
كمال زاخر
الاتحاد والنظام والعمل
كانت هذه الكلمات الثلاث شعار منتصف الخمسينيات بعد يوليو 52، ومازالت حاجتنا قائمة لتفعيلها، والخيط الذى يلقم حبات العقد هو سيادة وتفعيل القانون، فليس بالتمنى تدرك الأشياء، فماذا نحن فاعلون؟ ونحن هنا تعنى كل الشعب، فى مختلف المواقع والأماكن، وهذا يتطلب منا أن ننتقل من المونولوج إلى الديالوج الذى يدفعنا للانتقال من مقاعد المتفرجين إلى خشبة المسرح.
وتتحمل الأحزاب القدر الأكبر من المسئولية، فهى ـ من المفترض ـ تعبر عن مصالح ورؤى أعضائها، وتعمل على إقناع القاعدة الجماهيرية بأن رؤيتها هى الأفضل لتحقيق الرخاء والتقدم والتنمية الحقيقية للوطن، وأنها الأجدر بالوصول الى مقاعد السلطة وتشكيل الحكومة، لترجمة رؤاها وسياساتها، ووفقًا للدستور يبدأ الطريق إلى هذا عبر البرلمان وقدرة الحزب على تحقيق أغلبية فيه، تمنحه حق تشكيل الحكومة (الدستور مادة 146) وتضمن له دعمًا من البرلمان فى اداء حكومته، ونصبح هنا أمام تساؤل: هل الأحزاب القائمة قادرة على القول بأنها تعبر عن الكيانات والتكتلات الشعبية باختلاف توجهاتها؟، ومن ثم هل هى بالفعل قادرة على ترجمة رؤيتها فى دوائر الحكم واتخاذ القرار؟ اخشى ان تكون الإجابة عبر الواقع صادمة، وأن الحزب أو الأحزاب التى نتطلع اليها لم تولد بعد.
وهنا يصبح على البرلمان أو الحكومة أو السيد رئيس الدولة، تأسيسًا على انهم الجهات المخول لها التقدم بمقترحات مشاريع قوانين، بترتيبات حددها الدستور (الدستور مادة 122)، ان يتقدموا بمشروع قانون يرتب قيام الأحزاب على قواعد تضمن جديتها وتمثيلها الفعلى للتكتلات السياسية على الأرض؟ خاصة بعد الخبرات المستجدة بعد ثورة 25 / 30، بما يضمن استكمال مسيرة بناء الدولة، وبما يحقق الانتقال من الثورة إلى الدولة.
بهذا نكون قد قطعنا شوطًا فى تحديد ملامح المجتمع الملتزم بالنظام، فى حياته وفى ضبط العلاقات البينية، ينسحب بالضرورة على نسق الحياة اليومية، فى مواجهة الفوضى التى صارت عبر السنوات الأخيرة ملمحًا بارزًا فى الشارع المصرى.
ولا يمكن طرح قضية العمل دون أن نواجه واقعنا بجدية تتحمل مسئوليتها الآليات التى تشكل العقل الجمعى لتصحح المفاهيم السلبية التى سادت بامتداد نصف القرن الأخير، التعليم والإعلام والثقافة، مفهوم العمل، وادواته، وشخوصه، والقوانين المنظمة له، والقواعد المعيارية التى تديره، ومواجهة الفساد الذى يحاصره، ولعلنا نعيد النظر فى الكتلة الأكبر فى سوق العمل وهى الجهاز الإدارى للدولة، بروح وإرادة الجرَّاح لاستئصال الورم والتضخم الذى اقتحمه، وانعكس على ادائه وعلى منتجه وعمق منظومة الفساد التى تمكنت من مفاصله، ولم تعد العلاجات الجزئية قادرة على مواجهتها، فقد «اتسع الخرق على الرتق» وربما يصبح من المحتم استقدام خبراء من الدول التى واجهت هذا الأمر فى تجاربها ونجحت فى علاجه، فظنى أن علاج التضخم الادارى الفج لا يقل اهمية عن اندية الدورى لكرة القدم، التى بادرت باستقدام مدربين اجانب لتعالج قصورها، نضع أمام هؤلاء الخبراء كل ابعاد الأزمة، ونبحث فى البعد الاجتماعى والبدائل المتاحة والمجدية وتحويل البطالة المقنَّعة الى طاقات عمل منتجة فى مسارات موازية، عبر منظومات المشاريع الصغيرة والمتوسطة والجماعية والتعاونية، واستصلاح الأراضى وغيرها من الافكار المبتكرة خارج الصندوق.
ويتطلب الأمر اعادة تدريب الهيئات والمؤسسات بما يحقق تنمية القدرات الوظيفية فى اداء العمل بالتعاون مع مراكز التنمية البشرية والجامعات، والإفادة من المنح المتاحة من المؤسسات الدولية والأممية ذات الصلة، وهذا يتطلب دعمًا تشريعيًا يزيل المعوقات والقيود التى وجدت لها مكانًا فى ظل انظمة سابقة كانت تنظر بريبة وتشكك فى كل ما هو له صلة بالغرب وأوروبا، فأغلقت الأبواب أمام تبادل واستقدام الخبرات الأجنبية، وهنا نضع أمامنا خبرات جنوب شرق اسيا وتجاربهم الفارقة؛ اليابان والهند وسنغافورة وغيرها ممن انتقلوا فى وقت قياسى من صفوف العالم الثالث الى صفوف العالم الأول.
ولا يستقيم هذا إذا اغفلنا قطاع الشباب الذى هو ثلاثة ارباع الحاضر وكل المستقبل، بحسب بيانات الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة التى تقول بأنهم يمثلون ما يزيد على 60% من تعداد السكان، وعلينا ان نتخذ خطوات جادة على الأرض لإخراجهم من حالة الانفصال عن مجتمعهم وعزوفهم عن المشاركة الجادة والفاعلة فى الهم العام، بفعل تراكمات سابقة أو بتأثير حملات التشكيك الموجهة من قوى ظلامية تدرك خطورة تفاعل الشباب الإيجابى مع وطنهم..
انه الاتحاد والنظام والعمل.