الأحد 29 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
أحاديث الطائرة والوطن

أحاديث الطائرة والوطن






منذ اللحظة الأولى بعد وقوع حادثة الطائرة الروسية طالب الرئيس السيسى الجميع بعدم استباق النتائج النهائية للتحقيقات التى يشارك فيها روسيا وانجلترا وفرنسا، ومع ذلك لم يكف كثيرون عن القطع بعلمهم بأسباب الحادث، وذهب كثيرون إلى إدانة مصر لأنها تنكر مسئوليتها، بل طالبوها بالتفاوض على صرف التعويضات.
جاءت الحادثة، وما تناثر بعدها من أحاديث، لترفع الغطاء عن الخلايا النائمة والتى تقدم نفسها على انها قوى مدنية، وتكشف عن أن معركتنا مع مستهدفى الوطن أعمق من حصرها فى مصادمة بين أنظمة غربت وبين نظام قائم، فردود الأفعال جاءت ساعية لركوب الحادث لتفتح النيران العاتية على الرئيس وبعضها تجرد من كل ما يربطه بالوطن فراح يبشر باحتلال عسكرى غربى لمصر ـ هكذا ـ وطالب بحصار اقتصادى، ليصبح كتلة كراهية لا تطفئها مياه العالم.
ولو افترضنا أن الحادث جاء نتيجة تفجير جراء قنبلة دست وسط حقائب الركاب بتواطؤ أحد عمال المطار، مقابل رشوة أو اتفاق، أو لوجود خلايا نائمة تنتمى لجماعة الشر، وهو تفسير مطروح ضمن حزمة تفسيرات، فهو أمر وارد يتكرر فى كثير من المطارات الدولية، طالما نتعامل مع عنصر بشرى قابل للضعف والضغوط والإغراءات، والتطوير فى أمن المطارات ينبنى على تحليل ودراسة مثل هذه الأحداث.
 ربما نكون بحاجة ألا تستغرقنا حالة الغضب، اللازمة والواجبة والطبيعية، لتنسينا قراءة ما حدث بعقل بارد وموضوعية تأخذنا إلى معالجة واقعنا المهترئ جراء تجريف يعمل فيه بامتداد عقود، حتى صار الفساد أحد اركانه التى تلازمنا حيثما كنا واينما توجهنا، لنضع اجابات على الأرض نترجمها فى اجراءات وخطط وتحركات تحاصره وتخرج بنا من نفق طال.
منها مراجعة غابة القوانين واللوائح لحساب رفع مستوى الأداء فى الدولاب الحكومى والأمنى وفى القلب منها منظومة المحليات حيث يسكن الفساد، وقد يتطلب الأمر بغير وجل استقدام خبراء من الخارج من المتخصصين لدراسة الواقع ووضع تصور تشريعى محدد، واستقدام خبراء فى الإدارة يضعون رؤية مماثلة لتنظيم الدولاب الحكومى ليعود الى معدلاته الدولية، خاصة بعد التطور المتسارع لتقنيات الأداء بعد ثورات المعرفة والاتصالات.
وعندما نقول الخارج فلا نقصد الغرب والاتحاد الاوروبى والولايات المتحدة، بل دول جنوب شرق آسيا، الهند وسنغافورا تحديداً، فهما اقرب الى مشاكلنا وظروفنا وايضاً التحديات التاريخية وبل ربما ندرة الموارد فى مقابل تعاظم الاحتياجات، والتضخم السكانى الذى تجاوز الإنفجار.
ومنها مراجعة منظومات التعليم والإعلام والثقافة، البنية التحتية والآنية والمستقبلية التى يقوم عليها مسار التنمية والاقتصاد، بدءًا من توفير القوى العاملة المدربة والواعية والمهنية سواء فى مستويات الادارة المتعددة أو العمالة المباشرة فى المصنع والحقل والورشة والخدمات، وامتداداً الى الوعى بمفاهيم المواطنة والتكامل وقبول الآخر وصولاً الى الاندماج الوطنى، واحترام التعدد والتنوع والخصوصية والحريات.
ومنها مواجهة الفوضى التى ضربت حياتنا عبر اربع سنوات عجاف انتجتها تفجرات الغضب الشعبى وقد تجمعت فى 25 يناير ولاحقها مستثمرو الفساد فتحالفوا مع التيارات الدينية السياسية ليفرغونها من مضمونها ويرتدوا بها الى حلمهم الأثير لتفكيك الدولة لحساب أمة الخلافة، لينتفض الشارع مجدداً ويسترد ارادته مجدداً بتحالف حقيقى لقوى الشعب مع جيشه الباسل، فتلاحقه ابواق الردة لتنال منه، وتهلل لحادث الطائرة وكأنه نهاية العالم.
ليس أمامنا إلا الحزم والحسم وإعمال القانون بصرامة معصوبة العينين، تطال الكبار قبل الصغار لتشيع من جديد قيم احترام القانون والاثابة والعقاب لنسترد وعينا والتزامنا ومن ثم وطننا.