الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الكنيسة تبتعد عن الإنسانيات.. وتجامل الأغنياء على حساب الفقراء!

الكنيسة تبتعد عن الإنسانيات.. وتجامل الأغنياء على حساب الفقراء!
الكنيسة تبتعد عن الإنسانيات.. وتجامل الأغنياء على حساب الفقراء!




تحقيق - روبير الفارس

لم تكن رسائل رئيس الجمهورية، عبد الفتاح السيسى، المتكررة لتجديد الخطاب الدينى رسالة تخص الاسلامى فقط، بل إن الدعوة تشمل أيضا الخطاب المسيحى الذى يعانى فى الوقت الحاضر من سيطرة «روح الخرافة» وغياب الاهتمام الكافى بتعاليم الكتاب المقدس وتراث الآباء، ويبقى سؤال مضمونه ما الذى يحتاجه الخطاب المسيحى ليواكب العصر؟!، هذا ما نبحث عنه فى السطور الآتية:


فى البداية يقول الدكتور ماجد عزت، الباحث فى التاريخ القبطي، إن قضية تجديد الخطاب الدينى المسيحى قضية قديمة تتجدد من آن لآخر عندما يدرك أهل الرأى أن هذا الخطاب فى واد والمجتمع بتطوراته فى واد آخر، منوها إلى أن الكنيسة كمؤسسة دينية لها تعاليمها وخصوصيتها وطقوسها التى نمارسها منذ تأسيس كرسى القديس مار مرقس الرسول فى «56-68».
ولفت عزت إلى أن الكنيسة القبطية منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا تقوم على التسليم والحفاظ على الطقوس وتعاليم الكتاب المقدس وسير القديسين والآباء والشهداء، ومن أجل ذلك ظهرت فكرة الرهبنة وانتشرت الأديرة والكنائس فى شتى ربوع  البلاد، فضلا عن أن النوبة كان آخر ملوكها فى القرن الـ15 من أقباط مصر الملك جورج، وفى القرن الـ19 تبنى البابا كيرلس الرابع المعروف بأبو الإصلاح «1854-1861» حركة التنوير داخل الكنيسة.
وأوضح أن أبو الإصلاح أحضر مطبعة من أوروبا وأنشأ المدارس القبطية التى لا تزال حتى يومنا، ناهيك عن أنه واصل نهضته وتنويره لقرى مصر، حيث أنشأ بأحد أديرة مدينة الواسطى بمحافظة بنى سويف كتابا لتعاليم الأقباط والمسلمين، خلاصته أن  الكنيسة القبـطية علمت العالم قوانين وطقـوس المسيحية، علاوة على أنه توجد أديرة وكنائس أوروبية تستمد بعض أنظمتها من كنيستنا القبطية المصرية.
ونوه عزت إلى أن جرجس أصدر بعض الدوريات والمطبوعات التى تهدف فى المقام الأول لنشر تعاليم الكتاب المقدس التى خلاصته «المحبة والسلام»، إلى جانب أنها تقبل الآخر والإخلاص للوطن والدفاع عنه، من خلال المشاركة فى جيش مصرنا الحبيبة، والسعى نحو الأبدية بمحاربة الخطايا، والصلاة من أجل الجميع دون تفرقة أو تميز، ومن أجل الأنهار والمياه والبحيرات ..الخ.
وأشار إلى أن الجيل السابق الذى تربى على يد القديس حبيب جرجس تعلم الثقافة واللاهوت والألحان القبطية، وكذلك اللغات التى كانت منها اللغة القبطية والإنجليزية والفرنسية، ومن طليعة هذا الجيل قداسة البابا شنـــودة الثالث «1971-2012»، الذى ترك لنا تراثا ثقافيا يدرك الباحثون قيمته التاريخية، وكذلك العلامة القديس الأب متى المسكين، الذى يعد فيلسوف المسيحية فى القرن الـ20، الذى ترك لنا أيضا نحو 182 كتاباً تعتز كنيستنا بقيمتهم القبطية، بل والكنائس الأوروبية.
