الأحد 29 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
ممنوع التوقف بين المحطات

ممنوع التوقف بين المحطات






ليس فى العنوان أى اسقاط سياسى، بل هو محتوى لافتة كانت فى مواجهة سائق الأتوبيس، يوم أن كانت اللافتات فيه تحمل تعليمات ملزمة لكل الأطراف ذات الصلة، السائق والكمسارى والراكب، وبين الحين والآخر كان هناك من يتابع فى الشارع الالتزام بهذه التعليمات يسمى «المفتش» الذى اختفى تمامًا واختفت معه تلك اللافتات، بعد أن أزاحتها واحتلت مكانها ملصقات الأدعية، وإعلانات سماعات الصمم والمنشطات، رغم التطور المتلاحق فى تلك الأتوبيسات، لتواكب أحدث الطرز والموديلات، بقدر لم تسايره النظافة داخلها.
ويومًا كتب الأديب والصحفى المبدع انيس منصور فى عموده اليومى «مواقف» بجريدة الأهرام أن حديثًا دار بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلى وقتذاك شيمون بيريز، بدأ بسؤال من كاتبنا: متى تخشى إسرائيل من مصر؟ لتأتى الإجابة مقتضبة ومفاجئة: عندما يلتزم المصريون بقواعد المرور. ولم تكن الإجابة استخفافًا بالسؤال إذ يكمل أنيس منصور، بأن الالتزام الشعبى بقواعد المرور يعنى أننا صرنا شعبًا منظمًا يحترم القانون ومن ثم ينعكس هذا على الأداء اليومى والحياتى، ويعنى أننا غادرنا مربع الفوضى والعشوائية، وصار الانضباط أحد سماتنا فى الشارع والبيت والعمل، وينسحب ذلك على شغل الوظائف واختيار القيادات على أساس الكفاءة والعلم والتخصص والخبرة، فتنحسر الى زوال كل اشكال الفساد؛ المحسوبية والرشوة وتصدر أهل الثقة والالتفاف على القانون، وتتفجر مع الانضباط وسيادة القانون طاقات الإبداع والإجادة.
وتزداد حاجتنا إلى الحسم والحزم فى إعمال القانون بعد سنوات الفوضى التى ضربت البلاد فى سنوات ما بعد تفجر إرادات الغضب بعد 25 يناير، ولدينا بعض الإضاءات التى تؤكد قدرتنا على إعادة الانضباط، شهدتها محافظة القاهرة فى هذا السياق برؤية محافظها الدكتور المهندس محمد جلال سعيد، الذى جاء إلى موقعه فى 13 اغسطس 2013، ومن أهمها فرض الالتزام بوجود واستخدام حزام الأمان بالسيارات، حتى تحول الى عادة بعد طول غياب، ويليها ضبط التزام السيارات بإشارات المرور بعد تركيب كاميرات مراقبة عليها، تلتقط المخالفات لتسجل فى ملف السيارة وتحصل بحزم مع تجديد رخصتها، ولا ندرى سر تعطل الكاميرات وتعطل إشارات المرور نفسها والعودة الى الطرق البدائية فى تنظيم ـ أو لنقل عدم تنظيم ـ المرور والتى يقوم عليها افراد أمن غير مؤهلين وتشهد شوارع العاصمة اختناقات وارتباكات بامتداد اليوم نهارًا وليلاً، لتفسد ادارات المرور بسذاجة مفرطة، لحساب منظومة الفساد، جهود المحافظ وسعيه بشكل علمى لتفكيك ازمات مزمنة فى هذا السياق، مدعومًا بتخصصه العلمى، فهو حاصل على ماجستير فى مجال هندسة النقل والمرور من جامعة ماك ماستر الكندية، وعلى الدكتوراه من جامعة ووترلو الكندية فى مجال التخطيط الاستراتيجى للنقل عام 1979.
وفى سياق آخر استطاع ان يتصدى لأعتى مظاهر الفوضى عندما أعاد الانضباط الى شوارع وسط العاصمة بإجلاء الباعة الجائلين الذين استوطنوا ارصفتها عنوة ـ بوضع اليد ـ وشكلوا ميليشيا قيد التحول الى قنابل موقوتة، وفرضوا وجودهم بشكل مفزع على المارة والمحلات والدولة، وجاء اجلاؤهم منظمًا ووفق تخطيط حكيم جنبنا مصادمة توقعها كثيرون.
وقد بدأت محافظة القاهرة فى اعادة المحطات الرسمية لأتوبيسات النقل العام، ووضعت كبائن أسمنتية سابقة التجهيز بشكل متحضر، فى هذه المحطات، لا يلتزم بها السائقون، فهل نشهد تحركًا إيجابيًا من هيئات وشركات نقل الركاب يلزم سائقوها بالالتزام بهذه المحطات ويلزمهم بعدم التوقف فى المسافات بينها، مع ضبط جدول قيامها من محطات البدايات؟.
وسينعكس هذا بشكل مؤثر على سيولة المرور واختفاء قدر كبير من الاختناقات بالضرورة.
وهل نشهد تحركًا موازيا ومماثلًا مع سيارات السرفيس فى قبيلة الميكروباص التى تمثل أحد أبرز مظاهر البلطجة والفوضى وتحدى القانون والاستهانة بالمواطن، سواء فى خطوط السير أو فى فوضى وانفلات تحديد أجرة استخدامها أو التعامل اللا آدمى من سائقيها وتباعيهم مع المواطنين؟
ونحن فى مرحلة التحول من الثورة إلى الدولة، وقد استكملنا مؤسساتنا الدستورية، صار من الضرورى أن نعيد ترتيب أوراق الحياة اليومية، وفى القلب منها المرور كمؤشر لعودة دولة القانون، ونضع الأمر أمام اصحاب القرار ما بين المحافظة ووزارة الداخلية، لإعادة احياء القواعد والتعليمات الحاكمة لها، واعادة تشغيل منظومة الاشارات المرورية المراقبة، «فمن لا يأتى بالوصايا يأتى بالعصاية».