«البهرة» هل تبعث بالآثار الإسلامية
علاء الدين ظاهر
تحقيق - علاء الدين ظاهر
لم يكن عام 487 هـ مجرد تاريخ وفاة الخليفة المستنصر بالله الفاطمي، بقدر ما كان بداية وتمهيد لظهور طائفة»البهرة»إحدى الطوائف الشيعية الإسماعيلية، حيث ظهرت بقوة بعد وفاة الخليفة عندما دعمت أحمد المستعلى الفاطمى على حساب شقيقه نزار المصطفى لدين الله، وهما إبنا الخليفة المستنصر بالله، حيث كان المستعلى وليا للعهد فى حياة الأب الخليفة، وهذا رغم أنه أصغر سنا من شقيقه نزار، مما أوجد خلافا فى الطوائف الإسماعيلية، وأدى ذلك لانقسامهم لفئتين حسب من يدعمونه، وأصبح هناك الإسماعيلية»المستعلية»والإسماعيلية «النزارية»، وكانت الغلبة للمستعلية حتى جاء صلاح الدين الأيوبى وأنهى حكم الدولة الفاطمية.
وعقب ذلك الإنهاء انتشرت طائفة «الإسماعيلية المستعلية» فى عدة دول كانت الهند واحدة منها، ومثلت بعد ذلك مركز قوة لهم خاصة أنهم كانوا مهرة فى التجارة مما جعل شوكتهم تقوى اقتصاديا، وعقب عدة تغيرات أصبح اسمهم «البهرة» وذلك نتيجة اندماج عدة طوائف دينية فى مذهبهم وكان الهندوس على رأس تلك الطوائف الدينية، ولم تكن مصر بعيدة عنهم لكنها لم تشهد وجودا حقيقيا لهم إلا فى عام 1976، وحينها قدموا لمصر مشروعا لترميم عدد من المساجد الفاطمية كان أشهرها الحاكم بأمر الله والسيدة زينب وجامع الأقمر وغيرها، حيث يحملون إخلاصا شديدا للعصر الفاطمى وكل ما ينتمى إليه.
هذه المقدمة والخلفية التاريخية كان لا بد منها، وذلك لتفسير معلومات وصلتنا من مصادر موثوق فيها بالآثار، تتحدث عن وجود أخطاء فى أعمال الترميم التى تجرى حاليا لمسجد الحاكم بأمر الله الأثرى فى شارع المعز، مؤكدين أن الأخطاء تحدث بسبب تدخلات طائفة البهرة، حيث أنهم الذين يتحملون تكاليف الترميم، خاصة أن المسجد يمثل لهم قيمة كبيرة فى عقيدتهم الدينية.
وطبقا لمصادرنا فإن هذه الأخطاء الفادحة فى ترميم»الحاكم»تمثل امتدادا لأخطاء مماثلة حدثت لاثنين من أشهر الآثار الإسلامية الفاطمية، والتى تمثل قيمة كبيرة لطائفة البهرة، أحدهما هو مسجد اللؤلؤة فى المقطم ومسجد ومشهد الجيوشي، حيث قال أحد مصادرنا أن طائفة البهرة تكاد تكون احتكرت مسجد اللولؤة، وهى التى قامت فيه بأعمال ترميم منذ حوالى 20 سنة مع مسجد الجيوشى.
حيث كانت أغلب الترميمها حينها عبارة عن دهانات معظمها أبيض اللون مما أفقد المسجدين جانبا كبيرا من قيمتهما الأثرية والتاريخية، حيث كان كل ما تم حينها مخالفا لكل أعراف ومواثيق الترميم، وفى السبعينات أيضا قامت طائفة البهرة بأعمال ترميم لجامع الحاكم تضمنت عمل أرضية صحن المسجد بالرخام مما أفقد الجامع تاريخه، والمثير أن مأذن جامع الحاكم نجت حينها من ذلك الترميم الخاطئ.
