السبت 28 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
قراءة فى واقعنا الكنسى

قراءة فى واقعنا الكنسى






الكنيسة المصرية هى أقدم مؤسسة فى مصر على الإطلاق، وهى جزء أصيل فى المشهد المصرى، ومن ثم يصبح قراءة واقعها والوقوف على ما تحتاجه من مراجعة وضبط ما يحتاج فيه إلى تصحيح هو بالتبعية دعم للواقع المصرى تأسيساً على العلاقة الحيوية بين الجزء والكل.
وتصبح القراءة متجاوزة المربع الدينى أو المذهبى والطائفى، ومن هنا جاء السعى لقراءة الواقع الكنسى فيما يتجاوز مجرد مقال أو سلسلة مقالات لينتج كتاباً صدر مؤخراً يقدم شهادة ورؤية تفتح الباب لحوار مجتمعى مصرى ـ مصرى، يأخذنا إلى تكامل ننشده ومستقبل أفضل لوطن يستحق هذا.
وكان هدفى فى الكتاب أن تفجِّر سطورى طاقاتِ التغيير، رغم عَنَتِ المقاومة، وأن تفتحَ الطريقَ إلى مراجعة جادة وموضوعية لواقعنا القبطى والكنسى، تملك جرأة التناول والتحليل والاعتراف بحاجة هذا الواقع لتصحيحه قياساً على ما تملكه من أساساتٍ كتابية وآبائية، وما تسعى إليه، فى واقعٍ مقاوم وعنيد، لتعلنَ ما لديها من قيم، وتصبح نوراً للعالم وملحاً للأرض، لحياة أفضل.
وقد جاء الكتاب الذى يحمل نفس العنوان ليتعرض لثلاثة محاور فى دائرة الكنيسة: التعليم والرهبنة والإدارة، يحمل من الأسئلة أكثر مما يفرض إجابات قاطعة، وهى أسئلة تشغل بالَ الكاتب وربما القارئ معه، ولا تدعى أنها تقدم أجوبة، أو تملكها، لكنها تبحث عنها وتفتح البابَ لمزيدٍ من أسئلة تحتجزها أجواءُ مسيطرة باتتْ تتربصُ بمن يحاولُ أن يسأل، ومكارثية معاصرة تفتش فى الضمائر وتشكك فى النوايا، وترسم توهماتِ مؤامرة تغذيها مناخات التعتيم والتجريف.
وتحمل السطور تساؤلاتها لتضعها أمام مراكز التفكير «Think tanks» بالكنيسة وقادة الرأى والفكر بها، تسألهم إجابة، ترأب صدعاً مرشحاً للتفاقم شهدته الكنيسة يتنامى بامتداد نصفِ قرن، كاد أن يطال القواعدَ والقضايا الإيمانية الأساسية، ولم يُحسمْ بشكلٍ أكاديمى تأسيساً على تقليد الكنيسة فى صحيحه، لكنه تُرك للمعارك الإعلامية الكنسية التى كانت فى بعضها تلاسُناً، ربما بسبب اختلالات التأسيس والبناء عبر محاولات التجديد الفكرى التى بدأت مع مطلع القرن العشرين.
هل نملك إمكانية إعادة طرح ودراسة وحسم قضايا تأليه الإنسان، ولاهوت الأسرار، والسلطان الروحى، والإفخارستيا، ومفاعيل النعمة، والعلاقة مع الثالوث، والمواهبية، وجدالية العلاقة بين الإكليروس والعلمانيين، وجدالية الرهبنة والخدمة، وتنقية التراث الحياتى والطقسى من اختراقات مفاهيم الطهارة بحسب الناموس، وغيرها من القضايا التى فجرتها المواجهات مع ثلاثة أقطاب كنسية؛ الأنبا غريغوريوس والأب متى المسكين والدكتور جورج حبيب بباوى، بعد أن أُغلق دونها البحثُ انحيازاً لما قطع به قداسة البابا شنودة الثالث، وهى آراءٌ تم اعتمادُها بغير أن يتم تناولُها على مائدة البحث، أو داخل مراكز الدراسات المتخصصة بالمعاهد اللاهوتية فى ضوء أدبيات وأبحاث الكنيسة الأولى والآباء المؤسسين، ليتحول الرأىُ الشخصى إلى تعليمٍ كنسى مقطوع به، بالمخالفة لمنهج الكنيسة الذى أخذتْ به المجامع، مسكونية ومكانية، خاصة عندما يكون على الجانب الآخر فى هذه المواجهات قاماتٌ لها ثقلُها العلمى والأكاديمى والروحى، ومحلَ تقدير واعترافٍ المراكز البحثية اللاهوتية ذات الوزن العلمى.
هل نتخذ خطواتٍ على الأرض لتوثيق القوانين الكنسية فى مجموعات قانونية ملزمة وهو عمل أكاديمى فنى يضبط العلاقاتِ البينية بالكنيسة، ويقلِّص مساحاتِ الانفراد بالقرار وفقَ الرؤى الذاتية، ويعيد الانتقالَ من الفرد إلى المؤسسة مجدداً، فى فهمٍ صحيحٍ للسلطة والأبوة والتدرج الوظيفى لتصبح كلُها أدواتٍ لحسابِ الجسدِ الواحد ونموه وحيويته.
وفى كل الأحوال تبقى سطورى محاولة جادة تسعى لبعث حراكٍ فكرى يؤسسُ لحوارٍ موضوعى قادرٍ على المناقشة دونَ تخوين أو تجريم أو تشكيك، وقادرٍ على قبول الاتفاق والاختلاف والجدل الموضوعى فى اتجاه البناء والتكامل، فى تنبيه للسلبياتِ التى قد يجدها فى السطور، ويصححُ القصور الذى قد يكتشفه فيها.
قد أكون حالماً بزيادة، لكن التغيير يبدأ حُلماً، والتصحيحُ يبدأ فكراً.