الإثنين 14 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اكتمال المقاييس الكلاسيكية  بين أنطونيوس وأبوللو بمتحف اللوفر

اكتمال المقاييس الكلاسيكية بين أنطونيوس وأبوللو بمتحف اللوفر






فلترحل يا ذا العينين الناعستين نحو مصير حزين يحمل حابى المقدس جسدك الأبوللونى الجميل ويمضى بك إلى الخلود إلى ضفاف خالية إلا من دموع عذارى الغاب الذين سوف يبكونك كما بكين نركسيوس المفتون بصورته كما يبكين فتيات المحيط على إيكاروس الذى حملته أحلام الشباب عاليا نحو هليوس وألقت به فى أعماق البحر الأيجى... فلتسلم روحك يا أنطونيس العزيز ولتحمل اسمك بقعة رائعة فوق شطى النيل المقدس.. ولتنبضى يا مدينته الجديدة بالحياة والحب هكذا رثى الشاعر الرومانى سيليوس ماركوس الشاب الوسيم أنطونيوس الذى خلد الفن وسامته وتناسق مقاييسه الجسدية والذى ربما اتخذه الفنانون مثالا وموديلا حيا على اكتمال المقاييس الجسدية للشاب الرياضى ولن نبالغ إذا قلنا إن النموذج الأنطونينى حل محل النموذج الأبوللونى كما حل النموذج الأبوللونى قبل ذلك محل نموذج الكورس الشهير حيث إن النحت الكلاسيكى أصبح منذ عهد بوليكلتيس وفيدياس وميرون يبحث عن غاية التناغم بين أعضاء الجسد البشرى حتى تبرز كسيمفونية موسيقية تتناغم وتتآلف وتوحى للعين بفكرة الجمال من خلال هذا التناغم. وهذا النموذج الشهير لجمال تناسق المقاييس هو موضوع أحد أهم المعارض التى تقيمها إدارة المتاحف الفرنسية حيث يستعد متحف اللوفر الباريسى فى التحضير لمعرض يبدأ فى شهر إبريل القادم ويستمر حتى شهر ديسمبر تستضيف فيه إحدى قاعات اللوفر عددًا كبيرًا من القطع النحتية للشاب أنطونينوس الذى كما قلنا يمثل قمة اكتمال المقاييس فى عالم النحت حتى أنها أصبح النموذج الأمثل للفنانين على مستوى العالم القديم بداية من العصر الفضى وحتى القرن السادس الميلادى وحتى بعض الانقطاع الذى أصاب طقس النحت فى الصراع على إظهار قيم التناسق فى الجسد البشرى فى العصور الوسطى فلقد استكمل النحاتون فى أوج عصر النهضة بشقيه الرينيسانس والباروك استلهام هذا المال المكتمل فى الجسد البشرى الذى يمثل قمة النحت فى العصور الكلاسيكية.. يستضيف متحف اللوفر أكثر من 50 قطعة من متاحف العالم بالإضافة للقطع التى يملكها بين معروضاته وبين المخازن أيضا حيث أتم ترميم تسع قطع كان العمل على ترميمها مستمر على قدم وساق فى العامين الماضيين حتى تخرج فى أبهى صورها من بينها قطعة ضخمة يتعدى حجمها حجم تلك الموجودة الآن فى صالة النحت الرومانى والمكتشفة فى فيلا بورجيزى، لكن المؤسف أن المعرض لن يضم قطعا من أهم القطع النحتية العبقرية التى اكتشفت لأنطونينوس والتى تملكها مصر وهى بدون مبالغة تعدى الأربعين قطعة وهذا يعتبر ثلث نماذج أنطونينوس النحتية على مستوى المعروض والمكتشف وسوف يركز المعرض على قطع الرأس والجزع كذلك البدن المكتمل ومن بين القطع المعروضة أيضا تمثال كامل لأنطونيوس