الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

انتخابات البرلمان حصان طروادة لعودة نواب الوطنى للحياة السياسية




تحقيق- مصطفى عرام

عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير، وصدور قرار بحل الحزب الوطنى، اختفى نواب الوطنى من على الساحة، خصوصا بعد تصاعد المطالب بمحاكمتهم لإفسادهم الحياة السياسية والفساد المالى، وفى أعقاب ثورة 30 يونيو رصد السياسيون محاولات عدد كبير من نواب الحزب المنحل العودة مرة أخرى للحياة السياسية من خلال الدخول فى أحزاب قائمة بالفعل أو إنشاء احزاب جديدة لخوض انتخابات البرلمان المقبلة، وهو الأمر الذى أثار الكثير من الجدل بين السياسيين، فبعضهم رأى فى ذلك إعادة انتاج للحزب الوطنى فى أشكال جديدة والبعض الآخر رأى أن من حق هؤلاء النواب ممارسة السياسة مادام لم يدان فى أى من الجرائم التى ارتكبت فى عهد نظام مبارك.

يأتى على رأس هذه الأحزاب «حزب الحرية»، الذى أسسه معتز محمد محمود الأمين السابق للحزب الوطنى الديمقراطى المنحل بقنا. و«حزب المواطن المصرى»، الذى كان وكيل مؤسسيه صلاح حسب الله أحد كوادر الحزب الوطنى بالقليوبية، ومحمد رجب الأمين العام السابق للحزب الوطني، ومحمد محمود عبدالرحمن، أمين الحزب الوطنى بالدقهلية، وحمدى السيد نقيب الأطباء الامين السابق لأمانة النزهة للحزب الوطني، ثم «حزب البداية» الذى يرأسه محمود حسام الدين جلال الذى ترشح لرئاسة الجمهورية. «حزب نهضة مصر الديمقراطى»، «حزب مصر الحديثة»، الذى أسسه نبيل دعبس صاحب جامعة مصر الحديثة ووالد وليد دعبس رئيس قنوات مودرن، «حزب الاتحاد» وينسب إلى حسام بدراوى الأمين العام للحزب الوطنى سابقا، «حزب مصر التنمية»، ورئيسته يمن الحماقى عضو مجلس شورى سابقاً. يضاف إليها أحزاب المؤتمر الحركة الوطنية المصريين الاحرار وانضمام بعضهم إلى أحزاب كانت موجودة بالفعل مثل الوفد، من أجل الترشح على قوائمها فى أقرب انتخابات برلمانية.


يقول دكتور عمرو هاشم ربيع الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام: بالطبع.. سيعودون، ومن غيرهم سيعود فى البرلمان القادم، فطالما توجد به نسبة للمستقلين! فهناك عودة لنواب الحزب الوطنى المنحل بشكل آلى، خصوصا بعد اختفاء حزب «الحرية والعدالة» من على الساحة، كذلك فإن تقسيم الدوائر غالبا سيكون بالتقسيم نفسه فى المرات السابقة، وتحديدا الجزء الفردى.


يفسر د. ربيع اختفاءهم فى العامين الماضيين بأن المناخ لم يكن يسمح، لكن مع سماح الأجواء بعودتهم وتصاعد المناخ المضاد والمعادى للإخوان العدو التقليدى لنواب الوطنى وقيام ثورة، فإن من يستطيع العودة قد ظهر على الساحة بالفعل، وتحديدا غير المدانين منهم فى أحكام قضائية، أو الفاسدين منهم الذين لم يظهر فسادهم.


أما فيما يتعلق برد فعل القوى السياسية الموجودة على الساحة من عودتهم فقال: نحن فى دولة قانون وقضاء، ومن فسد وثبت فساده فإنه سيحاكم، إلى جانب أنه توجد الآن انتخابات نزيهة تتم فى أجواء حرة وسلمية، ومن ثم فلا مشكلة فى عودتهم، بل لو كان أحد الإخوان يحظى بالشهرة وترشح فى دائرته واستطاع أن ينجح تحت صفة المستقل التى تمثل غطاء شرعيا للجميع فلا مشكلة فى ذلك.


