الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

العلاقات «المصرية - الروسية» صفعة لـ«أمريكا»

العلاقات «المصرية - الروسية» صفعة لـ«أمريكا»
العلاقات «المصرية - الروسية» صفعة لـ«أمريكا»




ترجمة - أميرة يونس


أعد الباحثان الإسرائيليان «أفرايم كام» و«تسيفى ميجان» دراسة نشرت على مركز دراسات الأمن القومى الإسرائيلى تحت عنوان «زيارة رئيس روسيا بوتين لمصر»، يتحدثان فيها حول الزيارة التى قام بها رئيس روسيا «فلاديمير بوتين» إلى مصر يومى 9 و10 فبراير 2015 والتى كانت الأولى منذ زيارته الأخيرة إليها فى 2005 أيام عهد مبارك.
ويرى الباحثان أن أبرز نتائج هذه الزيارة التى عكست التحسن الكبير فى العلاقات بين الدولتين فى العامين الأخيرين، كان التوقيع على مذكرة تفاهم لبناء محطة طاقة نووية فى غرب مصر فى منطقة الضبعة بمساعدة روسيا. إضافة إلى توقيع الجانبين على اتفاقيات أخرى تتعلق بالجانبين اقتصادية وتجارية، مما يعكس النمو الكبير المسجل فى السنوات الأخيرة وحجم التبادل التجارى بين البلدين.
وفد روسى
 وسبقت زيارة بوتين إلى مصر عن طريق إقامة زيارات متبادلة مع كبار المسئولين من كلا الجانبين، وكان من أهم هذه الزيارات فى نوفمبر 2013 حين وصل وفد روسى مكون من وزيرى الدفاع والخارجية فى أول زيارة من نوعها إلى مصر؛ وفى فبراير 2014وصل الرئيس المصرى «عبد الفتاح السيسى» حين كان وزيرا للدفاع مع وزير الخارجية المصرى فى وفد إلى موسكو، والزيارة الأخيرة له كانت فى أغسطس 2014 بعد توليه مهام منصبه كرئيس لجمهورية مصر العربية .
ويؤكد الباحثان فى الدراسة الإسرائيلية أن هناك مسألة لم تتضح بعد فى زيارة بوتين هذه إلى القاهرة، هى صفقة الأسلحة بين الدولتين. فى أعقاب زيارة وزيرى الدفاع والخارجية الروسيين إلى مصر فى نوفمبر 2013 والتى عرفت حينها بأنها زيارة غير رسمية، والتى تم الاتفاق خلالها على صفقة أسلحة روسية إلى مصر بقيمة ثلاثة مليارات ونصف المليار، والتى كان من المقرر أن تشمل طائرات مقاتلة من طراز «ميج 29» وطائرات مقاتلة وطائرات هليوكوبتر عسكرية من طراز «ميج-35»، وأنظمة دفاع جوى متقدمة وبعيدة المدى.
ووفقا للدراسة فكان من المقرر أن تمول المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة هذه الصفقة. إلا أنه لم يكن هناك تأكيد رسمى لبدء تنفيذ الصفقة، وهو الأمر الذى تكرر خلال زيارة بوتين حيث أفادت معلومات من الجانب الروسى أنه جرى التوقيع على الخطوط العريضة للصفقة، لكن التصريحات الرسمية للجانبين لم تشر إلى هذه المعلومات من قريب أو بعيد.
شئون مصر الداخلية
وأضافت الدراسة أن سلسلة الزيارات المتبادلة تعكس التقاء المصالح بين روسيا ومصر ومدى التقارب مع روسيا، وهو ما اعتبرته أنه كان نتيجة للاحتكاكات التى نشأت فى العلاقات بين نظام السيسى والولايات المتحدة، إذ إن هناك غضبا عارما داخل القيادة المصرية جراء تدخل إدارة أوباما فى شئون مصر الداخلية منذ بداية «الربيع العربى»، حينما طالبت الإدارة علناً مبارك بالتنحى عن السلطة، ناهيك عن توجيه انتقادات حادة من الحكومة المصرية بسبب تحفظ الحكومة الأمريكية من إطاحة حكم «الإخوان المسلمين» وعزل الرئيس السابق محمد مرسى من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى منتصف عام 2013.