وأضاف: على أية حال الخطاب القبطى يسعى دائما للسلام لا العداء، والتسامح لا الكراهية، والتعاون مع الآخر لا الاستقلال، وضبط النفس لا الفتن والمؤامرات، وكذلك الدعوة لمساندة الوطن والحفاظ على هويته المصرية، والإطاحة بالأنظمة الفاشية التى تهدف لتدمير وتحطيم المجتمع المدنى، إلى جانب الدعوة للسلام فى منطقة الشرق الأوسط والعالم اجمع، ناهيك أن تعاليم الكنيسة من القداسات والاجتماعات الروحية ومدارس الأحد والأنشطة الصيفية والكنيسة هدفها خلق جيل جديد للتكيف مع تقنيات العصر الحديث.
رسالة  المسيح
يقول باهر عادل، كاتب، إن الخطاب المسيحى يجب أولاً أن يُركز على رسالة المسيح الخلاصية، التى تهدف إلى تغير كيان الإنسان وتجديده، إلى جانب التركيز على مفاهيم «الانسانية ـ الحرية ـ العدالة»، ولا يجب التركيز على الأبدية فحسب بل أيضا أن نناقش الأمور الحاضرة بواقعية، وأن يكون خطابا متسامحا لا يدعو للعنف أو الكراهية، ويدعو إلى احترام الآخر، وقبول المختلف معه، واحترام المرأة، وأهمية النقد، وأهمية العقل، والإيجابية فى الحياة.
ويرى باهر أنه لابد أن يكون رجال الدين لهم فكر وثقافة رفيعة، وان يكونوا متشابكين مع ثقافات أخرى، وليسوا أحاديى الفكر، مشيرا إلى أن آليات تنفيذ الأهداف السابقة هي: اختيار كهنة مشهود لهم بالتقوى، ومشاركة الشعب فى اختيار الكاهن، إلى جانب أن يتم تعليم الكاهن فى كليات لاهوت  محترمة، تُخرج لنا كاهنا روحانيا مثقفا مستنيرا يستطيع أن يتجادل ويحاور ويحتوى الآخر المُختلف، مشددا على أن الإكليريكية ومعاهد الدراسات هى رأس الزاوية، وفصول إعداد الخدام بالكنائس، وإذا تم تخريج دفعات قوية سينصلح حال الكنيسة.. فمن هنا يبدأ الإصلاح!
العظة  العملية
ويضيف بيشوى البسيط، مؤسس جماعة صوت المعمدان، إننا نعيش حياة كلامية والكلام يحيط بنا من كل اتجاه نسمع عظات فى القداسات والاجتماعات والفضائيات، فى الوقت الذى نحتاج فيه إلى العظة الصامتة، بمعنى أن يكون الخادم والكاهن تلك العظة الرنانة المعاشة التى يسهل من خلال معايشتها خبرة تساعدنا على تخطى التجارب بسهولة، عظة عملية تجعلنا نتقدم فى حياة التوبة، والبداية تكون بتثقيف الآباء وإبعادهم عن جميع الأمور المادية والإدارية.
وشدد البسيط على أنه لابد وأن يتفرغوا لما دعيوا إليه وهو خلاص النفوس وتسليم التعليم الذى ينجينا من الهلاك، فملف التعليم أمر كتابى لا عن معرفة فقط بل عن فهم أيضا، والمقصود بقوله: «أعطيكم رعاة يرعونكم» هو أن المعرفة والفهم هما الحياة المعاشة والتى فى عدم وجودها فى حياة الكاهن والواعظ يجعلنا نعثر فيهم لأن عبوديتهم لله باللسان فقط، وتكون النتيجة فى نهاية الأمر أنهم ملأوا العالم كلاماً.
