الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الإرهابيون واستحلال الدم فى الأشهر الحرم




تحقيق - محمود ضاحى
 

الأشهر الحرم لها مكانتها فى العقيدة بل إنها كانت تعظم فى الجاهلية من الكفار فكانوا يوقفون القتال فيها وجاء الإسلام فأكد هذه الحرمة ووضع شروطاً للاقتتال فيها من بينها عدم البدء بالاعتداء والاقتصار على رد العدوان.
وحسب قول علماء الأزهر فإن الكفار وقعوا اتفاقات لوقف القتال وتعظيمًا لشعائر الله وتقديرًا لمكانة بيت الله الحرام حيث يستقبلون أناسًا من أبناء أعدائهم فى وقت الحج لأنهم عرب ذو أصالة وشرف لكن الجماعات الإرهابية مثل قطاع الطرق الذين يسرقون وينهبون ويقتلون غدرًا وخيانة فى الأشهر الحرم.. ويفسرون الحلال والحرام حسب أهوائهم مشيرين إلى أن الفتاوى والأحكام الفقهية التى تستند إليها الجماعات التى تتستر وراء الإسلام ضعيفة ويفسرونها وفقًا لتفكيرهم لتخفى أفعالهم الدنيئة خلف ستار الإسلام الذى هو برىء منهم.

وأكد علماء الأزهر أن الإسلام عظم الأشهر الحرم وحرم القتال فيها وأن الجماعات الإرهابية التى تنسب نفسها إلى الإسلام هم خارجون على الملة وأن عمليات القتل والاغتيالات التى تجرى فى العالم الإسلامى وبعض الدول العربية ووضع المتفجرات بين الناس لتصيب الجميع مسلمين وغير مسلمين عمل محرم تمامًا موضحين أن هذه العمليات لا يعد مرتكبوها من المجاهدين أو الملتزمين بالإسلام وإنما هم مجرمون قتلة يجب القصاص منهم وتحذير الشباب من خطرهم.
الأشهرم الحرم أربعة كما قال الله تعالى: «إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا فى كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم» وهى ثلاثة متوالية ذو القعدة وذو الحجة والمحرم وواحد منفرد وهو رجب هذه الأشهر الحرم قال علماء الدين عنها إن لها مزيدًا من العناية فى تجنب الظلم سواء كان ظلمًا فيما بين الإنسان وبين ربه أو ظلمًا فيما بينه وبين الخلق ولهذا قال الله تعالى: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير)، وعن هذه الأشهر وحرمتها وارتكاب الحمامات الإرهابية لعملياتها الحسيسة أثناءها وحكم ذلك.
يقول أحمد بان القيادى المنشق عن جماعة الإخوان المسلمين: إن فكرة الحجج والاقتباس من النصوص الدينية سهلت استدعاء الجماعات الإرهابية بعض نصوص القرآن التى من خلالها يستبيح القتال فى الأشهر الحرم التى عظمها الكفار أيام الجاهلية معتبرين أن الفتنة فى الأشهر الحرم يجب القتال من أجلها.
وأضاف «بان»: إن الجماعات الإرهابية أدرجت فى الدين ما يخدم حسابها وتستنبط من الدين ما يخدم أفكارها بتفسيرات خاطئة مشيرًا إلى أنهم يستخدمون الآية الكريمة فى قوله تعالى: «حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه  الطير أو تهوى به الريح فى مكان سحيق ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق» موضحًا أن الجماعات الإرهابية تستخدم تبرير الفعل وتتعسف فى تفسير الآيات القرآنية.
من جانبه أشار الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر فرع أسيوط إلى أن حياة البشر قبل ظهور الإسلام قائلاً: إن الناس كانوا يعظمون فيها الأشهر الحرم وهذا ثابت فى التاريخ فإذا ما جاءت الأشهر الحرم فإنهم ينتهون عن القتال لكن كان هناك آخرون من المشركين لا يراعون أى حرمة فيعملون فى الناس قتلاً وسلبًا وكانوا يفعلون ما يسمى بالنسىء وهو أنهم كانوا يؤخرون حرمة بعض الأشهر الحرم لينالوا من الناس قتلاً وسلبًا فحرم الله ذلك قال تعالى فى كتابه: (إنما النسىء زيادة فى الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عامًا ويحرمونه عامًا).