اكتشف منذ 11 عاما فقط فى إحدى أقاليم تركيا. الحقيقة أن النماذج الموجودة لأنتونيوس تتعدى ما يقرب من 200 نموذج موزعة بين عصور كثيرة مما يدل على أن النموذج الأنتونينى قد سيطر على الكثير من الفنانين فى عصور عدة ومن أجمل هذه النماذج تلك الرأس الضخمة لأنتونيوس الموجودة فى جناح دينون بمتحف اللوفر بباريس والذى يعتبر بحق من أكمل النماذج من حيث إنه بورتريه واضح للرأس وملامح الوجه مع تصفيفة الشعر التى اشتهر بها الإله أبوللو الأغريقى ثم بعد ذلك سميت بتصفيفة الشعر الأنتونينى نسبة لأنتونيوس فيما بعد وبغض النظر عن نظرية الجسد الرياضى للذكر فإن أنطونيوس نفسه صاحب حكاية تراجيدية كبيرة أحاطها الغموض واختلطت بالحكايات الشعبية سواء المحلية فى مصر الرومانية أو فى روما نفسها فأنتونيوس نفسه مجرد شاب بسيط من آسيا الصغرى (تركيا حاليا) ألتحق بالقصر الإمبراطورى فى روما وهناك روايات كثيرة لذلك فالبعض يرجح أنه كان أساسا ابنا لعبد معتق لكن فى النهاية ولشدة وسامته وتمتعه بذاكرة قوية فى حفظ الشعر أصبح نديما للإمبراطور الرومانى هادريانوس والذى اصطحبه معه فى رحلته إلى مصر فى عام 130 ميلادية وأثناء رحله نيلية باتجاه أسوان غرق أنطونيوس الجميل وفى الموقع الذى غرق فيه والذى كان أطلالا لمدينة فرعونية قديمة قرر هادريانوس بناء مدينة جديدة وإطلاق اسمه عليها (أنتينوبوليس) وظلت تعرف باسمه حتى الآن مع بعض التحريف (مدينة قنا حاليا) حيث تطور الاسم من أنتينوبوليس لأنصينا فى العصر الرومانى المسيحى ثم قنا حاليا وتعتبر أطلال المدينه القديمه هى محل بلدة الشيخ عبادة حاليا. حصل اللوفر على هذه القطعة النادرة التى كانت أساسا مملوكة لأسرة بورجيزى الإيطالية والتى كان قصرهم (فيلا بروجيزى) فى روما متحفا يضم أهم التحف الرومانية والنسخ الرومانية لأعظم الأعمال الأغريقة القديمة وربما أيضا بعض القطع الأصلية التى لا يعرف تاريخها على وجه التحديد لكن هذه الرأس للفتى أنتونيوس وجدت فيما بعد بفيلا ماندرونى بإيطاليا وتعتبر من أهم مقتنيات اللوفر الآن. ويمثل هذا البورتريه النصفى لأنتونيوس ذوق القرنين الثانى والثالث الميلادى فى فن البورترية وهو يتشبه فيه بالإله أبوللو إله الفن والشمس عند الإغريق والرومان وخاصة تصفيفة الشعر الشهيرة التى اشتهرت بها تماثيل أبوللو. لكن علينا أن نؤكد أيضا أن معظم تماثيل أنتونيوس قد تكون هى نفسها تماثيل لأبوللو وإلا سوف يكون من قبيل المبالغة أن نقول إن أنتونيوس أحتل مكان أبوللو فيما بعد القرن الرابع الميلادى.. والدليل على ذلك هو ذلك الخلط بين تماثيل أبوللو وأنتونيوس لدرجة أن هناك تمثالاً بإحدى قاعات المتحف المصرى بالتحرير هو أساسا لأنتونيوس لكنه معنون خطأ بأنه تمثال الإله أبوللو. مات أنطونيوس وهو فى عمر عشرين عاما وكتب بعض الشعراء الرومان المغمورين ملحمة أطلقوا عليها الملحمة الأنتونينيه تخليدا لذكراه نظرا لحب هادريانوس الشديد له.