
كمال زاخر
اقتراب من الواقع القبطى الكنسى «4ـ4»
نصل الى الحلقة الأخيرة فى اقترابنا من واقعنا الكنسى بحسب عنوان الكتاب الذى يحمل نفس العنوان، نواصل طرح الأسئلة ونقترب معها من طرح الكتاب ورؤيته.
هل يمكن أن تنجح محاولة الكتابة والطرح فى غير الحقول التى اعتادها القارئ، والتى استراح إليها؟، فعلى الرغم من أن الموضوعَ المطروح مرتبطٌ بالكنيسة والأقباط فإن سطوره لا تنتج «كتاباً قبطياً» بفعل اشتباك قضاياه بالواقع المصرى، ورغم أنه يتعرضُ لواقع الرهبنة والتعليم الكنسى إلا أنه ليس «كتاباً كنسياً عن الرهبنة أو لاهوتياً»، وفيما هو يتناول قضايا العلاقة بين مكونات الكنيسة وترتيباتها الإدارية إلا أنه لا يُحسب «كتاباً فى الترتيب الكنسى»، وقد تقترب السطورُ من وقائعَ تاريخية موثقة وبعضها عاشها الكاتبُ واشتبك معها بضراوة، لكن هذا الاقترابَ لا يجعلُ منه «كتاباً فى تاريخ الكنيسة والأقباط».
ظنى أن سطور الكتاب كانت محاولة للاقتراب من حقبة تمتد إلى ما يزيد على قرن فى بعضها، وتشتبك مع نصفه الأخير، وتحاول أن تجيبَ أسئلة تبحث عن إجابات، بعيداً عن الانطباعية، وهى فى بعضها شهادة شخصية وفى مجملها محاولة لرسم خارطة طريقٍ للخروج من نفقٍ امتدَ طويلاً.
وفى كل الأحوال هى محاولة لتدشين طريق القراءة النقدية فى أدبياتنا القبطية دون أن تنحرف إلى الشخصنة ودون أن تنتهى إلى عداوة ومصادمة، وهى فى ظنى مغامرة أخوضُها متسلحاً بقدرٍ وافر من حبٍ لتلك المحبوبة التى ترَّبى وجدانى بين أحضانها، وأدينُ لها بالكثير، الكنيسة.
وقد تنتهى إلى خلق تيارٍ مستنير، أتمناه وأسعى إليه، يحققُ الانتقالَ من الفرد إلى المؤسسة، وينقل المنهجَ الأبوى من دائرة التسلط إلى عمق السلطان الروحى بالمحبة الذى ينير مساحاتٍ معتمة فى الذهنية العامة، وفى ذهنية الخدام ـ علمانيين وإكليروس ـ ويعلن المسيحَ الحقيقى وحدَه ويجمعنا إليه، ويستطيع العبورَ فوق مساحاتِ النفور التاريخية المتراكمة، لقرون، عبرَ بناء جسور الوعى بجوهر عملِ المسيح المُصالِح، داخل الكنيسة وبينها وبين اخوتها، لتصبح، معهم، واحدة مقدسة جامعة رسولية».
نعود للكتاب فنجده استهل طرحه بالاقتراب من ازمة رهبان وادى الريان، وهى منطقة تقع فى صحراء الفيوم، شهدت تجمعاً رهبانياً كان محل اختلاف وتعرض لشروع الحكومة فى شق طريق يخترق مكان تجمعهم، ويرونه يتهدد آثار المنطقة، وتنقسم المواقف وتتشعب لتكشف عن واقع كنسى ورهبانى يحتاج لمراجعة وقراءة متبصرة، كانت الدافع الرئيسى لكتابة هذا الكتاب.
ثم يتعرص لمحاور رئيسية ثلاثة: التعليم والرهبنة والإدارة، وفى عجالة يتوقف عند كنيسة اليوم ليطرح حزمة من الأسئلة والملاحظات استوقفته وتحتاج إلى إجابات ومراجعات، وهى بمثابة عصف ذهنى قد يحرك سكونا طال، وقد يغرى الباحثين لتناولها بشكل مدقق وموضوعى لحساب مستقبل الكنيسة.
■ وينتهى الكتاب بتقديم ملحقين يتضمن الأول جدولاً ببعض المصطلحات الكنسية الشائعة فيها سعياً لضبطها وتوضيحها حتى يستقيم الحوار تأسيساً على فهم مشترك لها.
■ بينما الملحق الثانى يقدم دراسة بحثية لواحد من الرهبان المستنيرين من دير «ابو مقار» بوادى النطرون (الراهب باسيليوس المقارى) عن التأديبات الكنسية، المعروفة شعبياً بالمحاكمات الكنسية، وهو ورقة بحثية كان قد شارك بها فى مؤتمر التيار العلمانى (2006).
ويمكن ايجاز ما تعرض له الكتاب فى:
■ التراجعاتُ فى دائرة التعليم اللاهوتى وخفوت التسليم الآبائى .
■ مشاكلُ الأديرة بعد انفتاحها على العالم.
■ اختلالات الإدارة الكنسية المتوارثة فى دوائر اتخاذ القرار والدوائر المعاونة
ويقترح فى الرهبنة ابتكار نسقٍ وسيط بين شكلها التقليدى وبين احتياج الكنيسة لطاقاتها فى منظومة التعليم ودوائر العمل الاجتماعى، «أخوية المكرسين»، أو «الدياكونية المكرسة»؟ ويطالب بعلاج اختلالاتُ العلاقة بين الإكليروس والعلمانيين، بين الحمائم والصقور، والتقارب والتباعد، والتكامل والاصطفاف فى مواجهة بينهما. ليصبحا معاً «الكنيسة جسد المسيح».
وينتهى إلى أن أزمة الكنيسة فى أنها ما زالت تتعاملُ مع الإدارة بمعطيات القرن التاسع عشر، وإن استخدمت آليات التواصل الحديثة، لتصبح كمن يضع رقعة جديدة لرتق ثوب عتيق، وعلى الرغم من أن مواقع إدارتها العليا دانت لخريجى الجامعات وصار أغلبُ اساقفتها من الحاصلين على درجاتٍ علمية متقدمة، إلا أن مفاهيم السلطة والأبوة ما زالت، عند البعض، متوقفة عند نسق المجتمع الأبوى وربما القبلى، الذى تجاوزه الزمن، وتحتاج هذه المفاهيم إلى إعادة توصيف وإلى فهم متقدم يتسق مع غاية وهدف الخدمة ويوظف السلطة والأبوة لهذا، فى ضوء تطور العلاقات المجتمعية، والاختلاف الجيلى، وهو ما سبقتها إليه كنائس تقليدية رسولية مثيلة.
وفى كل الأحوال تبقى سطور الكتاب محاولة جادة تسعى لبعث حراكٍ فكرى يؤسسُ لحوارٍ موضوعى قادرٍ على المناقشة دونَ تخوين أو تجريم أو تشكيك، وقادرٍ على قبول الاتفاق والاختلاف والجدل الموضوعى فى اتجاه البناء والتكامل، فى تنبيه للسلبياتِ التى قد يجدها فى السطور، ويصححُ القصور الذى قد يكتشفه فيها.
الكرة فى ملعب الكنيسة.