وتابع: ثم جاء الإسلام فنهى عن ذلك وحرم القتال فى الأشهر الحرم حسبما جاء فى كتاب الله عز وجل «إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا فى كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم».
وأضاف: إن الإسلام حرم القتال فى الأشهر الحرم إلا إذا اعتدى على المسلمين فإنه يجب عليهم أن يردوا العدوان ولا ينتظروا إلى انتهاء الأشهرم الحرم أما مسألة القتل والاغتيال التى تجرى فى العالم الإسلامى فى الآونة الأخيرة ووضع المتفجرات بين الناس لتصيب الجميع فإن هذا عمل محرم بل عمل يجب على الدولة أن تقيم فيه حد الحرابة ليرتدع هؤلاء المجرمون ثم إن هذه العمليات لا نعد أصحابها من المجاهدين أو الملتزمين بالإسلام وإنما يجب أن نسميهم بأسمائهم فهم مجرمون قتلة.
وأشار عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر فرع أسيوط إلى أن الحكمة من تحريم القتال فى الأشهر الحرم كانت ليتعود الناس على السلم وعدم القتال وهذا ما يدعو إليه الإسلام لأن الإسلام دين سلام وليس دين حرب وهو دين الصفح والعفو وما إلى ذلك قائلاً: إن أدلة ذلك من القرآن الكريم كثيرة حيث قال تعالى: «خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين» كما عظم الله سبحانه وتعالى العفو والصفح عن مقابلة العقوبة بالعقوبة قال تعالى: «وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين» ثم بقى هذا التحريم إلى قيام الساعة.
فى ذات السياق يؤكد «سامح عيد» القيادى المنشق عن جماعة الإخوان المسلمين أن الحروب الآن غير الحروب التى كانت فى عصر الجاهلية فحروب الجاهلية تطول لسنوات وتكون بالسيوف والرماح وفى الأشهرم الحرم المعروفة وهى ذو القعدة وذو الحجة والمحرم وشهر رجب كانت تتوقف لاعتبارات دينية واقتصادية.
وأضاف «عيد» أن بعض الجماعات الإرهابية تستعين بآية «واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم» موضحًا أنهم يستعينوا بالضرورات تبيح المحظورات.
وقال إن الكفار أيام الجاهلية كان لهم بعد اقتصادى دينى فى الحروب حيث كان لقبيلة قريش رحلات اقتصادية واعتبارات دينية وخلال موسم الحج يوقف القتال باتفاق بين الطرفين لأنه كان من أبناء أعدائهم من يقوم برحلات حج لمكة أيضًا.
وأضاف القيادى المنشق فى عن جماعة الإخوان المسلمين: إن الجماعات الإرهابية التى ظهرت سواء داعش أو بوكوحرام أو الإخوان تسعى لفكرة محورية واحدة وهى فكرة الخلافة مؤكدًا أنها لديها هستيريا دموية لتبرير القتل من خلال تفسيرها الخاطئ لبعض الآيات واستخدامها من السنة ما يخدم فكرتها ويبرر دمويتها مشيرًا إلى أن قطع الرءوس وقتل الناس والتمثيل بالجثث يخالف الدين.
وأكد عيد أن التيار المدنى تراجعت نشاطاته بعد 98 وأصبحت دعوات التطرف الدينى تتوغل لافتًا إلى أن القنوات الدينية السلفية نشرت أفكارًا خاطئة تفولت فى الأرياف والقرى حيث نشروا بعض الأفكار المتشددة ولا ننكر أن للشيخ أبى اسحاق والشيخ محمد حسان شعبية جارفة فى الريف المصرى.
أما الداعية الإسلامى الشيخ محمد شعبان قال إن الأشهر الحرام هى ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب وورد حديث فيها فقد روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما عن أبى بكرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض السنة أثنا عشر شهراً منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضرالذى بين جمادى وشعبان» والقتال فى الأشهر الحرم نوعان الأول قتال دفاع وهذا جائز بإجماع أهل العلم والثانى قتال هجوم وجمهور أهل العلم اتفقوا على جوازه سواء ابتدأ فيها أو ابتدأ قبلها وقالوا: تحريم القتال فى الأشهر الحرم منسوخ بقول تعالى: «فأقتلوا المشركين حيث وجدتموهم» (التوبة: 5).