بحثنا عن تأكيد علمى لذلك، ووجدناه في»موسوعة العمارة الفاطمية-الكتاب الأول»، وهى من تأليف أ.د.محمد عبد الستار عثمان عميد كلية الأداب بسوهاج جامعة جنوب الوادي، حيث جاء فيها ذكر جامع الحاكم وتاريخه من الصفحة 291 حتى صفحة 321، ومن ضمن ما جاء فيه بصفحة 300 أنه فى السبعينيات تقدمت جماعة البهرة الشيعية بطلب لهيئة الآثار لترميم الجامع وإعادة الصلاة به، وبدأ ترميمه بالفعل وفق مشروع متكامل وتمت إزالة المدرسة التى كانت بصحن الجامع، وتضمن المشروع نقل زاوية أبى الخبر الكليباتى من أمام مدخل الجامع إلى قرافة المماليك، وتجاوز منفذو المشروع فنفذوا بعض العناصر بشكل وأسلوب معمارى لا يتفق والشكل الأصلى ومنه المحراب وبعض العناصر بالصحن.
وفى صفحتى 307 و308 ورد ما نصه»وقد جدد المحراب ضمن مشروع ترميم الجامع على يد جماعة البهرة، فزخرفت طاقيته بزخارف نباتية مذهبة مشابهة لنلك الزخارف فى محراب الجامع الأزهر، وأحيط إدار عقد حنية المحراب من الداخل والخارج بكتابات كوفية مورقة»، و«وكان محراب الجامع قبل الترميم عاربا من الزخرفة وما حدث من ترميم فى المحراب لا يستند إلى أسس علمية صحيحة، حيث خلت المصادر التى بين أيدينا من أى توصيف لهذا المحراب يساعد على تصور شكه الأصلي، كما أننا لا نستطيع أن نقرر أن هذا المحراب كان بنفس شكل وهيئة محراب الجامع الأزهر.
مسجد اللؤلؤة
من جانبه كشف سامح الزهار الباحث الأثرى أن مسجدى أثرى اللؤلؤة والجيوشى قبل سنوات عديدة تم ترميمها على يد البهرة، مشيرا إلى أن ما تم حينها كان تجديدا وليس ترميما وخالف الكثير من تقاليد وأعراف ترميم الآثار، موضحا أن مسجد اللؤلؤة بالمقطم يعد أحد أهم مراكز تجمع البهرة فى مصر، وأن أغلب الآثار التى وصلت إليها أيديهم تعرضت لتلفيات وأضرار خطيرة.
وأشار الزهار إلى أنه لا يحمل مسئولى وزارة الآثار حاليا ما حدث فى الماضي، لافتا أنه يطالبهم بإصلاح ما تم من أخطاء ترميم حدثت لبعض المساجد الفاطمية، ومنها الحاكم الذى تم ترميمه فى السبعينات على يد البهرة وتمويلهم، وشهد حينها أخطاء فيما تم من أعمال، وطالب الآثار بتلافى تلك الأخطاء فى مشروع ترميم الحاكم الجارى حاليا.
حق الرد
ولأن حق الرد مكفول للجميع، فقد توجهنا إلى عدد من قيادات ومسئولى وزارة الآثار للتحقق ن ذلك، وتبين ماهية أعمال الترميم الجارية فى المسجد، والغريب أننا وجدنا تحفظا من بعضهم على الرد بدعوى أنه موضوع شائك، رغم أننا نتقصى عن موضوع يتعلق بالآثار وليس شيئا أخر، وإذا كان البهرة عبثوا بالفعل بآثارنا فى الماضى لأسباب ليس الأن مجال لذكرها، فليس بالضرورة تكرار ذلك حاليا إذا ما كانت الآثار تقوم بالفعل برقابة صارمة على ما يتم من ترميم، إلا أن التحفظ الذى لمسناه من بعض مسئولى الآثار أثار تساؤلات لدينا.
ولأننا نؤمن تماما بحق الآثار فى التوضيح، سألنا الدكتور أبو بكر أحمد عبد الله المشرف العام على مناطق آثار شمال القاهرة، والذى أكد لنا أن الأعمال تتم طبقا لموافقة اللجنة الدائمة بقيام طائفة البهرة بعمل صيانة للمسجد، وذلك تحت إشراف دقيق وصارم من القاهرة التاريخية والتفتيش المختص، مشيرا إلى أن الأعمال التى تتم بالمسجد تتضمن إزالة طبقة البياض التالفة غيرالأثرية وترك الحوائط تجف، نظرا لوجود نسبة عالية من الرطوبة والأملاح بالحوائط، وعمل فتحات باستخدام الخاصية الشعرية حتى لا تسمح بعودة الرطوبة والمياه مرة أخري.
