الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

العقل والعلم والوحى




كتب - محمد الدويك

تعرفين، أن الله أباح اللجوء للحرام لو كان سبيلا لحفظ حياة إنسان.. تجاوز الله عن الحدود والمحرمات والفرائض الدينية، كاستثناء، لانقاذ حياة البشر.. فقدم مصلحة الانسان على مقتضيات الوحي. لأن الوحى فى الاساس يهدف لحفظ حياة كريمة للانسان. فلو اختلت الموازين ولم يؤد تطبيقنا للوحى إلى حفظ الانسان فنتدخل فيه بكل سبيل حتى نؤمن وجود الانسان.
لذلك فكل من يعمل على تطوير نظم مادية أو روحية. سياسية أو علمية، لرعاية الانسان وحفظ حياته وضمان كرامته فهو يؤدى عملا رساليا، يوافق الدين. ويحبه الله.
قال الله فى كتابه، «وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا فى أصحاب السعير» (المُلك 10)، أخشى أن نندم يوما على نعمتى العقل والسمع اللتين هما طريق الجنة.. فلكى تنجو فى الآخرة يجب أن تكون عقلانيا رشيدا فى الدنيا. من فقد عقله ضاعت بوصلته للخير، وضاع دينه، والحواس الصافية غير المتبلدة القادرة على التقاط الانغام الحسنة، والاهتداء للمعرفة والفضيلة هى السبيل للنجاة.. أما الانغلاق والجهامة وعدم اطلاق الحواس لتتعرف على فلسفة الكون، هو طريق الهلاك.
ثم رفع الله من شأن العلم. وارتقى بالعلماء مكانة لن يصلها أحد من خلقه، فيقول «شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط» (آل عمران 18). الله اختار أولى العلم ليكونوا فى مرتبة تالية للملائكة، لأن العلم يعمر الكون وينير الحياة ويواجه الموت. لكنه العلم المنضبط بالعقل، والوحي، حتى لا يفقد بوصلته الأخلاقية فيصير وبالا.
عالم الأحياء جميس واطسون نشر بحثا عام 1953 غيّر مصير البشرية.. بحث من 900 كلمة عن التركيب الجزيئى للمادة الوراثية أعطى للانسان فرصة أكبر لاستكشاف ذاته وفك طلاسم خريطته الجينية. كتب فى مذكراته أنك لن تستطيع أن تصير عالما إلا لو أدركت أن هناك علماء آخرين بلداء ضيقى الافق. بل جد اغبياء. وحكى عن مجتمع العلماء الذى فيه كل سوءات البشر من غيرة وحقد. واطسون كان يعلم أن اول من يصل إلى تركيب المادة الوراثية حتما سيحصل على نوبل. وسينتقل الأمر بعد نوبل إلى أرباح طائلة عن طريق براءة الاختراع والتطبيقات العلمية للكشف. فلم يعد العالم ذلك الراهب الذى يبحث لإرواء فضوله العلمى وتقديم انجازات جليلة للبشرية، بل إن الصراع على الثروة والشهرة على أشده بين طبقة العلماء.
الجانب الروحى أو الميثاق الأخلاقى المستند إلى تعاليم الدين، والتى هى الرقيب الوحيد على القلوب والضمائر، لتنمية فكرة «العمل الصالح» الذى يكافئ عنه الله فى الآخرة، فكرة لازمة حتى فى أعلى درجات التحضر البشري، ولا بديل عنها.
تسمعين عن السرطان أنه أحد أخطر امراض العصر الحديث. يموت بسببه واحد من كل 4 فى العالم. فى أمريكا يقتل كل صباح 1400 انسان. معظم السرطانات لا يورث ونادرا ما ينتقل عن طريق عدوى فيروسية.. بل سببه الأول ينبع من داخل خلايا الانسان.. وكأن الانسان يحمل فى تكوينه أحد أسباب فنائه!
منذ أن اكتشف واطسون الخريطة الجينية، ونصف قرن من الأبحاث لم تنته للقضاء على هذا المجرم المتخفى داخل الانسان. حرب السرطان هى حرب يحب الله أن نجاهد فيها بأنفسنا وأموالنا حتى نحمى ملايين البشر. فالقتال قد انتقل من ساحات الحرب إلى ساحات العلم.. فهل نجد يوما الشعوب المسلمة كرست طاقتها لإحياء أرواح الملايين المهددة بالموت؟
حقائق العقل وحقائق العلم وحقائق الوحي. نغمات متداخلة تمثل طريقا ممتدا بين الله والانسان. أو هى الطريق الذى ينتظر الله عباده فى نهايته.
كاتب فى الفكر الإسلامي