بينما يوضح الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف: إن الكفار فى جاهليتهم كانوا يعظمون الأشهر الحرم فيحرمون فيها القتال كما كانوا يحفظون للبيت الحرام والأماكن المقدسة حرمتها ثم جاء الإسلام فزاد بيت الله الحرام تعظيما ومهابة وأكد حرمة الدماء والأموال والأعراض.
وأضاف فى بيان له: إن مسيرة الإصلاح التى أنطلقت فى مصر لن تعطلها أو تثنيها عنها تلك العمليات التى تقوم بها الجماعات الإرهابية التى تلفظ أنفاسها غير أننا يجب أن نعمل جميعاً متضامنين على اجتثاث خلايا الإرهاب النائمة وسرعة الإبلاغ عن أى عنصر يشتبه فى انتمائه إلى تلك الجماعات الإرهابية.
وأوضح أنه فى الأشهر الحرم ابتلينا بأناس لا يرقبون فى الدماء حرمة ولا عهداً أو ذمة يقتلون غدراً وخيانة فى الحلال أم فى الحرام وقد نهى الإسلام عن كل ألوان الغدر والخيانة مشيراً إلى أن هؤلاء الإرهابيين الذين صنعتهم الأيدى الصهيونية والاستعمارية لتحقيق أغراضها وأهدافها فى السيطرة على منطقتنا لا علاقة لهم بالدين ولا بالإسلام ولا بالآدمية ولا حتى بالقيم التى حافظ عليها الكفار فى جاهليتهم مما يتطلب جهوداً كبيرة ف التوجيه الدينى والفكرى والثقافى والتربوى من كل مؤسسات الدولة لتحصين المجتمع خاصة الشباب من الوقوع فى براثن هؤلاء فكرياً أو تنظيمياً.
فى نفس السياق يضيف الشيخ هانى سعد إمام الجامع الأزهر الشريف إن الكفار والمشركين كانوا عربًا وكانت فيهم الأصالة والعراقة وكان عند العرب رجل يسمى عبد الله بن جدعان من الأكابر قال عنه النبى صلى الله عليه وسلم لو حضر الإسلام لأمن به لكنه مات كافراً قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأوضح إمام الجامع الأزهر الشريف أن الكفار كانت لهم مبادئ فى احترام المواثيق والعهود والالتزامات لكن الإرهابيين لا عهد لهم فالكفار حاربوا النبى صلى الله عليه وسلم لكنهم التزموا بعدم القتال فى الأشهر الحرم مشيراً إلى أن ما حدث فى صلح الحديبية من نقض العهد كان من بعض قطاع الطرق الذى أغاروا على المسلمين وقتلوا البعض منهم وليس من زعماء قريش الذين ذهبوا للنبى محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا له إنهم يحترمون العهود والمواثيق واصفاً الجماعات الإرهابية التى تقتل وتفجر الآن بقطاع الطرق واللصوص. وأشار إلى أن التنظيمات الإرهابية التى انتشرت فى العالم العربى والإسلامى لا دين لهم ولا ملة ويقتلون الجميع سواء مسلمين أو غير مسلمين.
الداعية الإسلامى الشيخ إسلام النواوى بإدارة الدعوة فى وزارة الأوقاف قال إن كفار قريش كان منعهم للحرب فى الأشهر الحرم متعلق بالشرف حيث كان العرب يخشون على شرفهم بين القبائل بينما أهل الجماعات الإرهابية يبررون انتهاكهم لحرمة تلك الأشهر بأنه قتال باسم الإله مشيراً إلى أنه أكبر دليل على زيف تدينهم متسائلا لماذا يفجرون أنفسهم فى مجتمعاتهم أى عقيدة يتبعونها إنهم لا يعترفون بمجتمع أو وطن.
وأضاف النواوى لقد انعزلوا بفكرهم المغلوط عمن حولهم وكل من لم يواليهم فهو عدوهم حتى إن كان أقرب الناس إليهم.