الأحد 29 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
إعلام ما بعد الارتباك

إعلام ما بعد الارتباك






سواء كان ما حدث عندنا فى 25 يناير 2011، وما سبقه فى تونس وما لحقه فى سوريا وليبيا واليمن، ربيعا شبابيا أم خريف أنظمة شاخت على مقاعدها، أو تجمع إرادات شعبوية وفئوية غاضبة ويائسة على غير اتفاق تنظيمى صادف هشاشة تلك الأنظمة الآيلة للسقوط، فى لحظة عفوية أو مرتبة بإحكام لتبدو عفوية، فإننا بحاجة إلى الانتباه أن وقت التوصيف والتقييم لم يحن بعد، فمخاطر التفكيك مازالت قائمة بل لعلها ازدادت وطأة وتفاقما، خاصة فى حالتنا المصرية، وبات من الواضح أن الصراع لم يعد بين أنظمة ولت وسقطت وبين نظام قائم يحمل مسئولية حماية الوطن من ردة إلى ما قبل استرداده، بل صار صراعا بين حق الخروج من نفق طال وبين انتكاسة حضارية تسعى للعودة إلى أنساق القبيلة التى لم تعرفها مصر بامتداد تاريخها.
ولعلنا ننتبه ثانية إلى أن أدوات الصراع والصدام لم تعد محصورة فى أنماطها التقليدية، حتى وأن شكلت حضورا فى جوانب منهما، فقد اقتحمتنا معطيات التطورات التقنية التى جاءت بها ثورة الاتصالات والمعلومات، والتى صارت متاحة للكافة، لتصبح المعلومة، حقيقية أو مصنوعة، فى يد الجميع. ليصبح الصراع على العقول، وعلى الحشد الشعبى بين جانبى الصراع، الخطر هنا يتشكل ويتعمق فى شيوع الجهل والفقر بنسبة لا يمكن إنكارها، وبقاء الإعلام الرسمى أسير قوالب وقيود وحزمة من القواعد البيروقراطية الراسخة، التى تعيق أداءه وربما تأثيره.
وغير بعيد يمثل المتلونون أحد مواقع التفجير فى الخطوط الخلفية للثورة، وهم من ينتقلون بين المعسكرات بحسب اتجاه رياح السلطة، ولن اشير إلى الخلايا النائمة المتحينة للحظة انقضاض، وكلاهما معا يملكون إمكانات «الحرباء» التى يتغير جلدها إلى الأخضر بين الزراعات والأصفر فى الرمال والبنى على أغصان الأشجار العتيقة.
قد نكون بحاجة الى عقل بارد يرقب المشهد ويحلل المعطيات بعيدا عن الانفعال والمعالجات التقليدية لنصل إلى إعلام يستطيع أن يواجه موجات التشكيك والبلبلة وتشوية القيادات وتعويق استكمال الخروج من النفق، إعلام ما بعد الارتباك ولا أقول ما بعد الثورة، فالثورة مازالت قائمة، ولن تكتمل إلا باكتمال التغيير والانتقال إلى الدولة التى تقوم على المواطنة وليس غيرها.
ربما لهذا يجب أن نعيد ترتيب البيت الإعلامى مقروءا ومشاهدا ومسموعا، نحزم أمر هراء البرامج الحوارية البلهاء والزاعقة والمفتقرة للرؤية الداعمة للثورة، ولمبادئ وأهداف 30 يونيو، وفقا للقواعد المهنية، من خلال دراسات جادة لكل الهيئات والكيانات المسئولة والمرتبطة بالإعلام؛ المجلس الأعلى للصحافة ونقابة الصحفيين والمجلس الأعلى للثقافة وروابط الإعلاميين وممثلى الفضائيات واتحاد الإذاعة والتليفزيون وغيرهم من ذوى الصلة بالحقل الإعلامى.
ثم تترجم هذه الدراسات إلى فعل مؤسسى على الأرض تحكمه منظومة قوانين جادة وملزمة توقف سيل الفوضى الإعلامية، وتحترم المتلقى، وتعيد الإعلاميين إلى حجمهم ودورهم الصحيح، وترتب مسارات آليات الإعلام باتجاه بناء الوعى الجمعى الذى تم تجريفه، ننطلق منه إلى إعادة الاعتبار لمفاهيم دولة القانون، والانضباط والنظام، وتقابلية الحقوق والمسئولية، والمتابعة والتقييم ومن ثم التقويم.
وقد تكون مدينة الإنتاج الإعلامى هى الكتلة الأكبر الأولى بإعادة الترتيب سواء فى القواعد الاقتصادية والمهنية المتجاوزة لمجرد الاستثمار، فمن خلال ما ينطلق منها ويدخل كل بيت فى المدينة والقرية والنجع يتشكل وجدان ورؤية وعقل المشاهدين والمستمعين، فلا يكفى أن يكون الاستثمار وقواعد الربح والخسارة هى المحركة لسياسات هذا الصرح، ولعلنا نتذكر مقولة رئيس وزراء بريطانيا الذى قادها إلى الانتصار «ونستون تشرشل» فى أوج معاركه بعد الحرب العالمية الثانية: «اعطونى التليفزيون لستة أشهر لأعطيكم شعبا مختلفا»، وهو ما أعاد قوله الأديب المصرى يوسف إدريس على صفحات جريدة الأهرام.
أيها السادة المتنفذون التفتوا إلى الإعلام.