الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

على جمعة: تنقيح «الصحيحين» وكتب «التراث».. تزوير

على جمعة: تنقيح «الصحيحين» وكتب «التراث».. تزوير
على جمعة: تنقيح «الصحيحين» وكتب «التراث».. تزوير




 متابعة -محمد خضير

تحولت الندوة التى عقدت بقاعة «كاتب وكتاب» لمناقشة كتاب «الإجماع» للشيخ على عبد الرازق، إلى لقاء مفتوح مع الدكتور على جمعة مفتى الجمهورية الأسبق، وعضو هيئة كبار العلماء، الذى قام بعرض محتوى الكتاب، ثم دار اللقاء حول العديد من القضايا الأخرى التى تشغل الرأى العام، ومن بينها الجريمة البشعة التى قام بها تنظيم داعش الإرهابى عندما أحرق الطيار الأردنى «معاذ الكساسبة»، وتطوير الخطاب الدينى وغيرها.


فقد تلقى الدكتور على جمعة عدداً من الأسئلة من الحضور وكان الكثير منها حول داعش خاصة الفيديو الذى تم بثه ويصور إحراق الطيار الأردنى الأسير لدى داعش، وما الفرق بين تجديد الخطاب الدينى وإصلاحه؟.. هذا إلى جانب قضية إرضاع الكبير وغيره من الأحاديث التى يشكك فيها البعض.
وأجاب جمعة قائلا: هناك علم يسمى التوثيق وهو علم كبير لا نستطيع أن نهدره ببعض الأفكار وهو مكون من 21 علماً وإلا نكون نعلم الدين بطريقة لا تليق بجلال الدين.
وأضاف ان السلف الصالح بذلوا واجب وقتهم وعلينا بذل واجب وقتنا، وفى البخارى أن السيدة عائشة روت عن الرسول«صلى الله عليه وسلم» ما يسمى بإرضاع الكبير فيظن الناس أن الولد يتناول من المرأة مباشرة وهذا غير مقبول لكن الفقهاء تقول تعصر ثديها فى فنجان وتعطيه.
وتابع: نحن لم نحتج إلى هذا ولذلك نجد أن الأئمة الأربعة لم يأخذوا بإرضاع الكبير وهو فى البخارى ولكن من أمانتهم تركوه لأن الحذف يعنى التزوير.
واستطرد قائلا: تعلمنا فى الأزهر الترجيح، فيأتى واحد يستثير أستاذ كبير بهذا الحديث وهذا ليس علماً ولكن نوعاً من ثقافة التضييق والأزهر لم يأخذ به ولا يمكن تزوير التاريخ لكن يمكن التعامل معه.
وضرب جمعة مثالاً بحديث فى البخارى يقول إنه لو سقطت ذبابة فى الإناء اغمسها وارمها، فلو لم يستطع إنسان فعل ذلك فلا لوم عليه، موضحا أن هذا الحديث أفاد الصوماليين خلال المجاعة عندما ملأ الذباب شوربة اللحم الذى جاءت إليهم واقترح أحد الموجودين الأخذ بهذا الحديث حتى لا يقومون بالتخلص من اللحم.
وأكد جمعة أن حذف مثل هذه الأحاديث وعدم النص عليها فى البخارى يعنى تضييق الإسلام وتفصيله علينا وتزوير للتاريخ، حيث إنها سعة من الدين وليس فرضاً.
وحول حرق داعش للأسير الأردنى قال جمعة إن حرق الأسرى بناء على أسانيد داعش يعد كلام «فاضى» والقصة الموهومة التى يستندون عليها باطلة وليس بها حجة من أجل «الشو الإعلامي».
وأضاف جمعه: أنه علم بقتل الطيار فى 5 يناير الماضي، لافتا إلى أنهم يفعلون ذلك لإيقاع الرعب فى الناس وهم يفعلون كما يفعل التتار عند دخول أى بلد من قتل النساء والأطفال وأيضا إسرائيل فعلت ذلك فى فلسطين.
وحول كتاب الإجماع قال جمعة إن مؤلف الكتاب هو على حسن أحمد عبد الرازق وهو من محافظة المنيا، ولد فى إقليم بنى مزار وفى قرية تسمى أبو جرج، من أسرة غنية تمتلك أكثر من 7 آلاف فدان وفى هذا الزمن كان يرسل الأغنياء أبناءهم للأزهر، وشقيقه هو العلامة مصطفى عبد الرازق.
