الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

إلقاء أموال المصريين فى النهر.. والإحياء الثقافى!




د. زين عبد الهادى
حضرت منذ عدة أيام لقاء يتعلق بالبحث عن آليات لإيقاف التدهور الثقافى، والحقيقة أن ما رأيته وما سمعته أفزعنى من كم مظاهر الاختلال الثقافى فى مصر، لكن وضح لى أن النية لحل أزمة الثقافة فى مصر موجودة، والحاضرين يمكنهم ذلك بقليل من الجهد، ويملكون النية الخالصة لذلك، لكن لاشك أن آليات التفكير فى مصر فى مواجهة هذه القضايا تطلب مزيدًا من العمل على مدى طويل، وأعتقد أن حل أى مشكلة فى مصر مهما كانت يجب أن تراعى فيه أولا النظر بعمق إلى آليات إدارة العمل الفكرى والجمعى لمواجهة مثل هذه القضايا!
إن آليات حل المشكلات فى مصر أصبحت فى حد ذاتها أمرا يحتاج لكثير من الإصلاح، فهذه ثقافة فى حد ذاتها وعلم يجب أن نكون جميعا على قدر كبير من الإلمام به!
يمكننى الإشارة لنموذج لآليات «إيقاف التدهور الثقافى، أو معالجة الانحطاط، حين نجلس لدراسة مشكلة مثل تلك، فيجب أن نعد مجموعة «خبرة وتفكير» أو Think Tank من الموارد البشرية المصرية الرائدة، هذه المجموعة يجب أن تتكون من خبراء وأكاديميين فى مجالات الاجتماع، واللغة العربية (تخصص لغة وتخصص نقد)، وعلم النفس والتربية والتاريخ المعاصر والسياسة والاقتصاد والطب الوقائى والزراعة وعلم المعلومات (ليس الحاسب وليس الهندسة) والإدارة وهندسة البيئة، هؤلاء الخبراء يجب أن يديرهم متخصص فى إدارة المجموعات، ثم نبدأ بوضع تعريف وأهداف لما تريده المجموعة، ثم تقوم بقياس الظاهرة وتكراراتها ونماذجها، ثم يبدأ هؤلاء فى تقديم أطروحات أولية للرؤية، فالعلم يعنى الحياد والموضوعية والتجرد، ثم نضع استبيانًا ضخمًا لقياس الظاهرة ومدى تغلغلها فى المجتمع من عدمه، بحيث تتضمن اسئلة، وإجابات من المنظور الاجتماعى واللغوى والسياسى والاقتصادى والدينى والمعلوماتى مع مراعاة وضع هدف يضمن عدم تكرار تلك الظاهرة فى المستقبل بمعنى توفير منظومة تستحدث آليات جديدة ودائمة للتعامل مع أى انحراف عند معالجة الظاهرة المتكررة، لأن أكبر اشكالياتنا أننا عندما نضع الحلول نضعها بشكل مؤقت للتخلص من صداع الظاهرة أو المشكلة وبالتالى تتكرر المشكلة كل مدى زمنى، وبالتالى نلقى بأموال مصر فى النهر، نحن دائما نريد التخلص من الصداع، ودائما ما نتخلص منه بشكل مؤقت دون معالجة جذرية للمشكلة.
لذلك أرى أن أى مشكلة فى مصر يجب أن تحل بشكل علمى، والعلم موجود فى الجامعات، وليس أى مكان آخر، وهنا يجب أن نتساءل كيف لم نستطع أن نبنى فى الجامعات المصرية عبر مائة عام هى عمر الجامعات مستودعات للخبرة والتفكير تقوم بحل مشكلات مصر بشكل منهجى وعلمى، كيف لم تتعاقد الدولة مع الجامعات لإنشاء وحدات بها لذلك، على أن تتعاون هذه الوحدات مع الوزارات والمحافظات المصرية، وكيف لم تبنى هذه الوحدات بشكل من أشكال التعاقد طويل المدى، وكيف لم يتم التعاقد مع مصريين يعملون بالجامعات الأجنبية لمواجهة هذه المشكلات، مثل مشكلات الأمراض المتوطنة، والإنحدار الثقافى، والصناعة المصرية، والعشوائيات، والتطرف الدينى، أعتقد أن تلك هى الخطوة الوحيدة الصحيحة لحل مشكلات طابور طويل من الأمراض المزمنة، أن نرسم خريطة أولا للمشكلات المصرية!
إن تلك الحلول المؤقتة لن تحل المشكلات المصرية المزمنة، دعونا نضع أولا خريطة مستقبل لحل المشكلات، وان نتخذ من العلم والمعلومات المتاحة والمنهج العلمى أسلوبا لحلها، إن هذا هو ما سيضعنا فى مقدمة الدول، وسيحمى أموال دافعى الضرائب المصريين من أن تلقى فى النهر!
كاتب وروائى