الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
ويندهام لويز مؤسس مدرسة الدائرية وفيلسوف التشكيل الإنجليزى

ويندهام لويز مؤسس مدرسة الدائرية وفيلسوف التشكيل الإنجليزى






(أعطنى الريشة أيها الملاك الصغير ودعنى أبحر بعيونى فى تضاعيف الدوامات اللونية التى تشكل هذا الجسد المُسجّى... لعلى أستخدمته مرارا ليكون قناعا لهذه الروح).
هذه الشذرة الصغيرة لرائد الحداثة فى الشعر الإنجليزى إزرا باوند كان قد كتبها ليصف بها إحدى لوحات فيلسوف الرسم الإنجليزى برسى ويندهام لويز فإذا أردنا أن نستكشف بعضا من عوالم ويندهام علينا أن نحلل هذه الشذرة التى تحمل مفاتيح كثيرة لفك شفرات هذا الفنان الكبير.
فى المقدمة ربما يجب أن نلفت النظر لعلاقة ويندهام بالفلسفة ما جعل العديد من النقاد يطلقون عليه (فيلسوف الرسم الإنجليزى) حيث نرى تأثر ويندهام الكبير بنيتشه لكن على عكس ما يذكر بعض النقاد أنه تأثر بهنرى برجسون فهذا غير صحيح لأن هناك فرقا كبيرا بين براجماتية برجسون ونظرة ويندهام من ناحية تطوير الفن كما أنه من غير الممكن أن يكون قد تأثر ببرجسون إذ كان برجسون نفسه قد وجه نقدا لاذعا لأعمال ويندهام فى مرحله لاحقه من ثلاثينيات القرن العشرين.
لكن ما يؤكد أن ويندهام لم يكن فنانا تشكيليا فقط وكانت له وجهة نظر فلسفية بل ورؤى ذاتية خالصة أن ويندهام كانت له أعماله الأدبية والفكرية الخاصة به على الرغم من شططها أحيانا إلا أنها تعبر عن ذاتيته وخصوصية ما يكتب.
تعتبر شخصية ويندهام من أكثر الشخصيات التى تحتاج لدراسة نفسية مستقله عن أعماله الفنية رغم أن أعماله الفنية تعتبر مرآة سهلة وجلية لاستشراف أفكاره إلا أن انقطاعه عن ممارسة الرسم لمدة قد تصل لعقد من الزمان قد باعدت بشكل ما بين أعماله الفنية وقناعته الفكرية نوعا ما.
إن ويندهام لويس ذلك الفنان نصف الأمريكى والذى تربى وترعرع فى إنجلترا فى أواخر القرن الـ19 وبدايات القرن العشرين كان حبه للفن طاغيا فدرس فى باريس ولندن وكان من مؤسسى أهم حركات الحداثه فى انجلترا وهى حركة (الفورتكزم) أى الدائرية والتى يعتبر البعض أنها نشأت تأثرا بالتكعيبية الباريسية التى أسسها بابلو بيكاسو بل أحيانا يؤكد بعض النقاد مثل بيل رايان أنها إحدى فروع التكعيبية ومع أنها كحركة فنية لم تعش طويلا بشكل فعلى لكنها أثرت بشكل ما فى كل مدارس الفن التشكيلى الإنجليزى التى أنتهجت فكر المستقبلية فى الفن التشكيلي.
كان ويندهام صاحب رؤى خاصة فى الفن التشكيلى كما قلنا وبعد أن أنتج العديد من الأعمال على نهج مدرسة الدائرية إلا أنه أيضا كان يقوم بأعمال تتسم بسمات كلاسيكية من آن لآخر مثل مجموعة البورتريهات التى كان يرسمها لأشخاص بعينهم والتى تجلت فيها جذور مدرسة البورتريه الإنجليزي.
فى عشرينيات القرن العشرين وبعد أن خدم ويندهام فى الحرب العالمية الأولى على الجبهة الإنجليزية والكندية حيث اختير بجدارة ليكون رسام الحرب رسميا من قبل الجبهتين وقام بأعمال عن الحرب ذاع صيتها فيما بعد مثل لوحة (معركة يبرس الثالثة) والتى تجلى فيها ذلك الإيحاء برعب الحرب وسوداويتها .
على ما يبدو أن تأثر ويندهام بالحرب كان شديدا حتى أنه بدأ فى كتابة مجموعة من الأعمال التى عالجت الحرب والسياسة فى وقته والتى ربما أثارت جدلا على مستوى واسع وخصوصا العملين اللذين كتبهما عن الزعيم الألمانى أودلف هتلر فبعد أن أصدر كتابه (هتلر رجل السلام) فى بداية الثلاثينيات صعد نجم هتلر وتولى زمام قيادة الرايخ الألمانى فأصدر كتابه (عبادة هتلر) وهذان العملان جعلا منه هدفا لنقد الشيوعيين والمناهضين للفاشية والنازية بل جعلا منه أحيانا هدفا لبعض ردود الفعل العنيفة لكن على أية حال فإن قناعة ويندهام بأنه رجل فى أقصى اليمين الأرثوذوكسى أدت لأن يظل على رأيه حتى بداية الحرب العالمية الثانية.
من وجهة نظرنا الشخصية يعتبر ويندهام أيضا من الذين كانت لهم خطوات تطويرية فى مسألة التشخيص التشكيلى ففى معرضه الشهير (تايورز) أى الحمقى أو البدائيين أو السذج إذا شئت التدقيق فى هذا المعرض قدم تناولا كوميديا وكاريكاتيريا جديدا فى قضية البورتريه فهو قد تخيل أشخاصا بعينهم فى أنماط مفرطة السذاجة والبساطة حتى انه رسم لنفسه بورتريها كأحد هؤلاء الشخصيات وهذه الطريقة استهوت فيما بعد عظماء الرسم الصحفى والكاريكاتير فى إنجلترا والعالم .
يعتبر ويندهام عالما خاصا من الفكر والثقافة غزيرا فى أعماله من هنا فإن إلقاء الضوء عليه بشكل مكثف وعرضى من المستحيل لكننا أيضا نقول: إن هذا الفنان الإنجليزى الذى ولد عام 1882 ومات عام 1957 كان بحد ذاته حقبة ثرية ومتلونة من الفن التشكيلى والفكر الغربي.