البعد عن السياسة
أما مدحت بشاي، أحد مؤسسى التيار العلمانى الاصلاحى، يرى أن هناك عدة جوانب تحتاج إلى ثورة وتجديد فى الخطاب الدينى المسيحى أهمها فصل الدين عن السياسة، ومستوى الانفتاح على الآخر المختلف فى الدين أو العقيدة، وأيضا مستوى تنقية التعليم من ثقافة الدروشة وتأليه القديسين، إلى جانب مستوى تعليم التهود والحرفية.
وأضاف بشاى: كانت دعوة رائعة من رئيس الجمهورية، عبد الفتاح السيسى، ورؤية موضوعية لأسباب تصاعد الفعل الإرهابى عبر تبنى فكر مضل مشوه للأديان، ومخالف حتى للقيم الإنسانية والتربوية التى توفر فرص التعايش المشترك فى سلام، قائلا: وإن كنت أرى أن الأمر كان يحتاج لبعض القرارات الحاسمة لدعم عمل من يكلفون بتصحيح مسار الخطاب الديني، مثل تفعيل ما جاء فى الدستور وبشكل عاجل لإلغاء الأحزاب بمرجعية دينية، وقوانين لمناهضة التمييز بجميع أشكاله، وفض الاشتباكات التى تثير الفتن فى مجال تفعيل مبادئ المواطنة، وإعمال القانون فى مجالات التوظيف وبناء دور العبادة.
وأشار إلى أن الخطاب الدينى المسيحى يعتمد أولاً على ضرورة تمييز المؤسسة الدينية بين ممارسة الدور الوطنى والدور الروحي، والانخراط فى العمل السياسى، والتعلم من دروس الماضي، قائلا: «يا من تورطتم فى تأييد نظام مبارك وابنه بغباوة قلب، وهو العهد الذى شهد أعظم وأبشع حوادث قهر المواطن القبطى المسيحي، وكأن مبارك لم يدع رئيس الكهنة قيد النفى فى الدير 4 سنوات، وهو الذى أفرج عن جميع من شملهم قرار السادات الأخير قبل رحيله واستقبلهم فى قصره إلا قادة الكنيسة.
وتابع: أيضاً لا بد من الانتهاء من زمن الاكتفاء بالبكاء والعويل والمظلومية على جثث الضحايا الأقباط عقب كل كارثة، فالمواطن المصرى المسيحى مواطن له جميع الحقوق كما عليه جميع الواجبات، وعلى الخطاب الدينى أن يدعم ويربى الطفل المسيحى على ضرورة المشاركة المجتمعية والسياسية والوطنية بكل حماس، علاوة على تعليمهم فى مدارس الدولة والكنائس، حيث كان لأقباط مصر وكنيستهم العظيمة أدوار وطنية وثقافية وسياسية رائعة لدعم حالة الانتماء والوطنية فى نفوسهم.
المسيحية  والعلم
ويقول القس فادى فوزي، إن علاقة الكنيسة بالسياسة، وعلاقة المسيحية بالعلم، أبرز الأمور التى ظهرت على الساحة السياسية فى مصر، الأمر الذى عكس بدوره أولوية تجديد الخطاب الدينى المسيحي، منوها إلى أنه بالنسبة إلى العلاقة بين الكنيسة والسياسة فيجب أن يتخذ شكل الخطاب الدينى بعدا تحريرا للإنسانية بمعنى أن دور الكنيسة إعلاء مبادئ العدل والمساواة والحرية، فكلا من دعوات فصل الكنيسة عن السياسة أو التصريحات السياسية لرجال الدين تغفل هذا البعد التحريرى للإنسان ولهذا فالنتيجة إما أن تكون منعزلة عن المجتمع أو تتحدث فيما لا يعنيها.