المواصفات الأثرية
كذلك تركيب مواسير تهوية بدلا من استخدام طلمبات شفط المياه، حيث إن منسوب المسجد منخفض عن باقى المبانى الموجودة، وشفط المياه قد يؤثر على باقى المنشآت المحيطة بالمسجد، واستخدام طبقة من الملاط ذات المواصفات الأثرية طبقا للمتفق عليها فى جميع مشاريع القاهرة التاريخية، من رمل وأثرويميل وتشعيرة من الأسمنت الأبيض.
كما يتضمن المشروع أيضا عمل تزرير لجميع الشروخ الموجودة بالحوائط والقبة، وذلك تحت إشراف مهندس مختص من القاهرة التاريخية والتفتيش المختص، وعمل خطوط كهرباء على نفس النظام القديم، علما بأن جميع الأماكن التى يتم مد خطوط كهرباء فيها ليست أثرية، ومبنية حديثا فى الترميم الذى قامت به طائفة البهرة فى السبعينيات.
فيما قال هانى محمود مفتش آثار بالادارة العامة للقاهرة التاريخية والمشرف الاثرى على المشروع من قبل القاهرة التاريخية إن الإيجابى فى الصيانة والترميم الجارى حاليا لمسجد الحاكم أنه يتجنب الترميم الخاطئ الذى حدث فى السابق.
الأثار الإسلامية والقبطية
وأكد بشدة على أن الترميم والصيانة الحالية يتم تحت إشراف ومتابعة دورية من الادارة العامة للقاهرة التاريخية ومنطقة أثار الجمالية، أما تمويل الترميم بالكامل من طائفة البهرة، وذلك بعد حصول المشروع على جميع الموافقات اللازمة من اللجنة الدائمة للاثار الاسلامية والقبطية.
وتابع :الترميم تأخر فترة طويلة لحين توفر التمويل من طائفة البهرة، لأن الموافقات على المشروع تمت منذ 2014 وبدأ التنفيذ أواخر 2015 وكان يسير ببطئ، لكن المشروع يسير بمعدلات متسارعة منذ 2017 وحتى الان، وتكلفة التمويل فى حدود 4 ملايين جنيه، والمقاول المنفذ للاعمال يتبع طائفة البهرة، لكننا نشرف على عملهم بشكل كامل.
واوضح أن الترميم يتضمن إزالة طبقات البياض والمحارة التالفة نتيجة الرطوبة والمياه الجوفية والتى نسبتها مرتفعة فى الجامع، والمستخدم فيها الأسمنت فى ترميمات قديمة، وإعادتها مرة اخرى ولكن طبقا للمواصفات الاثرية وباستخدام الاسمنت الابيض المطابق للمواصفات والمستخدم فى ترميم الاثار
وعمل مشروع لتهوية الحوائط باستخدام التخريم ولكن بشكل محدود لا يؤثر على شكل الحوائط والاعمدة ولا يفسد مظهرها الاثرى وفى نفس الوقت يساعد على منع تجمع الرطوبة خلف الحوائط الناتجة عن المياه الجوفية المرتفعة اسفل المسجد، واصلاح جميع التوصيلات الكهربائية وتجديد كل لوحات الكهرباء والإضاءة بالمسجد طبقا للاصول الفنية والآثرية.
وأضاف: الانتهاء من المشروع مرتبط بالتمويل، ولو استمر التمويل من طائفة البهرة فإن المشروع ينتهى أخر العام الحالي، والمشروع يجرى العمل فيه رغم ان المسجد مفتوح، وهذا يشكل صعوبة وبطئ فى التنفيذ، لكن حرصا على ان المسجد يظل مفتوحا كاحد اهم المزارات الاثرية فى شارع المعز، قررنا انه يظل مفتوحا للزيارة حتى وقت الصيانة والترميم، والذى نقوم به بشكل تدريجى حتى لا يغلق المسجد بالكامل.