الأحد 29 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
للوطن قبل الرئيس «2»

للوطن قبل الرئيس «2»






نعود فنؤكد أننا فى مرحلة انتقالية بالضرورة، وهى مرشحة لأن تمتد لسنوات ربما تغطى ما تبقى من فترة الرئاسة الأولى للرئيس السيسى، وبعض من فترة رئاسته الثانية بحسب ما يسمح به الدستور، (مادة 140)، فما خلفته الأنظمة الغاربة ما بين الفساد والفاشية وقبلهما مسلسل الحروب المتتالية والمنهكة لاقتصاد الدولة، يجعل التأسيس لنظام جديد مهمة ثقيلة وممتدة، خاصة بعد أن غابت الحياة السياسية والحزبية الحقيقية بفعل ما اصابها من اقصاء متتال، فلم تستطع الأحزاب سواء تلك التى عادت بقرارات فوقية، أو تلك التى جاءت عقب ثورتى 25 / 30 والتى كانت أقرب إلى التكوينات العائلية، ومن التشابه الذى يقترب من التطابق، وفى افضلها نخبوية، وفى كل الأحوال لم تستطع هذه الأحزاب أو تلك أن تجد طريقها الى الشارع، أو تقدم رؤى بديلة بعيداً عن التنظير لاختلالات بنيوية وهيكلية داخل هذه الأحزاب، وقعود البرلمان عن حلحلة التشريعات التى تدفع بالحراك إلى الحياة الحزبية.
واللافت أن اصوات عديدة تطالب بالدولة المدنية التى هى بالأساس دولة المؤسسات، والتى فيها تتوزع المسئوليات بينها، وتتحمل كل مؤسسة نصيبها من تلك المسئوليات، وفى نفس الوقت تعود هذه الأصوات عينها لتضع كل المسألة فى مربع الرئيس، لنجد انفسنا أمام مشهد لوغاريتمى، لا أحد فيه يريد أن يقترب من جوهر الأزمة، على الرغم من تكرار الرئيس الدعوة للقوى السياسية أن تقدم حلولاً واقعية، وأن تتحمل مسئولياتها، ولعل هذا يفسر انتقال الجدل السياسى من موطنه الطبيعى ـ الأحزاب ـ الى فضاءات العالم الافتراضى، ومعه تحولت شاشات الإعلام المرئى إلى ما يشبه الأحزاب المستقلة، لكن بغير ضوابط أو خطوط واضحة ليزداد ارتباك الشارع بعد أن اختلطت الأدوار.
قد نكون بحاجة إلى التوقف لاسترجاع ما تم التوافق عليه فيما عرف بخارطة الطريق التى تأسست عليها دولة 30 يونيو، فى محاورها الثلاثة، وضع دستور جديد للبلاد وانتخاب رئيس للجمهورية وانتخاب برلمان جديد، وهو ما تم بالفعل، وقد تحددت معالم هذا الطريق عبر ما جاء بالدستور الذى اعاد التوازن بين السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، بل وقلص من سلطات الرئاسة لحساب البرلمان الذى تم تكليفه بسن عدد من التشريعات المكملة للدستور، ابرزها تشريع العدالة الانتقالية، الذى يكفل كشف الحقيقة، والمحاسبة، واقتراح أطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا، وذلك وفقاً للمعايير الدولية ـ بحسب المادة (241) من الدستور ـ وكان التكليف ملزما للبرلمان أن يصدر القانون فى أول دور انعقاد له بعد نفاذ الدستور، وكان المشرع الدستورى مدركاً لأهمية هذا الأمر لاتساقه مع طبيعة المرحلة الانتقالية، حتى يتسنى معالجة الآثار التى تخلفت عن النظامين السابقين، ويتعافى الوطن منها، ليبدأ البناء بشكل سوى، ويسير فى طريق التنمية بكامل طاقته وهو طريق شاق وممتد ويتطلب تضافر كل القوى الوطنية للمضى فيه، وينتهى دور الانعقاد الأول ولا يلتزم البرلمان بما تم تكليفه دستوريا فى هذا الشأن، بينما تؤكد الأحداث احتياج الوطن الملح لهذا التشريع.
وفى سياق متصل لا ينتبه البرلمان، الذى جاء ليعبر عن الثورة ويحقق رؤيتها فى إرساء اركان المساواة والعدالة، ويعالج أخطر ما خلفته الأنظمة الغاربة بل والأنظمة التى سبقتها، وهو التمييز بجميع اشكاله، لا ينتبه إلى ما جاءت به المادة (53) من الدستور والتى تقول (المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الإجتماعى، أو الانتماء السياسى أو الجغرافى، أو لأى سبب آخر، التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون، وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على جميع أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض).
ومن يقترب من المشهد يكتشف الارتباط الوثيق بين العدالة الانتقالية وبين تعقب التمييز، بل وتكاملهما إذ يؤديان معاً إلى ضبط مسار المجتمع، وتخليصه من أوجاع مزمنة لينتهى إلى مجتمع العدالة والمساواة والكرامة الإنسانية، الأركان الأساسية للمواطنة، فينطلق الى التحقق المجتمعى وإلى اعادة اكتشاف طاقاته الحقيقية فيبدع وينتج ويعبر أزماته، وهى تنويعة على شعار الثورة فى موجتها الأولى: عيش، حرية، كرامة إنسانية. ومازال للطرح بقية.