الأحد 29 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الخروج من النفق «1»

الخروج من النفق «1»






قدر من الأزمة المعاشة يرجع إلى أن أطرافها لا يريدون الإقرار بانتقالية المرحلة، ومن ثم يأتى التعامل معها بأدوات وذهنيات تقليدية لا تتفق مع ما تستوجبه من حراك مختلف، يقرأ ملابسات وتشابكات المشهد بأبعاده المختلفة، ويؤسس على تجسير المسافات بين القوى الوطنية المختلفة، بعيدًا عن ثلاثية التخوين والتشكيك والتكفير المفضية إلى الإقصاء، وهى ثلاثية تضعنا فى دائرة مفرغة، لا نبارح فيها مواقعنا الأيديولوجية العتيقة، ونعيد انتاج نفس المقدمات وننتظر نتائج مختلفة.
قدر آخر من الأزمة يكمن فى عدم القدرة عند طيف من القوى الثورية، على التحول من الثورة إلى الدولة، وربما عدم الرغبة، وعلى الجانب الآخر من النهر عدم قدرة القوى التقليدية على التحول فى إدارة الدولة من الفرد إلى المؤسسة، وربما عدم الرغبة.
قدر ثالث منها التوقف عند الاكتفاء بتغيير قمة النظم الغاربة، دون السعى لتفكيك منظوماتها الحاكمة والمنبثة فى مفاصل المجتمع والدولة والمؤسسات بل والذهنية السائدة، وهو أمر حدث مع ثورة يوليو 52 وتكرر مع 25 يناير 2011 وأعيد انتاجه مع 30 يونيو 2013، ربما لغياب دور آليات التشكيل الذهنية والعقل الجمعى وفق معطيات العصر، وفى مقدمتها التعليم والثقافة والإعلام، وقد غابت عنها الرؤية، بفعل تجريف متعمد نال منها بامتداد ما يزيد على النصف قرن.
قدر رابع من الأزمة يرجع إلى الانكفاء على الذات واستدعاء التراث دون تحقيق، نجتر امجاده ونغض البصر عن اخفاقاته، والانقطاع عن فضاءات ودوائر الانتماء المتعددة اقليميًا وقاريًا ودوليًا، تحت زعم الخصوصية التى كانت فى حقيقتها شرنقة منعت عنا التطور والتلاقح الفكرى والثقافى، فكدنا نتحول الى محمية طبيعية ترفض أنسنة مجالنا الحيوى، وصرنا ننتفض فزعًا فى مواجهة رياح التحديث ونقل الخبرات التى تختزل الزمن لحساب الخروج من النفق، ليتحول الحوار إلى لغو والاختلاف إلى جريمة، والتنوع إلى مؤامرة.
ولا يتصور خروجًا من الأزمة بعيدًا عن رباعية البرلمان والجامعة والإعلام والدولة، ويأتى البرلمان فى المقدمة، لأنه يملك كسلطة تشريعية ضبط العلاقات داخل المجتمع عبر منظومة تشريعات تعيد الاعتبار لقيم الحرية والعدالة والالتزام والعمل، وتضبط منظومة الحقوق والواجبات على أرضية المواطنة.
برلمان يدرك أن الغاية من القانون بحسب توصيف الفقهاء الدستوريين هو منع الذين يمتلكون النفوذ والقوّة من ترجمة القانون حسب منافعهم الذاتية، فضلًا عن تحقيق الأمن الفردى والجماعى داخل المجتمع، وتحقيق العدل الاستقرار، وتحقيق اهداف النظام الاقتصادى، وتحقيق اهداف النظام السياسى، بما ينتهى إلى دعم الاتجاه إلى مجتمع العدل والحرية والمساواة.
ويرتبط هذا بمدى استيعاب البرلمان لهذه المهمة، وقدرته على ترجمتها إلى واقع، وكلاهما الاستيعاب والقدرة، لا يتوافر بحسن النوايا، بل بتوافر قواعد مؤسسة يلتزم بها جميع الأطراف يأتى على رأسها تفعيل المبدأ الدستورى الذى يقضى بالفصل بين السلطات، تلك المعضلة التى سكنت حياتنا السياسية منذ يوليو 52، وقبل بها كل اللاعبين، لننتقل من الفرد إلى المؤسسات، اتساقًا مع القفزات المتلاحقة التى نراها فى العالم من حولنا وهو يغادر دوائر الثورة الصناعية إلى ثورة المعرفة والتواصل وتقنيات المعلومات، والتى انتهت إلى اختفاء دولة الزعيم.
وهل يمكن تصور برلمان فاعل يملك إرادته لا يُعبِّر عن الأثقال السياسية فى المجتمع؟ وهل يمكن تصور أثقال سياسية حقيقية فى المجتمع لا تأتلف فى أحزاب تحمل رؤيتها وتعبر عن مصالحها وتدافع عنها؟ وتصارع وفق قواعد الديمقراطية للانتصار لما تراه. ليصبح السؤال هل لدينا فى خارطة الأحزاب القائمة ما يمكن أن نعول عليه لضبط أداء البرلمان، استيعابًا وقدرة، سواء احزاب ما قبل 25 يناير أو بعدها؟ وهل نسأل عن غياب الأحزاب التى تعبر عن رؤية 30 يونيو وتتصدى لمهمة الدفاع عنها وترجمة اهدافها؟
إن برلمانًا يحتل فيه المستقلون ما يقرب من 60% من مقاعده بينما تتوزع بقية مقاعده على اثنى عشر حزبًا، تتراوح بين خمسين مقعدًا لأحدهم، وبين ومقعد واحد، وسبعة أحزاب تتراوح بين ثلاثة وستة مقاعد، وأغلبها أحزاب لا نعرف حتى أسماءها، هل يمكنه أن ينهض بمهمته، خاصة أن المستقلين لا تجمعهم رؤية واحدة ولا يجمعهم خطوط سياسية واحدة؟
ألا يدعونا للمطالبة بمراجعة قانون الأحزاب ليأتى دافعًا للقوى السياسية الحقيقية وخاصة الشبابية أن تجد لها مكانا على الخريطة الحزبية، وأن تفعل المشاركة الحقيقية فى المشهد السياسى والوطنى، لنشهد تنافسًا صحيًا وصحيحًا عبر برامج الأحزاب المختلفة، ينتهى إلى تداول فعلى وسلمى للسلطة، ونخطو خطوات حقيقية فى مسار الخروج إلى النهار.