وأضاف جمعة: ولد الشيخ على عبد الرازق فى عام 1888 وهو أكبر من الأديب طه حسين بعام واحد، وبعد تخرجه فى الأزهر سافر إلى بلاد الانجليز وحاول الانضمام لجامعة إكسفورد وقامت الحرب فى انجلترا واضطر للعودة إلى مصر 1915، وخلال ذلك أتقن الانجليزية واتصل بكثير من علماء الانجليز وعين قاضياً شرعياً فى المحاكم الشرعية.
وتابع: فى 1911 وكان عمره 23 عاماً، ألف كتاباً عن البيان وهو علم من علوم البلاغة بعنوان «البيان وتاريخه» وطبع فى مطبعة المقتاد، والكتاب عبارة عن دروس ألقاها الشيخ على الطلبة فى الأزهر، مشيرا إلى أن الأستاذ وقتها كان فى حالة تعلم دائم وهو ما افتقدناه الآن.
واستكمل قائلا: البيئة التى نشأ فيها هى بيئة يتعلم فيها أركان العلم الخمسة والجو العلمى والحضور والأبحاث، وحينئذ حصل على العالمية وهى الدكتوراه من خلال إعداد بحث عن البيان وهو فى عمر 23 عاماً.
وأشار جمعة إلى أن الكتاب ألفه المؤلف فى عام 1947 وكان عبارة عن مجموعة محاضرات ألقاها فى جامعة القاهرة، ثم فى عام 1957 ألف سيرة الشيخ مصطفى عبد الرازق وطبعته له دار المعارف فى 500 صفحة ويحكى فيه سيرته مع شقيقه ومع غيره من العلماء.
وأوضح جمعة أن مؤلف الكتاب كان على اتصال وثيق مع طه حسين، لافتا إلى كتاب ألفه المؤلف عام 48 تحت عنوان ذكرى المغفور له منشئ مصر الحديثة محمد على باشا وهو يتكون من 10 صفحات ويدل الكتاب على أن الشيخ يمدح فى عائلة محمد على بداية من منشأها ونهاية بـ«فاروق الأول». كما أوضح جمعة أن كل كتب الشيخ تعد «أمر» وكتابه الذى صدر فى عام 1925 وهو فى عامه الـ37 بعنوان: «الإسلام وأصول الحكم» من 103 ورقات، يعد «أمراً» آخر، حيث ذهب فيه المؤلف إلى أن قضية الخلافة ليست من أسس الدين، وهذا كان صادما للثقافة الرائجة حينها من أن الخلافة جزء من الدين.
وتجاوز ما أحدثه الشيخ من تأثير مصر والعالم العربى على المحتل الإنجليزي، الذى كانت لديه رغبة فى أن تكون مصر مركزا للخلافة الإسلامية، بعد سقوط الخلافة العثمانية فى تركيا على يد مصطفى كمال أتاتورك.
فسعى الإنجليز لتكريس الفكرة، لخدمة تطلعاتهم، والتغرير بالمسلمين، وتعزيز استعمارهم برعايتهم للفكرة، كما أن الملك فؤاد تحمس للفكرة، وبدأت الدعوة تتسع لفكرة الخلافة بين الأذناب وتجار الدين، ولم يجرؤ أحد أن يتكلم ضد الملك، لكن الشيخ الشاب وقف ضد هذا كله، وخرج بكتاب لا يزيد عدد صفحاته على المائة إلا قليلا، وهو «الإسلام وأصول الحكم»، الذى عكف على البحث كثيرا قبل إصداره، فيما كانت رحى معركة الخلافة تدور على أشدها.
وعقدت جلسة لمحاكمة «عبد الرازق» فى الأزهر، وصدر حكم بتجريد الشيخ من «العالِمية»، (شهادة الأزهر)، لأنه أتى بأمور تخالف الشرع، ودافع عنه طه حسين وآخرون.
كما شهد المعرض موعداً مع المفكر التونسى عبد المجيد الشرفى، حيث التقاه جمهور المعرض فى اللقاء الفكرى الذى جاء تحت عنوان  «التجديد فى الفكر الدينى»، وأداره الدكتور على مبروك
قال الشرفى إن فرص اللقاء بين المثقفين العرب عادةً ما تكون محصورة ما بين المؤتمرات والمنابر الجامعية، وقلما تتاح فرصة لقاء وحوار مفتوح بين المثقفين والجمهور وخاصةً فيما يتعلق بالأمور الدينية الحساسة كموضوع اليوم.