وأضافت أن هناك شعورا يسود بأن الإدارة الأمريكية كانت تفضل حكم «الإخوان المسلمين» عن نظام السيسى الذى تم انتخابه من خلال انتخابات ديمقراطية حرة نزيهة، ودون إدراك أن غالبية الشعب المصرى قام بتأييد إطاحة حكم «الإخوان» من جراء سياسته الفاشلة، موضحة أن غضب المصريين ينبع فى الأساس من قرارالإدارة الأمريكية فى صيف 2013 بوقف المساعدة العسكرية وعدم إرسال طائرات إف-16 والمروحيات الأباتشى إلى مصر، وإلغاء تدريبات عسكرية مشتركة كان مخططا لها سابقا، لافتة الانتباه إلى تصريحات السيسى حينها بأنه لن ينسى للإدارة الأمريكية ذلك.
وبعد مرور نحو عام على التوتر بين الإدارة الأمريكية والقيادة المصرية، وبعد تولى السيسى لسدة الحكم فى مصر وصل وزيرالخارجية «جون كيرى» إلى القاهرة فى يونيو 2014 لمحاولة ترميم العلاقات بين الدولتين.
نزاهة وشفافية
وكان أهم ما حاول كيرى إصلاحه هو الإعلان عن أن الانتخابات الرئاسية المصرية كانت «انتخابات تاريخية» وتمت بنزاهة وشفافية عاليتين، وهو الأمر الذى منح شرعية لإطاحة حكم «الإخوان» والدعم الكامل لقيادة السيسى.
وتابعت أن الزيارة أعقبتها بيانات من الإدارة الأمريكية تؤكد استئناف المنح والمساعدات العسكرية لمصر بشكل كامل، وشحنات الطائرات المقاتلة والمروحيات، والتى تم تعليقها منذ عزل الرئيس مرسى. إلا أنه على الرغم من ذلك، بقى بعض التوتر فى العلاقات بين الدولتين، كما لا تزال الإدارة الأمريكية تنتقد سجن صحفيين وقمع معارضين سياسيين، وانتهاكات أخرى لحقوق الإنسان من قبل النظام المصري. كما تشكك الإدارة فيما يقوله النظام المصرى حول أن «الإخوان المسلمين» مرتبطون بتنفيذ الأعمال الإرهابية فى سيناء والتضامن مع المنظمات الجهادية فى سيناء، داعية الحكومة بضرورة التحاور معهم.
 وأردفت الدراسة الإسرائيلية أن القيادة المصرية لديها شعور بأن دعم إدارة أوباما لها متحفظ لأن الإدارة لا تفهم مشكلات مصر الداخلية وضرورة محاربة «الإخوان» والتنظيمات الجهادية فى سيناء، الأمر الذى دفع نظام السيسى إلى توطيد العلاقات مع روسيا التى دعمته منذ البداية من دون أية تحفظات وأعربت عن تفهم إجراءاته فى مجالات أمن الجبهة الداخلية، وأقدمت على خطوات تهدف إلى تطوير العلاقات معه، ومن هنا، يميل نظام السيسى إلى توطيد وتوسيع نطاق العلاقات مع روسيا، لكى يبعث برسالة إلى الأمريكيين بأن مصر لا تعتمد عليهم.
تزويدها بوسائل قتالية
إن مصلحة روسيا فى توسيع مجالات التعاون بينها وبين مصر بما يشمل تزويدها بوسائل قتالية لم تزودها لأحد مثلها من جانب روسيا فى منطقة الشرق الأوسط، لا تنبع من اعتبارات اقتصادية فحسب، بل لأنها تريد أيضا.
لعب دور فاعل فى المنطقة بهدف ترميم مكانتها فيها كلاعب رئيسى ومؤثر، كما يهمها تعزيز هذه المكانة بدافع الرد على وضعها الدولى المعقد والإشكالى نتيجة المواجهة المتفاقمة بينها وبين الغرب بسبب الأزمة فى أوكرانيا التى احتلت صدارة جدول الأعمال الدولى خلال العام الأخير.
 وتهدف جهود تعزيز الوجود الروسى الفاعل فى منطقة الشرق الأوسط إلى تحصين وضعها الإقليمي، واكتساب أداة لمناطحة الغرب فى المواجهة المتصاعدة معه. كما ترمى محاولة روسيا فتح جبهة مواجهة فى منطقة الشرق الأوسط ضد الغرب، ويأتى ذلك ضمن أمور أخرى، من بينها تعزيز مكاسبها فى المنطقة، وتخفيف الضغط عن كاهلها فى شرق أوروبا.
