الأحد 29 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اقتراب من الواقع القبطى الكنسى «2-4»

اقتراب من الواقع القبطى الكنسى «2-4»






الاقتراب من الواقع القبطى الكنسى بشكل تحليلى، خاصة عندما يتعرض لإشكالياته لم يكن أمراً سهلاً، فالمناخ السائد، داخل الكنيسة وخارجها، لم يكن مهيئاً لقبول الاقتراب من هذه الإشكاليات، خاصة وأن الطرح لم يكن منحصراً فى الشأن الكنسى بشكل مجرد، إنما يأتى متلامساً مع الفضاء العام، المجتمعى والسياسى، وهو ما حملته سطور مقدمة الكتاب تراوحت بين الأسئلة والإيضاحات نقرأ معاً بعض منها:
«هل يمكنُ أن نغامرَ بالكتابة فى منطقة تجمعُ بين الدينى والسياسى والاجتماعى والتاريخى، دون أن نتعرضَ لنيران، بعضها صديقة، ترى فى الكلمات دخولاً بغير استئذان فى مناطق نفوذها، واقتراباً من خطوطها الحمراء التى رسمتها لحماية مصالح استقرت لزمن طال، وفى مواجهة ذهنية شعبية تخلط البشرى بالمقدس، والشخوصَ بالكيانات، ولم تعُد تقبلُ مجردَ مناقشة ما استقر استناداً إلى أن المناقشة تتعرض بالضرورة لمن هم محل ثقة تصل إلى حد الإيمان عند طيفٍ من المتلقين، وقد تشكلت عند كثيرين حالة من التوجُس والريَّبة والتخوفِ نتجتْ عن موجاتِ الاستهداف التى تطاردُ الأقباطَ خاصة بعد إنهيار التجربة الناصرية وصعود تيارات الإسلام السياسى وبروز الأجنحة المتطرفة منها، بل ويتعمقُ تاريخياً إلى زمن محمد على (1805 ـ 1848) والذى سعى إلى تأسيس دولة حديثة، بمعايير زمانه، والخروج من دولة المِلل والطوائف، التى ترسختْ قبله فى عصور المماليك والعثمانيين، لكنه رغم ذلك لم يستِطع، ولم يرغب، إدماجَ الأقباط فى المشهد العام باعتبارهم «مواطنين»، بسبب ثقل الموروث عند الشارع وعند الطبقات الحاكمة، وربما عنده، مدعوماً برؤى دينية مستقرة، وبسبب عدم إدراكه لمفهوم المواطنة، ليظل الأقباطُ عند الانظمة الحاكمة المتعاقبة «ملّة» ينوب عنها البابا البطريرك، باعتباره وفقَ السائدِ «عظيمَ القبط» أو «رئيسَ الطائفة».
ولم تكُن لحظة المَّد الوطنى فى 1919 استثناءً، فقد كانت مشغولة بقضية التحرر الوطنى، وفيها بادرَ الأقباطُ بالذهاب إلى الزعيم سعد زغلول مطالبين بالمشاركة فى تحركه الثورى، ومع ذلك لم تنجح ثورة 19 فى  تأسيس الدولة الوطنية بالمعنى الصحيح، ولم تستِطع أن تغيِّر كثيراً فى الذهنية العامة، وظل الأقباطُ بعيداً عن الاستدعاء الوطنى إلا فى لحظات الخطر، بحكم فقه الضرورة، والذى فيه يضطرُ الحاكم إلى إفساح مساحة من المشاركة للأقباط تحت ضغط توجه الحشد، وبفعل وطنية ومبادرة الأقباط التلقائية، وانعكس هذا على الدساتير التى عرفتها مصر، حتى فى دستور 23 الذى يُحسب أيقونة الدساتير، وقد تسللتْ إلى نصوصه الإشارة إلى دين الدولة فى أحكامه العامة الواردة فى بابه السادس (مادة 149 : الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية).
وعلى الرغم من اللحظة التاريخية الفارقة التى عاشتها مصرُ مع ثورة يوليو 1952، والتى شكَّلت فرصة لتصحيح ما استقر فى الشارع السياسى من استبعاد الأقباط، إلا أن الوضعَ استمر على ما هو عليه، ولم يكن اندماجُ الأقباط فى الشأن العام يشغلُ الزعيمَ عبدَ الناصر، ولم ينتبه إلى أهميته وهو يبنى الحُلمَ القومى.
وعندما يزدادُ المَّد الدينى، ويتغولُ من السعى لاستبعاد الأقباط إلى إستهداف وجودهم يتحصنُ الأقباط بالكنيسة، فى محاولة لحماية الهوية والوجود، ويتصدر المشهدَ الكنسى شبابُ الأربعينيات الذى نجح فيما بعد فى الوصول إلى قيادة الكنيسة، بشكلٍ متدرج بامتداد نحو ثلاثة عقود، والتى تشهد تفاعلاتٍ عارمة تُعمِّقُ التوجسَ والتخوفَ القبطى، لكنهم اخفقوا فى معالجة آثار وتداعيات الانقطاع المعرفى اللاهوتى الذى أصابَ الكنيسة على امتداد قرون، بفعل الانتقال من اليونانية اللغة التى تسجلت بها أدبياتُ وعقيدة الكنيسة، إلى القبطية اللغة الشعبية وقتها، بعد زلزال مجمع خلقيدونية،451م، والذى أسس للانشقاق الكبير فى الكنيسة، وفيه تقفز الصراعاتُ القومية وتسيطرُ على أجواء المجمع وتعمِّق الخلاف، فيما غابت مساعى التقارب اللاهوتى، ويشتعلُ الصراعُ على المناصب ليتراجع التواصل الفكرى، وربما نكتشف عند إعادة قراءة أوراق هذا المجمع حدة اختلاط السياسى بالدينى وهو ما يمكن ان تستخلصه من الطرح الذى حمله كتاب «مجمع خلقيدونية ـ إعادة فحص»؛ الأب ف. سي. صموئيل ترجمة دكتور عماد موريس اسكندر.
وللطرح بقية.