعة والمتحررة، أن تنتزع منه ما تريد، بعد أن منحته ما يريد، وأمام إغراءات المال وحاجة الضابط إليه ورغبته فى الانتقال من حال لآخر، لم يقاوم.. فجندته ودربته على كيفية التعاون معها عبر إرسال الخطابات التى تحمل تحت طابعها أفلاماً عن الخرائط وصورًا صغيرة، بالإضافة إلى الحبر السرى، وفى زيارة ثانية؛ أحضرت جهاز إرسال الشفرات الذى جرى وضعه فى الشقة التى اشترتها له.
لم يدخر الضابط الخائن جهداً فى إبلاغها بتفاصيل ومعلومات خطيرة تساعده فى الحصول عليها، منها حضوره للاجتماعات المهمة وإشرافه ضمن آخرين على بناء حائط الصواريخ على طول القناة، الذى يمهد للعبور، فكانت إسرائيل وطائراتها تغير على هذه المبانى قبل اكتمالها، وكانت فى هزيمتنا فى عام 1967، وللأسف نتيجة تجندها لهذا الضابط؛ أصبح بعض القضايا العسكرية المصرية كتابا مفتوحا فى تل أبيب!
وفى أحد الأيام اكتشف أحد مراقبى الخطابات البريدية خطابا عاديا موجها إلى فتاة مصرية فى باريس يحوى كثيرًا من العواطف من المرسل منه، ولكن الذى لفت النظر هو ذكر المرسل تركيب هوائى للراديو الذى عنده، هذه العبارة أثارت الانتباه، لأن هوائيات الراديو قد انتهى عصرها، والهوائيات للتليفزيون، وبالتالى لا بد أنه راديو غير عادى.. إنه جهاز لاسلكى للاستقبال والارسال، ما يلزم معه تركيب هوائى.. وتم كشف القضية!
الأمر الذى نشطت فيه أجهزة المخابرات المصرية فى الداخل، وتم حصر الأمر بعد أيام قليلة فى الضابط الذى تم القبض عليه، فانهار واعترف، وذلك فى وقت بدأ فيه السادات وقادة الجيش فى وضع خطة خداع إسرائيل المعروفة بخطة الخداع الاستراتيجى، ووصل الأمر للسادات الذى أصدر أمرًا بإنهاء هذه القضية للمشير أحمد إسماعيل وزير الدفاع،  والقبض على تلك الفتاة فى أسرع وقت وضرورة عودتها لمصر، فى هذا الوقت استطاعت المخابرات المصرية أن تجند الضابط لمدة شهرين بإرسال معلومات مغلوطة بهدف التضليل وقتها، ولأهمية المعلومات طلبت إسرائيل من هبة الذهاب إلى تل أبيب وجرى تكريمها بشكل أسطورى، وهى لا تعلم أن الضابط فى حوزة المخابرات ورجالها.
فى أثناء تنفيذ المهمة.. ذهب اثنان من الضباط إلى ليبيا وكان أحدهما قائد المهمة، اللواء حسن عبد الغنى ، وقررا أن تكون المحطة طرابلس، لوجود والد «هبة» هناك بحكم إعارته، فذهبا للقنصلية.
