السبت 28 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
جدلية الحريات والخطر

جدلية الحريات والخطر






ستظل الأمثال المصرية معيناً لا ينضب، نركض إليه، ونغترف منه ما يوجز فى عبقرية ما يحتاج إلى سطور وربما صفحات، فهى نتاج تراكم خبرات على أرض الواقع لم تختطفها نداهة التنظير التى تبتلع الكلمات والحوارات فى غالب الأحوال.
وأنا أتابع صخب الحديث الذى اقتحمنا عن الحقوق والحريات والخوف على منظومتها من الانهيار، فى مواجهة صخب مواز عن الخطر الذى يقتحمنا ويتهدد بقاء الوطن ووجوده، قفز إلى ذهنى المثل الشعبى الموجز «اللى اتلسع م الشوربة ينفخ فى الزبادى»، فخبراتنا المتراكمة مع الأنظمة المتعاقبة منذ يوليو 52 وربما قبلها تحتشد بالصدام بين الحريات الاساسية للمواطن وبين تكريس النظم الشمولية، وتعددت المبررات وانتهى الأمر الى تكريس حكم الفرد.
وصرنا بحاجة إلى أن نضع الأمور فى حجمها الصحيح دون تهوين يبرر أو تهويل يعيد انتاج الانفصال بين التوجهين، نقرأ الواقع بعيون مفتوحة ولا نضع العربة أمام الحصان.
والمدخل الصحيح فى ظنى هو المكاشفة والمصارحة والشفافية، والإعلام يتحمل العبء الأكبر فى هذا باعتباره أحد أهم آليات ثورة الاتصالات والمعلومات الحاضر القائم والدائم فى قلب الأحداث، فى لحظة لا نملك المفاضلة بين الحقوق والحريات وبين حماية الوطن والدفاع عنه وجوداً ووحدة وسلاماً، والضرب بيد من حديد على أيدى مستهدفيه ومن يدعمهم ويخطط لهم ويدفعهم فى حرب بالوكالة.
فاستدعاء خبرات الماضى السلبية فى هذا الشأن يجب ألا يستغرقنا أو يكون عنواننا، فنحن أمام رجل تحمل مسئولية مواجهة الخطر والاستجابة لنداء الوطن فى لحظة فارقة اكتشفنا فيها جسارة المقاتل وثباته النفسى أمام جماعة شرسة دموية، مازالت حتى اللحظة تحسبه عدوها الأول والأكبر، ولا يستطيع أحد إغفال أن دفعه لموقع القيادة لم يكن مغنماً بل استجابة لمطلب شعبى جارف لم تصنعه ادوات الترويج بل نقلته شاشات الفضائيات لحظة بلحظة على امتداد خريطة الوطن ومازالت، واستطاع بحنكة أن يقود معركة الخروج من نفق الانهيار الاقتصادى بعزيمة مقاتل، من قناة السويس إلى شبكة الطرق العملاقة إلى مدن الظهير الصحراوى فى جميع المحافظات إلى ضبط سياقات الدعم الصداع المزمن والموجع، إلى بناء جدار الثقة مع الشارع الذى تجاوب معه بأريحية وتلقائية ويقين.
لا أحد يطالب بترحيل مطلب الحريات والحقوق ولا أحد يملك التشكيك فى مصيرية المعركة الحاسمة مع الإرهاب، فهى ليست مواجهات بين فصائل سياسية متصارعة بل هى معركة بين الوطن وجماعات الشر الإرهابية، معركة وجود، لا بديل فيها عن نصرة الوطن ليبقى.
لذلك فالسير فى مسارات متوازية هو الحل، نواصل دعمنا على كل الأصعدة لجيشنا الباسل فى مهمته الوطنية التى تستكمل تحرير الوطن وتحمى وجوده ووحدة  أراضية، وندعم دولة القانون وسيادته، ونواصل مسار التواصل مع كل القوى السياسية التى لم تلوث ايديها بدماء الوطن ولم ترفع السلاح فى وجهه ولم تروعه بالإرهاب.
ونعيد فحص ملفات الشباب، خاصة الذين اندفعوا فى لحظات تحكمها طبيعة المرحلة السنية وغياب الرؤية والخبرات، إلى معارضة مصحوبة بأعمال عنف قادتهم إلى السجون، لنمنحهم فرصة حقيقية للعودة إلى صفوف الداعمين لوطنهم بقرار عفو سيادى من الرئيس بحكم صلاحياته الدستورية وبدافع من حسه الوطنى الذى لا تخطئه عين، يدعم به الاصطفاف الوطنى.
واعادة النظر فى التعاطى مع قبائل سيناء، تأسيساً على مواقفهم من الثورة وهم مصريون شرفاء كان لهم دور وطنى فى مواجهة الاحتلال رغم اغراءاته وضغوطه باستثناء قلة مفرزة لفظتها الأغلبية الوطنية، لنفوت الفرصة على من يخططون لزرع الفتنة وتفكيك الوطن.
اصطناع جدلية بين منظومة الحريات وبين مواجهة الخطر هو جزء من سعى ارباك الوطن وتشتيت جهود بنائه، يتطلب استدعاء شعار سنوات حرب الاستنزاف الذى رفعه الزعيم عبد الناصر  «يد تبنى ويد تحمل السلاح» لنقرأه معاً «يد تؤكد الحريات ويد تدحر الإرهاب».