ويتفق دكتور عمار على حسن الكاتب والباحث فى العلوم السياسية مع رأى د. عمرو هاشم فى عودة نواب الوطنى قائلا: وارد طبعا عودتهم.. فقواعد اللعبة تغيرت.. بمعنى أنه قبل ثورة يناير كان الشعب محروما من الاختيار، وكانت إرادته تُزيف، والانتخابات لم تكن بالرقم القومى، والقضاء لم يكن مشرفا عليها بل الجهاز البيروقراطى للدولة، ومن كانت تحدده قيادة الحزب مرشحا لها.. فإن نجاحه كان مضمونا، أيضا القوانين التى كانت تحكم العملية كلها سواء قانون مجلس الشعب أو قانون ممارسة الحقوق السياسية، أو قانون الانتخابات، كلها كانت تعد وتصاغ على مقاس الحزب الوطنى، وكان الإعلام والرقابة الشعبية أيضا ممثلة فى المجتمع المدنى أو الرقابة الدولية غير موجودة إطلاقا، ومن ثم فإن من كان ينجح من الحزب الوطنى، كان ينجح بإرادة السلطة، وبالتالى يكون ولاؤه لها، وهو يدرك فى قرارة نفسه أن مستقبله غير مرتبط بالجماهير أهل دائرته على الإطلاق، ومن ثم يتعامل معهم باستعلاء، وإن خدمهم فهذا تفضل منه.


ويضيف حسن: الآن تغيرت القواعد تماما، كل هذا نُسف إلى حد ما، ومن ثم إذا اختار الناس أحدا ينتمى إلى الحزب الوطنى، من غير الفاسدين أو من الرموز التى باركت الاستبداد وكان وضعها فجًا، فأعتقد أن هذا من سينجح، وبالقطع كثير من تصرفاته يحاول أن يتلاءم مع الإطار الجديد الذى خلقته ثورة يناير، ومن سيمارس السياسة بالطريقة القديمة، ظنا منه أن الأمور لم تتغير ، فأعتقد أن الشعب سيصبح قادرًا على تغييره فى انتخابات لاحقة، وتصحيح الخطأ الذى وقع فيه، ومادام الأمر فى يد الناس، فيجب أن نتفاءل، لأنه حتى لو حدثت أخطاء، فإنها ستكون قابلة للتصحيح، ويؤكد عمار أن الرهان أصبح على وعى الناس، بدليل أن الحزب الوطنى دخل الانتخابات فى 2011 بشكل كامل، لأن المجلس العسكرى رفض العزل، ومع ذلك لم يفز إلا بمقاعد محدودة، أما الآن فربما زادت الفرص نتيجة أن القوى السياسية الثورية غير منظمة، وأن الإخوان الذين كانوا يمثلون المنافس الرئيسى قد ضعفت قواهم، لكن.. البرلمان القادم على الأرجح سيكون فيه قدر كبير جدا من التنوع، ولن تكون فيه غلبة لأحد، فالحزب الوطنى كان يدخل الانتخابات ثم يضم المستقلين.. فيصبح لديه أغلبية ميكانيكية، أى أكثر من الثلثين، تصل إلى نسبة الـ90% أحيانا، ومن ثم كان يشرّع ويراقب وفق مشيئته وإرادته.


ويتابع: حاليا الأمر لن يكون على هذا النحو حتى لو مرّ أعضاء من الحزب الوطنى عبر الانتخابات البرلمانية المقبلة، فإنهم لن يكونوا مؤثرين، ولن يكون الأمر بيدهم كما كان سابقا، وسيحاولون التآلف مع الوضع الجديد ومجاراته وليس العكس، لأن إطار اللعبة السياسية قد تغير.