■ متى بدأ دورك فى اصطيادها؟
- كان اللواء حسن عبد الغنى تربطنى به علاقة معرفة قديمة، جرت مشاهدها قبل عدة سنوات فى بغداد، تطرق بيننا الحديث إلى فترة عملى فى باريس ومعرفتى بالجالية المصرية وسألنى عن هبة سليم، فقلت فيها قصائد مدح عن وطنيتها وهمومها بالوطن، لكن كانت الصدمة عندما علمت أنها جاسوسة وتعمل لحساب الموساد، وطلب بعد أن أخبر قائد العملية بأنى مفوض بسلطات رئيس الجمهورية، ويمكن أن يكون سفرى بتكليف من الخارجية إلا أننى  رفضت، ولم يكن رفضى السفر إلى باريس لمجرد الرفض فقط، ولكن لأنى أدرك بحكم إقامتى السابقة فى فرنسا بحجم السيطرة الإسرائيلية والصهيونية على كل شىء فى باريس من الفنادق والمطاعم إلى المحال التجارية، والموساد يتخذ من فرنسا مسرحاً لعملياته الاستخباراتية وتجنيد الجواسيس، فطلبت أن يتركوا إدارة تلك المهمة لى، ووضعت عدة سيناريوهات متوقعة ومتخيلة، وهى فكرة استثمار والدها عبد الرحمن سليم فى مقر عملى بليبيا، الذى كان يعمل مديرًا ماليا باللجنة الأوليمبية، وتبلورت الخطة فى ذهنى، وهى استهداف الفتاة من خلال المكالمات الهاتفية التى أُفهم فيها هبة أن والدها فى حالة مرضية حرجة، لأنى كنت أعلم أننى لا أتحدث مع هبة وحدها، إذ كان الموساد على الخط دائمًا، ولتضليلهم جرى نقل والدها إلى مكان غير معلوم فى طرابلس، كنت وقتها قائمًا بأعمال السفارة المصرية، وبعد عشرة أيام كاملة تم استدراجها، وفى المقابل خطط الموساد وابتكر حيلة لحمايتها، وهى اختراع قصة وهمية عن سرقة خاتم من الألماس داخل الطائرة التى أقلتها من باريس ثم روما، وكانت محطتها الأخيرة فى طرابلس لرؤية والدها. وذلك بغرض توجه قوات الأمن الليبية لتفتيش الطائرة بعد بلاغ قائدها بواقعة السرقة، وبالتالى تضمن إسرائيل حمايتها من قبل السلطات الليبية، إلا أننى وبطريقة قدرية صعدت الطائرة لاستقبال هبة التى تأخر نزولها لحين وصول السلطات الليبية التى لم تكن تعرف شيئاً، وذلك بتعليمات من الرئيس السادات الذى طلب أن تكون هذه العملية من بدايتها لنهايتها من دون وثائق ومن دون إخطار لأى جهة «يعنى تعليمات شفهية». 
اصطحبت هبة ونزلت بها وتم استقبالها فى غرفة كبار الزوار، وجرى ترتيب عملية اختطافها من الغرفة إلى طائرة تابعة لمصر للطيران، تأخرت عمداً فى مطار طرابلس، وتم اقتيادها بمعرفة قائد المهمة اللواء «حسن عبدالغنى» إلى القاهرة لتحاكم وتعدم بعدها بمصر وكان ذلك فى شهر مارس 1973.
واعترفت هبة بأنها قد تلقت من موشيه ديان مائة ألف جنيه إسترلينى هدية قدمها لها أثناء حفل التكريم الذى أقامه على شرفها فى منزله، كما جاء فى اعترافاتها أنها ذكرت للضابط المصرى المتعاون معها فى الجاسوسية استحالة أن ينتصر العرب على إسرائيل مع هذا التسليح الأمريكى والأوروبى لإسرائيل، وقالت إنها فى إحدى زياراتها لإسرائيل عندما اقتربت الطائرة المدنية التى تقلها من المجال الجوى الإسرائيلى.. لاحظت أن هناك طائرتين رافقتا طائرتها كحرس شرف وتحية لها، وهذه إجراءات لا تقدم إلا لرؤساء الدول الزائرين!
لم تكن توجد أى مغريات مادية أو عاطفية أثرت فى هبة وأغرتها للعمل لصالح إسرائيل، فالفتاة وثقت تمامًا فيما قيل لها عن قدرات إسرائيل الخارقة للعادة وتفوقها ونفوذها العالمى، وإنه لا يمكن هزيمتها.
■ كيف تمت إجراءات إعدامها؟
- بعد سقوطها بشهور قليلة.. حضر هنرى كسينجر وزير خارجية الولايات المتحدة إلى أسوان لمقابلة الرئيس السادات، حاملا له رجاء الرئيس «نيكسون» وجولدا مائير بإنقاذ «هبة سليم»، فأمر السادات بتنفيذ حكم الإعدام فيها بعد دقائق من تلقيه هذا الطلب، موصيا باعتذاره «لنيكسون»، وقد جرى ذلك فى أول لقاء بعد حرب أكتوبر فى أثناء التمهيد لمفاوضات فك الاشتباك بين مصر وإسرائيل، ما يشير بوضوح لأهمية ومكانة الجاسوسة الحسناء لدى إسرائيل التى وضعتها كأول مطلب قبل بدء المفاوضات.
■ كيف كرمك الرئيس السادات؟
- علمت أن المشير أحمد إسماعيل وزير الدفاع تلقى تكليفا من الرئيس السادات بالتوجه لمقر عملى وتقليدى وسام الاستحقاق من الدرجة الثالثة.. نيابة عن الرئيس السادات، تقديرًا للواجب الذى تم أداؤه، وكان ذلك عام 1973، وتسلمت الوسام عن طريق إدارة المراسم بوزارة الخارجية.