الأحد 29 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لأنها مرحلة انتقالية

لأنها مرحلة انتقالية






هل يصلح الصخب منهجًا لإدارة شئوننا الخاصة والعامة؟، هل تكفى نظرية المؤامرة التى اقتحمت جل التحليلات لتفسير ما نعيشه؟، هل يمكن أن نحمى تماسكنا ومقاومة الانهيار مع استمرار غياب الحوار بين الفرقاء أو قل مع حالة حوار الطرشان التى صارت خبز يومنا؟.هذه وغيرها أسئلة تلح علىًّ ونحن نستقبل عامًا جديدًا، من المفترض أن تجد فيه الأمانى الطيبة موقعًا وسعيًا لتحقيقها، لكنها غامت وغابت بفعل مزاحمة الواقع المتجهم لها.لكننا نملك رغم هذا القدرة على اقتحام هذا الواقع ومواجهته، بعيدًا عن الأمانى وبعيدًا عن روح الانكسار التى تأخذنا إلى اليأس والاستغراق حتى الغرق فى دوامة الصخب لنجد اليوم والغد امتدادًا طبيعيًا لأمسنا المعتم ومدخلنا هو الحوار المجتمعى الجاد والتوقف عن اللغو الذى يشكله غياب المعلومات وإرادات التوافق والثقة المفتقدة بين جميع الأطراف، والإنكفاء على الذات، وتحميل كل أزمات اللحظة على المرحلة، دون الإقرار بأن قدرًا كبيرًا ومؤثرًا من الأسباب التى انتجتها غير منقطع الصلة بأخطاء وخطايا الأنظمة والسياسات بل لنقل المغامرات المتراكمة منذ عرفنا الدولة الحديثة 1805، ثم فى محطات بارزة 1952،1970، 1981، وليس آخرها 25 يناير 2011 ويلح على ذهنى ذاك المشهد الذى سجلته «التوراة» والذى كان مسرحه صحراء سيناء، بعد خروج العبرانيين بقيادة النبى موسى، حين تبرموا عليه، ولاموه أنه أخرجهم من أرض مصر ـ أرض العبودية كما تصفها التوراة عندهم ـ إلى المجهول، فقد اشتاقوا الى البصل والكرات والثوم، هكذا، لم يشتاقوا إلى النيل والزرع والرخاء والحضارة، ولم يدركوا أن رحلة سيناء هى مرحلة انتقالية، تنتهى إلى الأرض التى تفيض لبنا وعسلاً، والتى أجمعت كل كتب الرسالات على أنها أرض الموعد، كانت العودة إلى مصر مستحيلة، وكان التبرم قصور فى الثقة فى وعود الله، فتحولت رحلة الخروج إلى متاهة امتدت لما يقرب من النصف قرن، فلم يدخل الأرض الجديدة أى من الذين خرجوا، إلا نفر قليل أقل من عدد أصابع اليد الواحدة ولم يكن من بينهم النبى موسى نفسه، كان الداخلون من الأجيال التى ولدت فى رحلة الخروج.. هل ننتبه إلى منطقية الأمور، هل ننتبه إلى عبثية الحنين «لبصل وكرات وثوم» الأنظمة الغاربة والتى لولا استبدادها وفسادها وتطرفها، وغياب الرؤية وغياب إرادة تكريس الديمقراطية عندها على اختلاف طبيعتها، لما انتهينا إلى تجمع إرادات الغضب فى 25 / 30، فى لحظتين كشفتا ما آل إليه حال المجتمع من ترهل وتفسخ وانهيار قيمى على مختلف الأصعدة لسنا فى أفضل حالاتنا، لكننا أمام قيادة تملك رؤية واضحة ومحددة، ترى أن إعادة بناء القواعد المؤسسة للخروج من حالة الجمود هى الأولى بالرعاية، وأن الاقتصاد هو بيت الداء بعد أن تحول من اقتصاد القيمة المضافة، وعماده التصنيع والزراعة، إلى اقتصاد الريع، المتآكل والأسهل والأخطر، لكن غول الفساد والترهل وغياب الحس القومى، وحضور الكيانات الهشة التى تفتقر للمضمون والبناء الصحيح، أحزاب هلامية تعانى من الشيخوخة المبكرة، أنتجت بالضرورة برلمانًا يحمل نفس أمراضها، ونخبًا لا تقف بعيدًا عنها، وإعلامًا تائها عن المهنية، واختلط فيه كل عوامل المجتمعات المتراجعة، كل هذه العناصر تتكاتف وتتضافر لتشكل سدًا منيعًا يعوق سعى التأسيس الصحيح والممهد للانطلاق، ولهذا لا نستغرب حين تواجهنا صرخات تعترض وتتساءل فى غضب عن جدوى شبكة الطرق العملاقة التى تربط ربوع البلاد بكفاءة عالية، وعن جدوى قناة السويس الجديدة، وعن ضرورة العاصمة الإدارية، وعن التوسع فى تعمير الظهير الصحراوى لمحافظات الصعيد المحاصرة بالفقر ودوائر الإهمال، والأكثر انتاجًا للتطرف ومن ثم الإرهاب، لنجد أنفسنا أمام تنويعة على التبرم والحنين لبصل وكرات وثوم أنظمة الفساد، والمثير للدهشة: أن يأتى هذا من النخب المفترض فيها انها تدرك أهمية وحتمية هذا، لكنه الترهل والأنانية الجيلية وغياب الرؤية المستقبلية وغير بعيد يقف من يشكك فى وطنية الجيش ويتربص بمن يدافع عنه فى مكارثية فجة، صاخبة، تخلق حالة من الترهيب، متناسية أن جيش مصر جيشًا قوميًا هو سر بقاء التوحد المصرى والبوتقة التى تنصهر فيها كل الإنتماءات الضيقة وتنقيها من الشوائب لتصبح داعمة للانتماء الأكبر، الانتماء الوطنى، والذى لو اختل لصرنا رقمًا فى طابور دول المنطقة التى تفككت وضاقت أرضها المبعثرة بين الفرقاء على أهلها الفارين إلى الملجأ بامتداد خريطة العالم يتساءلون عن سيطرة الجيش على المشاريع القومية، ولا يقدمون بديلًا لأنهم لا يتذكرون ماذا فعل مقاولو الفساد باقتصادنا بامتداد أربعة عقود، بينما الجيش يملك الرؤية والحزم والحسم، والانجاز وفق المعايير المهنية، وعبره يعيد الحياة إلى قطاعات الإنتاج فى المصانع والشركات المدنية المصرية نحن بحاجة إلى مؤتمر قومى جاد ومثابر يقدم قائمة بأولويات المرحلة ويشارك فيه كل المتخصصين فى دائرة تخصصه ويعكفون ـ بعيدا عن صخب الإعلام وضجيج الإحتراب السياسى ـ على دراسة القضايا الأساسية الملحة ويقدمون حلولهم الواقعية القابلة للتنفيذ، لإعادة بناء الدولة والمجتمع، تنتطلق من الإقرار بأننا فى مرحلة انتقالية، لها ملامحها التى تفرض رؤى مختلفة عن مراحل الاستقرار، لهذا فقد آن الأوان للاستعانة بجيل الوسط الذى تجاوز الشباب ولم ينخرط فى الكهولة، فهم ذخيرة مصر الحقيقية، فهل نبادر بالتخلى عن المفاتيح التقليدية القديمة التى لم تعد تصلح لفتح الأبواب الجديدة؟.