الأحد 29 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
أوان الدولة المدنية

أوان الدولة المدنية






لم نعد نملك رفاهية الجدل التنظيرى حول هوية الدولة، ليس فقط بسبب ما تتعرض له مصر من استهداف، يتجاوز الصراع السياسى التقليدى، والمشروع، بل وأيضاً لدخول اطراف إقليمية ودولية ترى فى عودة مصر إلى وضعها الصحيح يتعارض مع مصالحها ومخططاتها، بعيداً عن نظرية المؤامرة.
وبالقدر الذى تسمح به سطور مقال علينا أن نقر بأن مصر مصرية، لا يمكن اختزالها فى انتماء أحادى، فهى بوتقة تفاعلت فيها احقاب التاريخ بامتداده، وبحكم موقعها تلاحقت فيها كل حضارت العالم قديمه وحديثه، وما زال نهر النيل يجرى ليرسم ملامح شعبها ومزاجه ودوره، ولا يمكن عزل مصر عن دوائرها المتعددة الإفريقية والعربية والمتوسطية ثم الشرق أوسطية.
وهذا التنوع والتعدد فى الدوائر ينعكس بالضرورة على طبيعة التركيبة الإنثربولوجية والسيسيولوجية لمصر، ومن ثم تصبح الدعوة للقولبة هى دعوة للانتحار المجتمعى، وهو ما نعيشه منذ سبعينيات القرن العشرين، حين تبنت السلطة الحاكمة الدعوة لأسلمة المجتمع والدولة، وأعادت احياء الخلايا الراديكالية الإسلامية، التى وجدت دعماً اقليمياً ودولياً، وارتفع معها سقف طموحاتها وراحت تؤسس لدولة الخلافة ذلك الحلم الأثير عند اطراف عديدة فى المعادلة الجديدة، وعندما تصادمت المصالح انتهى الأمر باغتيال الرئيس السادات، ولم تتوقف موجات الإرهاب، بل امتدت اذرعه الى ارجاء المنطقة.
ومن الآثار التى خلفها ارتباك السبعينيات أن صار الخطاب الدينى هو الأعلى صوتاً وتأثيراً ليس فى توجيه المجتمع إلى القيم الدينية بل فى توجيه الخطاب السياسى بل والقرار السياسى أيضاً، وبفعل الاختلالات الاقتصادية، وغياب الرؤية عند متخذى القرار، تقدمت الرؤى الدينية المتطرفة بل وقفزت لتشكل الذهنية العامة وتسيطر على آليات تشكيل العقل الجمعى، عبر التعليم والإعلام والثقافة، ليتعمق التطرف فى تواز مع الفساد وتراجع قيم العمل والإجادة والتدقيق، ومن ثم يتراجع الإنتاج ونتحول إلى اقتصاد الريع، وتختل العلاقات المجتمعية، وتتجمع ارادات الغضب لنجد انفسنا أمام انفجار 25 يناير، وفيه تدور مواجهات عاتية، تنتهى إلى أن يقفز المتطرفون إلى السلطة، فى دورة جديدة لتعميق التفكك الوطنى، لولا 30 يونيو التى ادركت الخطر الذى يتهدد وجود الوطن.
ولذلك فالمرحلة التى نعيشها هى مرحلة انتقالية، تحاول ان تخرج من تراكمات عصور وانظمة متعاقبة، الى عصر مختلف تفرضه التحولات التقنية والسياسية الدولية، يتأكد معها قيم التعدد والتنوع والتكامل الإنسانى، بالتوازى مع الانتقال من تداعيات الثورة الصناعية ورتابتها إلى الثورة المعلوماتية والاتصالات التى صار فيها الوقت يقاس بالفيمتو ثانية، وصارت المعلومة تنتقل عبرها فى سيولة لا تتوقف.
وهنا تلح حتمية ان ننتقل من الدولة الدينية التقليدية الى الدولة المدنية بجدية لا تتلكأ عند ابواب الجدل، والنقاشات الساذجة التى تؤسس على وهم الخصوصية الذى يكبل التطور واللحاق بالعصر كما اسلفنا.
وعلينا، مجتمع مدنى ونخبة وسلطة حاكمة، تشريعية وتنفيذية وقضائية، أن نتحرك باتجاه العمل المشترك للانتقال الى الدولة المدنية بجدية لا تلتف للبقاء فيما نحن فيه، بجسارة وسرعة وحسم، بغير خوف من اصحاب المصالح أو من الذهنيات العتيقة، ولنا فى تاريخنا وتاريخ المنطقة نماذج ادركت فى أزمنتها حتمية المواجهة مع القوى الرجعية وخطت خطوات مؤثرة ونجحت أو كادت، لعل ابرزها محمد على مؤسس مصر الحديثة، وكمال اتاتورك الذى نقل عاصمة الخلافة إلى تخوم أوروبا، وأخرجها من ظلمات عصورها الوسطى إلى حدود الحداثة، وسنجد فى اجيال الشباب الذى يجيد تعاطى تقنيات التواصل ويقفز فى مدارات المعرفة من يدعم هذا الانتقال، بعيداً عن ضجيج البعض من المغيبين أو المشوشين، دعونا نحلم بجسارة بغد أفضل بتفكير خارج الصندوق، ونقتحم واقعنا ونأخذه الى الاستنارة، فى توقع لمقاومة ممن يستريحون الى بقاء الحال على ما هو عليه، ومن يرون فى التطور مساسًا بما استقر لهم من مصالح، دعونا نفتح الأبواب ونشرع نوافذنا للتواصل مع العالم وخبرات الدول التى كسرت طوق التخلف.
ربما يكون السؤال من يعلق الجرس؟