
كمال زاخر
ويبقى الأمل والعمل والجسارة
ما هى إلا ساعات معدودات ونستقبل عاماً جديداً، فى دورة الزمن، لنجد أنفسنا أمام سيل من الأمنيات الطيبة نأمل أن تحملها لنا تلك السنة المقبلة، بعد انقضاء عام حمل لنا الكثير من الضغوط والمتاعب، لكنها بكل الأحوال انتهت بتضاريسها ومرتفعاتها وسفوحها، يتعلق البعض بأهداب الموروث الشعبى الذى يتلمس أملاً خلف الأرقام، فيمنى النفس خيراً مع رقم 7 الذى يحمل فى التراث دلالات الخير، فهو واحد من أرقام الكمال، وبحسب التوراة استراح الله فى اليوم السابع بعد أن أتم خلق الكون، بعد أن توجه بخلق آدم، ورأى ذلك «حسن جداً»، ويأخذنا ذات الرقم إلى سنوات الفيض والخير التى عرفتها مصر مع يوسف لتتدبر أمرها مع السنوات العجاف التى غشيتها فتعبرها بسلام، بل ويذكرنا بسنة العتق، التى يطلق فيها الأسرى، ويعفى فيها عن المديونين والفارين، وتستريح فيها الأرض لتتجدد طاقتها.
دعونا نتوقف لحظات فى مواجهة حروب الكراهية التى تستهدفنا وتسعى لتفكيك أواصر ترابطنا التاريخية، وتلتف لتضرب سر بقاء مصر عبر الزمان وربما فوقه، نتوقف لنسترد منظومة قيمنا التى تتعرض لتجريف لا يتوقف، نستدعى أريحية الشارع التى عكستها لغة يومه، صباح الخير صباح النور، وفى قرى الجنوب يأتى الرد عفوياً «خير صباحين»، نهارك سعيد، سعيد مبارك، لم يكن الإيمان جدالاً واحتراباً، بل كان ايماناً معاشاً منساباً بفيض كانسياب وفيضان النيل، بعيداً عن ثقافة الجفاف التى لفحتنا مع هبوب رياح التصحر، جفاف متجهم ومتهجم.
دعونا نفكر كيف نحول أمنياتنا إلى فعل يتجاوز فضفضة الكلام، لنبدأ بامتلاك شجاعة الاعتراف بأن المواءمات والتوازنات التى تشكل ذهنية صناع القرار بامتداد خارطة التشريع والتنفيذ، واحدة من معوقات اقتحام أزماتنا، بل هى التى تجعل الأيدى مرتعشة والرؤية غائمة.
وفى مناخات العولمة التى تعيش ثورة المعلومات وتقنيات التواصل ليس أمامنا إلا إعادة إنتاج تجارب الشعوب والأمم والدول التى انتقلت فى سنوات قليلة من دائرة المعاناة الى الاقتصادات المتقدمة، وهى تشبهنا فى ثقافتها ومعاناتها وتاريخها، لعل أبرزها الهند واليابان وماليزيا وسنغافورا، بغير أن نبنى سدود المناعة التى تحول دون انطلاقنا، والتى تحشد لها القوى الرجعية المتحالفة مع اخطبوط المصالح، والتى تتخذ اسماً براقاً «الخصوصية» !!. فكلما طرحنا نموذجاً من هذه الدول تطاردنا وتحاصرنا صرخات الرفض بزعم أنها خبرات تتعارض مع خصوصيتنا، ويحولها البعض إلى اتهامات بأننا نقوض الميراث التاريخى والثقافى لحساب قوى هلامية تنسج خيوط مؤامرة علينا، هكذا!!، هل يشهد العام الجديد 2017 تحطيم صنم الخصوصية؟.
نحن بحاجة الى إعادة الاعتبار لقيمة العمل، وقد أجمعت خبرات الحياة بل ونظريات الاقتصاد وقواعد الأديان، على أن «من لا يعمل لا يأكل»، وهو أمر يحتاج إلى مراجعة مدخلات تشكيل العقل الجمعى، التعليم والثقافة والإعلام، بشكل موضوعى وجاد، يواكبه تثوير منظومة التشريعات ذات الصلة، وتلك المطاردة للفساد، الذى يخلق مسارات بديلة فى الذهنية العامة عن العمل، ويدمر كل محاولات الخروج الى النهار، ويعمق الشعور باللافائدة، ومن ثم الاكتئاب القومى الذى هو منتج طبيعى للاكتئابات الفردية، فننهزم داخل أنفسنا، ونقع تحت وطأة دوائر الاستهداف المحيطة بنا.
ولا بديل عن فصل «الدين» عن «السياسة»، بغير خشية صخب المنتفعين، وتحالفات الماضويين المنفصلين عن مسار التاريخ، الدين محله القلب، ومجاله الحيوى المؤسسات الدينية، التى انشغلت عن رسالتها ومهامها بمغازلة السياسة ومزاحمتها، للاستحواذ على دوائر الضوء والشهرة وربما الاستثمار، فلا هى تحققت ولا هى عادت إلى قواعدها، بل صارت عند كثيرين عبئاً على مسارات التنمية والتقدم، وعمقت الفقر بل ذهبت إلى تطويب قبوله، وأغمضت عينيها عن موجات البغضة والكراهية، وتناست أن رسالتها نشر قيم السلام والفرح والمحبة والإخاء.
دعونا ندرس كيف ندعم تطوير الصناعات الصغيرة والمتوسطة جودة وتكلفة ودعماً يمنحها القوة للصمود أمام غيلان الاستيراد ورداءة سلعهم، المستنزفة للاقتصاد، دعم الصناعة المصرية يدفعها الى دوائر التصدير والمنافسة فى الأسواق العالمية، لتصبح قيمة مضافة يحقق التوازن ويخرجنا من هوة التضخم والانهيار الاقتصادى.
بالعمل والجسارة نستقبل العام الجديد.. فهل من يترجم ما طرحناه إلى فعل؟.