وعن احتمال وجود تشريعات للعزل مستقبلا قال: «لا أعتقد ذلك»، وفيما يتعلق بالصفة التى سيتقدمون من خلالها إلى الانتخابات البرلمانية، أوضح أن الأمر لن يكون مقتصرا على صفة المستقل مع احتمال أن تحظى بالنسبة الأكبر كغطاء لهم، وتابع: هم إلى جانب ذلك لديهم أكثر من حزب على الساحة، لكن فى النهاية هم لا ولاء لهم، بل أقول إنه لم يكون هناك حزب اسمه الحزب الوطنى، ما يسمى بالحزب الوطنى كان وهمًا، بل إنه لا يضاهى بأحزاب مثل حزب البعث ولا حتى الحزب النازى أو الناصرى او الفاشى، فهو كان حزبا بلا أيديولوجيا، فقط مجرد شلة منتفعين حول مبارك وابنه، ولو كان جمال مبارك جاء الى السلطة وأسس حزبا تحت اسم المستقبل، كانوا جميعا سيستقيلون من الوطنى وينضمون اليه، كذلك الأمر لو أسس المشير عبد الفتاح السيسى حزبا، فإنهم سيحاولون الانضمام اليه، بل سينفصلون عن الأحزاب التى أسسوها حديثا للانضمام اليه، او ينضمون الى مراد موافى أو سامى عنان، فهم لا أفكار لهم أو مبادئ يتمسكون بها ويصممون عليها.


وعلق على اختفائهم فى الفترة الماضية.. بأنه كان بمثابة قراءة للمشهد والتعرف على القواعد الجدية خصوصا فى ظل عدم وجود فعاليات سياسية تستدعى ظهورهم بالشكل الكبير وتجنبا لإثارة قضايا ضدهم أيا كانت، وأضاف: أفضل مثال يفسر هذا هو أنه فى الانتخابات قديمًا، عندما كان المعارضون يقدمون أدلة على تزوير الانتخابات لصالح نواب الوطنى ويرفعون قضايا فى هذا الشأن، وكان القضاء يحكم ببطلان الانتخابات فى معظم الدوائر، فإن السلطة التنفيذية لم تكن تنفذ، ومجلس الشعب يعمل بالقول الشهير لرفعت المحجوب «المجلس سيد قراره»، ومن ثم فإن هؤلاء رغم أن البطلان كان يطاردهم فإنهم يستمرون فى البرلمان، لكن حاليا تغير الامر تماما، وصار غير مقبول على الاطلاق تزوير بطاقات او تبديل صناديق او حتى وضع بلطجية أمام اللجان لمنع المنافسين، كل هذه الظواهر اختفت، ومن ثم لن يكون بإمكان اعضاء البرلمان أو النخبة البرلمانية القديمة حتى لو دخل بعضها المنافسة الانتخابية ممارسة الأفعال ذاتها، فالأمور والثقافة تغيرت، والناس ستشارك والانتخابات أصبحت بالرقم القومى، والقضاء يشرف والجيش والشرطة يقومان بالحماية، والإعلام يسلط كاميراته على الصناديق كلها وعيون المنافسين مفتوحة والقضاء جاهز للحكم بالبطلان اذا ثبت ذلك، وهذا كان يعد الرهان الأساسى (اى اختيار القواعد قبل اختيار القاعدين)، فانا أراهن على ان هذه القواعد يجب ان ندافع عنها، وهى موجودة فى الدستور، وتعزز بالتشريعات والقوانين التى ستصدر لاحقا حول انتخابات مجلس الشعب وهو قانون الانتخابات البرلمانية او مباشرة الحقوق السياسية وقوانين الاحزاب، ومن ثم.. فاختفاؤهم كان لاختلاف قواعد اللعبة التى هم مضطرون للالتزام بها طالما لا يوجد بحقهم ما يمنع، ومن هنا.. فإنى أتعجب من الشباب والاجيال المحبطة واليائسة التى تردد عبارة (الحزب الوطنى) بشكل مستمر، فهؤلاء معذورون.. لأنهم لم يمارسوا السياسة قبل ثورة 25 يناير، فهم غير مدركين لحجم التغيير الذى جرى، لأن عملية الانتخابات كانت عملية شكلية بحتة الآن الانتخابات اصبحت نزيهة بنسبة مئة فى المئة بعيدا عن محاولات تزييف الإرادة عبر المال السياسى او الشعارات الدينية لكن الصناديق لا شبهة فيها.


