الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

رحلة فى القطارات المنسية




كتب: مصطفى عرام


بعد عودة القطارات للعمل من جديد، تمنيت أن ترصد الكاميرات رحلة للقطار من الداخل، لكن لم يحدث، فنحن لا نتذكرها إلا وقت الكوارث، لقد فاتت العدسات الأجواء الاحتفالية التى سادت العاملين بهيئة السكك الحديدية بجميع فئاتهم، بدءا من عمال تصليح القضبان - الذين قدر لى أن أشاهدهم فى أول يوم لعودة القطارات إلى العمل على خط «القاهرة – الإسكندرية»، إذ كانوا يعملون بحماس بالغ. ومع مرور أول قطار، الذى أطلق صافرته من بعيد، أفسحوا له الطريق ملوّحين بأيديهم والفرحة تغمرهم، وودّ أحدهم أن يحتضنه، ولسان حالهم يقول «أيوا كدا.. ارجع تانى وسمعنا صوتك ودوشتك». 
أحاول هنا أن أرصد لك يا صديقى أجواء إحدى هذه الرحلات، فبمجرد دخولك إلى محطة مصر، يستقبلك رجال الأمن حيارى بين أمرين، إما استقبالك استقبال الفاتحين، أو الإرهابيين، فالحكم هنا هو جهاز الكشف بالأشعة عمّا داخل الحقائب ـ هذا غير البوابات الإلكترونية ـ فطالما أنها آمنة، فأنت مرحب بك دائما، بعد حصولك على رقم فحص أمنى يتم لصقه على الحقيبة، فإنك تتجه إما إلى القطار مباشرة إذا كنت حجزت مسبقا، وإما إلى شباك حجز التذاكر طالما أن لديك متسعا من الوقت، حتى يحين موعد رحلتك، فتسمع النداء فى الميكروفون برقم القطار ووجهته التى سيسافر إليها، وبسرعة ولهفة يتجه الجميع إلى الرصيف، لتستقبلك أيادى عمال عارضين المساعدة ليحملوا عنك حقائبك طمعا فى جنيهات قليلة، فإذا رفضت.. فسيذهبون سريعا للبحث عمن يريد الحصول على هذه الخدمة.. فحتما هناك من يريدها.
على أبواب العربات فئة أخرى من العاملين، مهمتهم إرشادك إلى رقم العربة ومكان مقعدك منعا للتكدس أمام الباب، ومساعدتك فى وضع الحقائب فى مكان يشبه الدولاب، بعدها تجلس على مقعدك انتظارا لقدوم الكمسارى للتفتيش على التذاكر، ولا تتعجب إذا وجدت بصحبته ما يشبه «البادى جارد» كإجراء أمنى احتياطى.. كذلك لا تندهش إذا وجدت فجأة حركة غير عادية لأفراد تشير ملامحهم إلى أنهم أفراد أمن.. لكنهم لا يرتدون الزى الميرى، فهذا معناه أن هناك أمرا يثير الريبة والقلق، سواء كان حقيبة أو شخصا، فهدفهم سرعة تدارك الأمر قبل أن تحدث كارثة.
طوال الرحلة ستجد الجميع يهنئون بعضهم بعودة رحلات القطارات من جديد، ويتمنون أن تستمر وألا يحدث ما يعطلها مرة أخرى، فبمجرد أن يتحرك تذهب ملامح القلق تدريجيا، وتبدأ الأحاديث والحوارات بين الجميع، لتسود الألفة أجواء الرحلة، أحيانًا يهدئ القطار فى مواضع لا يفترض فيها أن يتم ذلك، فتظهر علامات الاستفهام على الوجوه التى تزول ما أن يتحرك مرة أخرى، وهكذا.. تستمر الحال طوال الرحلة، إلى أن تتجدد التهنئة بسلامة الوصول، فتسمع صافرة طويلة من القطار تحذر الواقفين على الأرصفة بالابتعاد. استعدادًا لتوقف القطار.