وتسعى روسيا إلى توطيد أقدامها فى الشرق الأوسط، بما يعوضها عن تأكل نفوذها فى هذه المنطقة نتيجة سلسلة من التطورات، وتعويض الضعف المتزايد لسوريا التى تعتبر ركيزة روسيا الرئيسية فى منطقة الشرق الأوسط، وسلوك إيران الملتبس إذ إنها تجرى حواراً مباشراً مع الغرب- أساساً فى مسعى لحل أزمة الملف النووى- فى موازاة حوارها الدائر مع روسيا.
وتقول الدراسة أن خسارة روسيا مواقع مهمة لها فى أكثر من دولة عربية فى أعقاب ثورات «الربيع العربي» دفعتها لاستئناف الحوار مع مصر وتطوير العلاقات معها وهو ما سيعود عليها بمكاسب سياسية واستراتيجية كبيرة ومهمة، ويأتى كل ذلك أيضا فى محاولات روسيا لتوطيد أقدامها فى منطقة الشرق الأوسط، علاوة على الحفاظ على العلاقات الوثيقة مع كل من سوريا، العراق وإيران وتحسين العلاقات مع مصر، بعد فترة طويلة من التجمد السياسى.
المملكة السعودية
وتمكنت روسيا من تحسين علاقاتها مع معظم الدول السنية، ومن بينها المملكة السعودية ودول الخليج والأردن ولبنان ودول شمال أفريقيا، إذ قام بوتين فى ديسمبر 2014، بعد سنوات من التوتر بين روسيا وتركيا بزيارة إلى أنقرة تبعها زيارة فى مطلع عام 2015 لوزير الدفاع الروسى «سيرجى شويجو» لإيران. وحاولت روسيا حينها أن تنظم مؤتمراً يجمع ممثلى الأطراف المتنازعة فى سوريا فى العاصمة موسكو ويذكر أن جولة بوتين الأخيرة فى منطقة الشرق الأوسط، والتى زار فيها مصر، كان من المفترض أن تشمل زيارة لإسرائيل والسلطة الفلسطينية، إلا أن هذه الزيارة تم تأجيلها إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية المقررة فى مارس المقبل.
وأضافت الدراسة الإسرائيلية أنه وعلى خلفية هذه التطورات، يجب على روسيا أن تناور فى صراعات النفوذ فى منطقة الشرق الأوسط بين الشيعة والسنة، كما عليها أن تأخذ فى الحسبان صراع التحالف الدولى بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، الذى لم تتخذ تجاهه روسيا حتى الآن سياسة واضحة على الرغم مما يمثله الإسلام المتشدد من تهديد مباشر لها. ومن هنا،قد تكسب روسيا من خلال الاستناد إلى لاعب مركزى كمصر فى إطار سعيها إلى تحقيق أهدافها فى منطقة الشرق الأوسط وفى الساحة العالمية.
توريد الأسلحة الروسية
واختتمت الدراسة الإسرائيلية أن مدى توسيع وتعميق العلاقات بين مصر وروسيا يتوقف منذ الآن وصاعداً على مصر بشكل أساسي، إذ إن لروسيا مصلحة واضحة فى توسيع هذه العلاقات قدر الإمكان، ولا سيما فى المجال العسكرى، بعد تجميدها إثر تعليق توريد الأسلحة الروسية إلى مصر منذ العام 1974، ولكن لا تبدو فرصة استئناف التعاون بين روسيا ومصر مثلما كان عليه فى حقبة الاتحاد السوفيتى، أى قبل أن تنفتح مصر على الغرب.
ومن المرجح أن تفضل مصر الحفاظ على تعاونها الاستراتيجى مع الولايات المتحدة إذ تعتمد مصر منذ ثمانينيات القرن الماضى على السلاح الأمريكى وعلى شبكة علاقات تربطها بالجيش الأمريكى، وليس لها مصلحة فى إلحاق الضرر بهذه العلاقة الحيوية وبالمساعدة الاقتصادية والعسكرية الأمريكية. كما أن روسيا، برغم مكاسبها الأخيرة فى منطقة الشرق الأوسط، لا تزال بعيدة عن احتلال مكانة مساوية لمكانة الغرب سواء فى المنطقة أو فى الساحة العالمية. ولهذا السبب، تركز مصر فى هذه المرحلة على توسيع العلاقات الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية مع روسيا، بما فى ذلك فى المجال النووي. إذ إنه فى أحسن الأحوال إذا قررت مصر شراء سلاح من روسيا، فهى ستفضل صفقة محدودة نسبياً بحيث لا تدفع الإدارة الأمريكية إلى الرد بتقليص علاقاتها العسكرية معها.