ووافقهما الرأى د. وحيد عبد المجيد الكاتب السياسى والمستشار بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية قائلا: طبعًا.. عودة نواب الوطنى واردة جدًا وليس واردة فقط، فهم موجودون الآن على الساحة فى عدة أحزاب، معظمها مغلق عليهم والبعض فى أحزاب أخرى، وجزء كبير منهم غير منضمين لأحزاب ويعملون مستقلين، وهؤلاء الذين كونوا أحزابا جديدة يمكن أن نطلق عليها (أحزاب الحزب الوطنى)، فجميعهم يبنون رهانهم على أنهم يستطيعون الاستفادة من شعبية السيسى، من خلال التصفيق والتهليل له، حتى ولو تسبب هذا فى الإساءة إليه، لأن أساليب الكثير منهم تسىء إليه، لكنهم يعتبرون أنفسهم إزاء معادلة هى (الرئاسة للسيسى.. والبرلمان لهم)، وبالتالى سيضعون السيسى بعد الانتخابات فى حالة فوزه فى مأزق تاريخى، خصوصا أنه وعد بعدم عودة النظام القديم، ولكنه قد يجد النظام القديم أو الأقدم على وجه أصح موجودا ومجسدا أمامه فى البرلمان الذى يجب أن يتعاون معه، وهذا أحد المآزق الأساسية التى قد يواجهها نتيجة الرهان الذى يدفع بالكثير من نواب الوطنى السابق فى خدمة حملته بدون أن يطلب منهم أحد ذلك، لكى يستفيدوا من شعبيته ثم يضعونه أمام الأمر الواقع فيما بعد.


وعلق د. عبد المجيد على اختفائهم قائلا: معظمهم بعد ثورة 25 يناير اختفى من الساحة السياسية.. لكن الصدمة التى ترتبت على حكم الإخوان وما أحدثته من كارثة فى المجتمع، أتاحت لهم الفرصة للعودة، وهى إحدى المسائل الكارثية المترتبة على كارثة حكم الإخوان التى مازالت تداعياتها مستمرة حتى الآن.


فيما قال د. مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة: الحزب الوطنى كان يعتمد على شخصيات ذات نفوذ عائلى أو مالى فى الدوائر التى تتواجد بها هذه الشخصيات (نواب الوطنى المنحل)، ولذلك كان يسعى لما كان يسميه بالمفاتيح الانتخابية، وهذه الشخصيات لم تكن ذات توجه محدد من الناحية السياسية، لكنها تحرص على نفوذها وعلى أن تستفيد منه على المستوى المحلى بأن تكسب قدرا من الشهرة وأن تتقرب من الحكومة، لذلك كانت تخوض هذه الشخصيات الانتخابات، ولهذا نجد أن بعض العائلات لها ممثلوها فى المجالس النيابية منذ ما قبل ثورة 1952 وما بعدها، وحتى خلال حكم السادات وحسنى مبارك، فلا أعتبر أن هؤلاء ملتزمون بمبادئ الحزب الوطنى، لأنه لم تكن له مبادئ ثابتة، وإنما أعتبرهم يمثلون نفوذا محليا ويريدون استخدامه فى التقرب من دوائر الحكم، وفى توسيع نفوذهم عبر استخدام عضويتهم فى مجلس الشعب، إضافة إلى تحقيق مكاسب تتعلق بالشهرة والجاه، لأن عضوية مجلس النواب تكسب من يحملها قدرا من الجاه والشهرة، ولهذا السبب ليس غريبا يتقدم هؤلاء للترشح فى الانتخابات القادمة، وأن تسعى الاحزاب المختلفة إلى اكتسابهم، لأن معظم الأحزاب القائمة ليست لها قواعد شعبية ومن ثم فهى تسعى الى إغراء الشخصيات التى تتمتع بنفوذ محلى لتخوض الانتخابات على قوائمها.


وعن اختفائهم فقد فسره د. السيد بأنه راجع إلى ضعف الأحزاب وليس اختفاء كليا قائلا: لا توجد أحزاب تملك تواجدا قويا على المستوى المحلى، ومعظمها تمتلك تواجدا على مستوى العاصمة القاهرة، وعضويتها محدودة وحتى تكون ممثلة فى مجلس النواب، فإنها تلجأ الى الشخصيات التى تتمتع بالفعل بمهارات انتخابية والتى سبق لها الفوز، وهذه الشخصيات ليست متمسكة بأى مبدأ من المبادئ، فالحزب الوطنى لم يكن له أيديولوجيا، وبالتالى من السهل عليهم أن يتنقلوا من حزب الى آخر.