الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

لو كان هتلر رساما




محمد الدويك

على مد البصر نرى فتى مراهقًا أبوه موظف بسيط بمصلحة الجمارك من أصل نمساوى. هزيل الجسد قليل الحديث يجيد الرسم. وتبدو فى عينيه أمارات الإصرار. وحلمه أن يصير فنانًا عظيمًا.
ذهب وتقدم لأكاديمية الفنون بفيينا، وخاض اختبارات التأهيل. وبقلب يحدوه الأمل انتظر النتيجة. التى كانت صادمة. حيث تم رفض التحاقه بالأكاديمية. وسافر بعيدا عن فيينا محبطا يائسا يحمل مشاعر الكراهية لهذا العالم الذى حرمه نعمة النجاح، حتى استقر فى ميونيخ ليعمل صبى دهان.
اندلعت الحرب العالمية الأولى فتطوع فى الجيش، لأنه يملك فى حياته ما يعيش من أجله. ولكن سوء الحظ ظل يلاحقه. حيث أصيب بقنبلة دخان أفقدته البصر مؤقتا. ودخل المستشفى ليتلقى العلاج شهرين كاملين. وعندما استرد بصره كان أول ما رآه وطنه، ألمانيا، المهزوم والمدمر. وبعد أن كان يعانى نقمة شخصية تجاه الحياة لأنها حرمته حلمه، زادت النقمة لما رآه فى شوارع وطنه من ذل وعار ومرارات الهزيمة.
مشى هائما بلا خطة واضحة، حتى صادف اجتماعا لحزب العمال داخل أحد المصانع، وكان يناقش أسباب الهزيمة وعلى رأسها الخيانة التى منى بها المجتمع الألمانى على يد اليهود. وأنهم الثغرة التى مر الأعداء منها إلى قلب ألمانيا. فازداد سخطه على اليهود واتخذ موقفا عدائيا تجاههم.
أعجبته شعارات الحزب وما يدعو له من أفكار تمجد الجنس الألماني. وخلال سنين قليلة صار المراهق الذى يحمل اسم «هتلر» زعيما لحزب العمال قبل أن يغير اسمه إلى الحزب الاشتراكى الوطني.. فى البداية لجأ إلى العنف والثورة بالاشتراك مع جنود سابقين. حتى قبض عليه ودخل السجن لمدة عام. ثم غادر وقرر مواصلة السياسة بطريق ديمقراطى معتدل. أعد حزبه جيدا لخوض الانتخابات البرلمانية وخلال أكثر من مرة حصل على الأغلبية. وصار حزب هتلر هو الحزب الحاكم.
توجه هتلر بخطابه للجماهير ليحيى فيهم الشعور الفطرى بالقوة والتمييز العنصرى وحب السيادة. القاعدة أحيانا، أنه كلما كنت أكثر تطرفا وجدت أتباعا أكثر. فالجماهير المشحونة بالإحباط والهزيمة لا تحب من يخاطبها خطابا عقلانيا يقوم على التواضع والواقعية ومبادئ التراحم. بل من يعدهم بالسيادة والانتقام والعنف.
جاء الأنبياء لتهذيب تلك المشاعر لدى عموم الناس التى لا يؤثر فيها مثل الدين، قال الله (تلك الدار الآخرة جعلناها للذين لا يريدون علوا فى الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين).. جعل الله الآخرة للأتقياء المصلحين فى الأرض بالعمل وإنكار الذات والتواضع. ودليل تقواهم ما يتركونه وراءهم من خير وسلام ودفع الفساد.. هتلر، الفتى المحبط الذى فشل أن يصير فنانا، تحول إلى سفاح مهووس لديه مركبات نقص لم يتخلص منها عبر سنوات عمره وشعور عارم بإثبات الذات ولو على حساب العالم.. حاول بعض قادة الجيش أن يقوموا بانقلاب عليه لتجنيب ألمانيا مصيرا أسود يبدو من ميل الرجل للاستبداد والقهر والتصرف برعونة فى تحركاته الخارجية التى تجلب المزيد من العداء. إلا أن هتلر قبض عليهم بنفسه، وفى يوم واحد قتل 7000 واحد حتى إن من قاموا بعملية الإعدامات أصيبوا بالاجهاد النفسي. تخيل لو كان هتلر حقق حلمه أن يصير رساما يساعد البشر على التطهر من مشاعر الهمجية والعنف. لتجنب العالم حربا مات فيها أكثر من 50 مليونا. وانتحر هتلر معانقا عشيقته إيفا براون بعد أن تجرع السم مترعا بحفنة من تراب برلين.
نصيحتنا هنا لأكاديمات الفنون، حاولوا تعملوا دفعة تكميلية كل سنة لأحفاد هتلر. عسى أن يكون للفن دور يعالج نفوسا تقود البشرية إلى مصير حالك.
 كاتب فى الفكر الإسلامى