وأوضح الشرفى أن المنطلقات الفكرية، التى كانت أساسًا فى تغير مساره الفكرى، إنما تعود إلى مرحلة دخوله الجامعة، حيث لاحظ أن هناك اختلافًا كبيرًا بين الجامعات الأوروبية فى بريطانيا وألمانيا وغيرها وبين جامعاتنا العربية.
فالجامعات الأوروبية تحتوى على قسم للدراسات الدينية يختلف عما هو موجود فى كليات اللاهوت والجامعات الدينية، فالجامعات العربية عمومًا تفتقر إلى هذه الأقسام والدراسات فى غير الجامعات الدينية، فالجانب الدينى يدرس داخل الجامعات الدينية كجامعة الأزهر فى مصر والزيتونة فى تونس والقرويين فى المغرب.
أما فى كلية الآداب فكانت الدراسات الدينية يتولى تدريسها أيضًا الشيوخ الذين جاءوا من الكليات الدينية، بينما ثمة فارق كبير بين المنهجية المتبعة فى الجامعات الدينية وكليات الآداب، فالجامعات الدينية تؤهل من فيها ليمارسوا أدواراً معينة كالأئمة والخطباء والوعاظ، لكن كليات الآداب بعيدة جدًا عن هذا الفكر والمنهج، فالغرض من وجود الدراسات الدينية بكلية الآداب هى أن تكون فى تفاعل وتراشق مستمر مع أقسام الدراسات الإنسانية كالتاريخ والفلسفة والاجتماع وما إلى ذلك، وأن تكون المناهج المتبعة فى الدراسات الدينية هى نفس المناهج العلمية المتبعة فى سائر أقسام المؤسسة.
وتابع: ان الهدف من دراسة الفكر الدينى هو التفهم والفهم الأفضل لما هو فى النصوص وما هو فى الواقع بشكل حيادي، مع العلم بأنه يصعب الحيادية فى العلوم الإنسانية، وهذا أحدث خلافًا كبيرًا بين ما اتبعناه وما كان متبعًا فى الجامعات، فالحيادية والموضوعية تقتضى ألا أفضل الفكر السنى على الفكر الشيعى من منطلق أن أغلب المسلمين من السنة، ونفس الشيء بالنسبة لحكمنا على الخوارج، والصعوبة تكمن فى كيفية دراسة هذا الفكر الدينى بموضوعية بالرغم من أننا ورثناه.
وكانت هذه هى البداية التى انطلقت منها، فأنا لا أدعى لا الإصلاح ولا التجديد بل أنا دارس وباحث، دُعيت لأن أتحدث إليكم اليوم عن التجديد فى الفكر الديني، وفى الحقيقة لقد ترددت فى الحديث تحت هذا العنوان، لأننى أعتقد ان التجديد ليس مصطلحًا دقيقًا فمن القديم ما هو صالح ومن الجديد ما هو موضة ومسايرة لأفكار ترتبط بمجتمعات أخرى، ولذلك فأنا أفضل مصطلح «التحديث» عن التجديد، فالحداثة من مظاهر هذا القديم والحديث ونستشهد فى هذا بما قام به عمر بن الخطاب فيما يتعلق بآية (المؤلفة قلوبهم) فبالرغم من أن هذا الموقف حدث من قرون طويلة إلا أنه صالح إلى اليوم وكذلك حينما اعترض أحد شيوخ المعتزلة بقوله أن الإجماع لا وجود له مع العلم بأن هذا الموقف لم يوافق عليه أغلب علماء المسلمين وقتها ولكنه كان موقف تيار كامل لم يُكتب له الاستمرار.
فمفهوم الإجماع تم تحويله لتكريس فئة على سائر المسلمين دون مستند واضح، والسؤال الآن لماذا هذا التحديث وما هى ضروريته، والإجابة إن الضرورة راجعة إلى أن المسلم المعاصر ولنقل كذلك أن المسيحى واليهودى والبوذى المعاصرين وكل المؤمنين يريدون مواءمة بين الموروث الدينى ومقتضيات العصر، فالمقتضيات المادية لا مشكلة فيها، وإنما تكمن المشكلة فى التوافق والتأقلم بين المقتضيات المعرفية والموروث الديني.
وأكد الشرفى أن هناك تناقض واضح بين سلوك وقيم الإنسان المعاصر ودينه، وهذه محاولة للبحث عما ينبغى تحديثه، فالمسألة ليست فى تجديد أو تحديث الدين وإنما هى فى تحديث أشكال التدين، أى أشكال الفهم للأديان، فهذه الأشكال من التدين والتأويل تتم إما بتحويلات واعية أو لا واعية، علمًا بأن عملية التأويل لابد أن تساير الوعى بكل جراءة.
