الأحد 29 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الخروج من النفق «2»

الخروج من النفق «2»






كلما اجتمع اثنان أو ثلاثة يكون محور الكلام فى الغالب عن الحاجة الملحة للتغيير، وإن اختلفت دوائره، من السلوك إلى أنماط المعيشة، وصولًا إلى السياسة مرورًا بالتعليم والثقافة والاقتصاد، وينتهى الأمر إلى إلقاء الكرة بعيدًا، والقاسم المشترك فى هذه المحاورات هو الماضوية، بين الرفض والقدح والتبرم فى مقابل التطويب والتقديس والتأسى على الزمن الجميل، فيما كان من عاشوه لا يرونه كذلك، ومن يرجع إلى مخطوطات القرون الغابرة حتى إلى جداريات المصريين القدماء لا يجد أسلافنا يختلفون فى حواراتهم كثيرًا عنا.
وينتهى يومنا وربما حياتنا ولا يأتى التغيير المنشود، وكأننا نعيش أسطورة «سيزيف» الذى حكمت عليه الآلهة فى الميثولوجيا الإغريقية بأن يحمل صخرة من الوادى ويصعد بها إلى قمة الجبل فإذا بها تتدحرج منه قبيل أن يصل إلى القمة ليعود إلى السفح فى محاولة جديدة، لا تتوقف ولا تنتهى، ربما الفارق أن صخرتنا تتدحرج منا ونحن مازلنا على بعد أمتار قليلة من نقطة الانطلاق، وظنى أن مرد ذلك إصرارنا على إعادة إنتاج نفس المقدمات على أمل أن نصل إلى نتائج مختلفة.
لدينا منظومة تعليمية وثقافية تفتقر للرؤية والقدرة على تشكيل عقل جمعى مبادر ومتحرر وقادر على التلاقح الثقافى والفكرى مع العالم من حولنا، بفعل نظرية المؤامرة والاستهداف التى تلبستنا وكبلتنا، فى توهم يتأرجح بنا بين الوهن وصغر النفس وبين الخصوصية والقوة الموروثة بامتداد آلاف السنين والتى هى مطمع كل العالم، وبسببها أقمنا حولنا أسوارًا وحصونًا كدنا معهما أن نتحول إلى محمية طبيعية تجتر الوهم.
لتكن بداية كسر الطوق من البرلمان، فهو السلطة التى تملك أن تضبط ايقاع المجتمع عبر منظومة التشريعات المنظمة للعلاقات البينية وتحدد الحقوق والواجبات العامة والمجردة والملزمة، وهو الذى يترجم الرقابة على التزام الكافة، على اختلاف مواقعهم على السلم الاجتماعى، أو السياسى، بما تقرره هذه القواعد، عبر تنظيمه لآليات وأدوات الرقابة، فالبرلمان يملك سلطتى التشريع والرقابة، فى استقلالية تكفل له القيام بمهامه، باعتباره ممثلًا لجموع المواطنين عبر انتخابات عامة مباشرة محصنة ضد تدخل السلطة التنفيذية وأجهزتها، ويبقى نجاح البرلمان فى مهمتيه مرتهنًا بتوافر قاعدة الفصل بين السلطات، وتعود اخفاقاتنا الى غيابها واختلالها.
وهل يمكن الوصول إلى هذا البرلمان بغير أن نراجع منظومة الأحزاب السياسية التى تشكل القاعدة الأساسية التى يبنى عليها، باعتبارها الإطار المؤسسى المنتظم الذى يترجم رؤية الأثقال السياسية بالمجتمع، فالحزب فى أبسط تعريفاته هو التنظيم السياسى الشرعى الذى يتبنى رؤية جماعة من المواطنين لها مصالح مشتركة تسعى لتحقيقها فى إطار مصلحة الوطن وتملك ترجمة هذه الرؤية إلى برامج وخطط على الأرض، تحقق مستقبل أفضل لها وللوطن، بحسب تصورها، ويسعى الحزب إلى طرح رؤيته وبرامجه ومنهجه فى الشارع عبر قنوات سلمية، ليجمع حولها تأييدًا جماهيريًا يدعمه للوصول إلى مقاعد البرلمان بأغلبية تسمح له بترجمة رؤيته إلى قوانين وتشريعات، وبالتوازى تتيح له هذه الأغلبية تشكيل الحكومة التى تقوم بترجمة هذه التشريعات فى خطط تنفيذية وإجراءات فعلية، تنتهى إلى تحقيق رؤية هذا الحزب، وفى رحلة الطرح وتحفيز الشارع والتنافس بين الأحزاب يأتى البرلمان مترجمًا للأثقال السياسية فى الشارع، ومن ثم يصبح ممثلًا حقيقيًا للشعب، ومترجمًا لطموحاته فى حياة أفضل.
وهل يمكن أن توجد هذه الأحزاب بغير وعى جماهيرى يتشكل عبر منظومة تعليم تعتمد على قواعد تربوية وعلمية صحيحة، وهل يمكن أن يتشكل هذا الوعى بغير إعلام يعتمد على المهنية والحرية والنزاهة بغير أن يربط عربته بحصان غير حصان الوطن، وبغير أن تختطفه إغراءات التكتلات الاقتصادية الكبرى، ونداهة السلطة، بين ذهب المعز وسيفه، وهل يمكن أن يجتمع التعليم والإعلام بعيدًا عن مظلة ثقافية صحيحة تنفتح على ثقافات العالم المتحضر وتتعمق بالحوار المدنى الحقيقى بعيدًا عن تابوهات موروثة مقيدة ومكبلة متحصنة بوهم الخصوصية؟
ظنى أن نقطة الانطلاق عند البرلمان، المحمل بتثوير وتنقية جبل التشريعات ليحرر المجتمع والشارع من قيود ومعوقات مزمنة، ويدعم الشفافية حرية الإبداع ويحفز العمل ويبنى صروح العدالة، فهل نملك إرادة مجتمعية وسياسية لتحرير البرلمان من القيود الموروثة والتخوفات المحيطة به، وهل نفكر فى دعم البرلمان بمجموعات تفكير مؤسسية يمكن ان توفرها لنا وللبرلمان مراكز الدراسات السياسية والإجتماعية المتوافرة لدى العديد من مؤسساتنا الجامعية والمعلوماتية والإعلامية، على أن يبادر البرلمان بالتواصل مؤسسيًا بهذه المراكز، بتفكير خارج صندوق الأداء الباهت الذى صار أحد معالم الحياة البرلمانية الآن، والسؤال: من يعلق الجرس، ومن يملك قدرة وإرادة المبادرة؟