وأشار إلى أنه بخصوص العلم فنجد معظم تعاملات الكنيسة فى هذا الملف مرتبط بالشكل مثل لغة جديدة أو وسائل تكنولوجيا حديثة، كأن تقرأ العظة من الـ«آى باد ـ اللاب توب»، لكن يظل المضمون بلا تجديد، مشيرا: نفس الموضوعات العتيقة لكن فى ثوب جديد وهو ليس تجديدا ولكنه ترقيع، لهذا دور الكنيسة أن يكون تجديد المحتوى بنفس جدية محاولات تطوير الشكل وهذا يتضح بشدة فى كمية القصص الضخمة والأمثلة غير الواقعية، أو الخرافية التى يبنى عليها التاريخ، فيجب تنقية الخطاب الدينى من هذه الخرافات.
بطن  التجربة
عيد سعد، باحث، يقول إننا نجد فى هذا العصر أن الكنيسة تعيش عصرا من العصور الظلامية بسبب غياب التعاليم المسيحية وبذلك نعيش عصر الغيبيات، وهذه التعاليم لا تتفق مع عصر السوشيال ميديا وتدفق المعلومات عبر وسائل الاتصال، فيجب تغير الخطاب الدينى مواجهة العلم بالعلم والمعلومات وليس بالغيبيات، نحن فى عصر كل ما هو خفى يستعلن فى هذا العصر  «لأن ليس مكتوم لن يستعلن، ولا خفى لن يعرف».
وأضاف: مع غياب الحكمة والتعاليم الصحية فى الكنيسة نجد أن رأس الكنيسة يخلط الدين بالسياسة ويجامل على حساب الوعظ والكلمة التى من حق الشعب، والمعرفة الروحية وهى من المفترض أن تبنى وتغذى الروح والإيمان وأن تكون الكلمة من الله، متسائلا: هل البابا يقدم نموذجا أفضل من السابق أم ينتهج نفس النهج من التطبيل؟، فضلا عن أن سفر حزقيال 34 ذكر «ويل للرعاة الذين كانوا يرعون أنفسهم، ألا يرعى الرعاة الغنم تأكلون الشحم، وتلبسون الصوف وتذبحون السمين، ولا ترعون الغنم، المريض لم تقووه، والمجروح لم تعصبوه، والمكسور لم تجبروه، والمطرود لم تستردوه، والضال لم تطلبوه، بل بشدة وبعنف تسلطتم عليهم.
وطالب سعد بالرجوع إلى التعاليم الأولى والبعد التام عن السياسة وعدم الوعظ والتلون، حيث نجد أن كلام البابا داخل العظة عن ملك السعودية بأن عليه هالة من النور وغيرها من الأمور التى يتعجب منها الاقباط نفاق مرفوض من البابا، الأمر الذى لا يصح أن يصدر منه، علاوة على أن هناك أيضا نفاقا فى التعامل يتضح فى تهانى الأغنياء أو صلاة الأفراح التى يقيمها الأساقفة تكريما، فى حين أن الفقراء لا نجد اهتماما بهم.
وتابع: ونفس الأمر فى صلاة الجنازة على الأغنياء والعكس، فضلا عن أن حتى الطقوس تدخل فيها مجاملات ويتم التطويل والترنم بالألحان كاملة إذا كان المحتفى به أو الراحل غنى، والعكس إذا كان فقيرا، علاوة على أن الكروتة اذا كان الشخص فقيرا تجدها ركيكة، فهل جاء المسيح الفقير إلى الأغنياء، فى الوقت الذى لا يضع فيه الكثير أن تلك الأمور والمجاملات تؤلم جدا نفوس الفقراء من المسيحيين.
واختتم: نحن نعيش عصر النفاق وهذا لا يتفق مع مكانة وتعاليم السيد المسيح، لذلك يجب محاسبة ومراجعة التعاليم، موجها رسالة لرجال الدين المسيحى وهى مقولة لشاعر يونانى: «يا أبى رجل الدين عظتك يا سيدى جميلة رائعة ومؤثرة.. خطبتك تمس شغاف القلوب إلا أن بطنك الكبير المترهل يدخلنا فى التجربة».