فمكمن المشكلة فى ثقافتنا الراهنة فى مختلف البلاد العربية والإسلامية هى هذه القطيعة بين المعاصرين الذين يتحدثون بلغات مختلفة ولا يفهم أحد منهم الآخر نظرًا لاختلاف منطلقاتهم الدينية والفكرية، فالمجتمعات المتقدمة حدث فيها تطورًا مبكرًا، فحدث فيها تقارب فعندما يتكلم القس او الراهب فى التليفزيون الألمانى فإن خطابه مقبول ومفهوم لدى الذين لا يشاطرونه نفس الجنسية، فهو يتكلم بنفس اللغة المفهومية، بينما لا يوجد هذا عندنا لأننا نتكلم بلغات مفهومية مختلفة، وهذا ما يجعلنا نلح على تحديث الفكر الديني، حتى لا يبقى الناس يتكلمون دون رابط بينهم.
العلاقات السياسية والاجتماعية والجنسية وغيرها كلها مؤسسات بشرية وتاريخية نسبياً ولا يوجد فيها مؤسسة واحدة خاضعة للفكر الدينى أو ينطبق عليها فى الفكر الحديث صفة الاستقراء، وإذا ما كان الأمر كذلك فإن الذين يتشبثون بتطبيق أحكام الشريعة هم خارجون تمامًا عن مقتضيات العصر المعرفية التى تفرض علينا أن نؤمن بأن ما يسمى بالأحكام الشرعية إنما هى أحكام خاصة بظرف تاريخى ومكانى معين، فهى تصلح لظرف دون آخر، فهل كل المسلمين مستعدون الآن لهذه الثورة المعرفية، هنا يكمن جوهر المشكلة، ولهذا فإننا نتفهم الاعتراض على هذه المنهجية فى دراسة الفكر الدينى لأن الناس تعودوا على عدم مناقشة هذه الأحكام لأنها صالحة لكل زمان ومكان.
إذاً فلا معنى للتحديث فى الفكر الدينى إذا اقتصر على فئة من المجتمع دون أخرى، فإذا لم يشمل الأغلبية المطلقة من المواطنين سيبقى فكرًا هامشيًا لا تأثير له.
وقد يقول قائل وما المانع من ذلك فالفكر الدينى التقليدى يمكن أن يتعايش مع التطور الحديث، وهذا صحيح إلى حد ما ففى المجتمع اليابانى نجد أن الفكر البوذى التقليدى لازال موجودًا ومتعايشاً بالرغم من التقدم الهائل الذى تشهده اليابان، ولذلك فالمسألة ستأخذ منحنى آخر، من خلال السؤال هل المجتمعات فى حاجة إلى هذا التحديث ، وهل يمكن لنا أن نستثنى الفكر الدينى التقليدى ونطور مجالات الحياة الأخرى لأن عامة الناس غير مستعدة لهذه المراجعة الجديدة، وهنا سنكتشف أن الفكر الذى لم يتم تحديثه هو عقبة، فهل لنا أن نتصور مجتمعًا حديثًا لا يؤمن بالمساواة بين الرجل والمرأة، وكذلك الشأن بالنسبة للعديد من النواحى التى يقف الفكر الدينى المتزمت فى طريق تحديثها.
فالتحديث هو مناعة تكسب الإنسان العربى والمسلم نوعًا من النخوة والاعتزاز بالدين الإسلامى وذلك لكون المسلمين شاركوا فى صنع هذه الحضارة، ولكن لا يمكن أن نجدد بدون ضوابط وشروط للتحديث، وخاصة فيم يتعلق بتحديث الفكر الديني.
فالشرط الأول لتحديث الفكر الدينى هو أن نتخلص من أنماط الإنتاج التقليدي، الفكر الذى ورثناه كان يتناغم مع المجتمع الرعوى والزراعى البسيط، أما الآن فنحن نعيش داخل أنماط اجتماعية معقدة.
والشرط الثانى أن المجتمعات الحديثة ليست العبرة فيها بالطاعة ولكن العبرة فيها بمكانة الفرد فى المجتمع بصرف النظر عن أى اعتبار آخر، وهى مبنية على مبدأ الحرية التى لا تحجزها حواجز حرية البحث والضمير بما لا يمس حرية الآخرين، إذا فالحرية بالمعنى الحديث هى أساس التحديث الديني.
والشرط الثالث للتحديث هو تغيير أسس أنظمة الحكم السياسى القائم على الاستبداد إلى المشاركة مع الإقرار بمبدأ المواطنة.