
كمال زاخر
ثلاثية الخروج من النفق
استغرقتنا السياسة فى واحدة من تداعيات ما حدث فى 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، حتى صارت خبز يومنا، وحلم ليلنا، ومع ذلك لم تستطع التنظيمات السياسية المقننة تحت لافتات الأحزاب، أو الموازية تحت مسميات المراكز والائتلافات والجمعيات الحقوقية أن تجد لها مواقع مؤثرة فى الشارع والمجتمع، وكادت فى مجملها أن تتحول إلى ظواهر صوتية، تعيش على الصراعات والانقسامات، كانت تحمل عوامل انعزالها وهى توقع وثيقة تأسيسها، ولا يستطيع ايهم أن يدعى أنه الحزب الذى يمثل أغلبية حقيقية، بقواعد الديمقراطية الصحيحة، فعضويتها الفاعلة تتراوح بين بضعة مئات أو بضعة آلاف فى بعضها، وعندما نراجع قرار الرئيس السادات بانشاء ما سمى بالمنابر، 1976، وهو يدشن قيام الأحزاب، لترث التنظيم السياسى الأوحد (الإتحاد الإشتراكى) والتى اتسمت بالتبسيط الذى ينتمى للمدارس التقليدية، فكان منبر اليمين ومنبر الوسط ومنبر اليسار، ثم على نسق الإنقسام الثنائى الطفيلى البسيط توالدت الأحزاب داخل كل حزمة، الى درجة التشابه الذى يمتنع معه التمايز، ولم تحرم الساحة من الأحزاب الدينية التى قدمت أوراقها باعتبارها أحزاباً مدنية حتى تستوفى شروط الإشهار، ومازالت تمارس مراوغتها.
استغرقتنا السياسة بأدوات بدائية مازالت تعيش التقسيمات الإيديولوجية التى انتجتها الثورة الصناعية، ولم تنتبه أو تستوعب معطيات وتداعيات ثورة المعلومات والتواصل الكونى، ودخول الزمن لاعباً أساسياً فى معادلتها، لذلك صرنا كمن يحاول أن يفتح الأبواب الجديدة بمفاتيح قديمة، فكانت النتيجة أننا ندور فى دوائر مفرغة لا تنتهى إلى خط مستقيم يقودنا الى الخروج من النفق الذى لفنا بامتداد القرن.
ولا أدل على ذلك من أن ثلاثية الفقر والجهل والمرض التى كانت تؤرق اسلافنا على رأس القرن التاسع عشر وتجددت مع بواكير القرن العشرين، مازالت هى التى تمثل قيدًا على خروجنا من النفق، وأن تبدلت المصطلحات، والأطروحات، وزاد الأمر تعقيداً بعد أن قفزت التيارات الدينية لتختطف المشهد بجملته وتقدم حلولاً غيبية تدغدغ ذهنية الشارع وحسه الفطرى الذى تم تجريف قيمه على امتداد خمسة عقود ويزيد، ليجد التنوير نفسه فى مواجهة المقدس، فيتراجع ويتحول الى أحاديث نخبوية تفقد بوصلة الوصول الى مستهدفيها.
لم يعد أمامنا إلا إعادة هيكلة وضبط ثلاثسششث منظومات تمثل مدخلات تشكيل الذهنية العامة وانتشالها من هوة التغييب، وتدشين طريق التنوير الذى هو بحسب تعريف الدكتور وسيم السيسى «إضاءة المناطق المعتمة فى الذهنية العامة»، وهذه المنظومات هى التعليم والإعلام والثقافة، وهو عين ما تبنته الدول التى خرجت الى النور فى النصف الأخير من القرن العشرين، على رأسها، دول جنوب شرق آسيا، بكل معوقات انطلاقها، من إندونيسيا وسنغافورا إلى الهند والصين وقبلهما اليابان، وربما يتطلب الأمر إعادة انتاج تجربة بعثات محمد على ولكن بالاتجاة شرقاً.
فهل نملك الإرادة السياسية المجتمعية لاقتحام هذه الدوائر بجدية وعلى أسس موضوعية بعيدًًا عن الشعارات التى تبدلت علينا مع أنظمة يوليو 52 ومايو 71 ويناير 2011 وحتى يونيو 2013؟
وهل نملك الفصل بين الدين والسياسة؟ بعد تجارب كانت المعارك تدور بينهما فى الساحة السياسية ليسيطر أحدهما على الأخر، فكان هناك من سعى لاختطاف الدين تحت تهديد السياسة فى مواجهة من سعى لاختطاف السياسة تحت تهديد الدين، وتحت اقدامهم الثقيلة كان العشب يتحطم، ليسلمنا الى الفوضى، ويتوه معه الشباب ونشهد تمدد الإلحاد والعشوائية ويتراجع الإنتاج وتتوارى قيم العمل والإتقان، ومن ثم يترنح الإقتصاد ويتزايد الخطر.
هل نملك إعادة الإعتبار لدولة القانون بحزم وحسم، بعد أن تسلل العرف فى محاولة لإزاحة القانون، تحت تأثير حلم الخلافة الذى تجاوزه التاريخ، لكنه مازال يراود العديد من التيارات المتطرفة والإرهابية، وفى سبيل تحقيقه تروع الوطن وتفكك تماسكه ووحدته؟
هل ندرك أن الرهان على الزمن لم يعد هو الخيار الصحيح دون تحرك باتجاه تجفيف المنابع لخروج حقيقى من نفق طال وضاق؟