الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا
الرقص فرحًا.. وسيناريو التحولات المجتمعية!

الرقص فرحًا.. وسيناريو التحولات المجتمعية!

من واقع رصدى للتحولات السلوكية فى المجتمع المصري؛ وما طرأ عليها من شوائب تضر بجماليات اللوحة الرائعة لهذا المجتمع الذى اتسم واتشح منذ فجر التاريخ بعباءة الحب الخضراء الجميلة، فمن واقع هذا الرصد تمنيت ألا أكون كاتبة مقال صحفى يأخذ طريقه إلى أعمدة الصحف السيَّارة، وربما لا تتم قراءته بالكيفية التى أردت بها إيصال معلوماتى إلى القارئ، ولكنى تمنيت أن أكون «كاتبة سيناريو» يرصد بعضًا من هذه التحولات، ليكون السيناريو ــ بلغة السينما ـ كالآتى: * نهار خارجى /ردهة مستشفى :



طبيب يرقص فرحًا لانتصاره العلمى بتمام شفاء مرضاه من «فيروس كورونا» الذى يجتاح جنبات محافظته فى وسط الدلتا.. بل يجتاح جنبات الكرة الأرضية بأسرها!

* نهار خارجي/ردهة المستشفى نفسه

طاقم التمريض يشاركون الطبيب فى نشوة هذا الفرح.. وترتفع الكاميرات لتوثيق هذا المشهد الإنسانى الفريد.. للنشر فى مواقع التواصل الاجتماعي، لبث الطمأنينة فى النفوس المرتعبة من الوباء.

* مساء داخلى/مجموعة من الصائدين فى الماء العكر ..

والحديث يدور عن ضرورة معاقبة هذا «المارق» الذى أهان مهنة الطب والطبيب والبشرية جمعاء من وجهة نظرهم القاصرة، نافخين فى «كير» الفتنة وتعكير صفو المجتمع بترَّهاتهم التى ما أنزل  الله بها من سلطان !

* نهار داخلى/مكتب السيد المحافظ

ينادى المحافظ على مدير مكتبه وطاقم السكرتارية لإصدار قرار فورى بإقالة هذا «الطبيب الراقص المارق»، من منصبه كمدير لهذا المستشفى؛ لا لشيء إلا لمجرد إرضاء وترضية عناصر المتربصين بقصف فرحة البشر على أرض الوطن .

* نهار خارجى/الشارع المصرى

كالعادة.. انقسام الآراء حول مؤيد ومعارض لقرار إقالة «الطبيب» والغالبية ـ بالطبع ـ تعارض هذا القرار المُجحف الذى ينتصر لشرذمة اعتادت الصيد فى «ماءٍ « هم الذين قاموا بتعكيره!

* نهار داخلى/مكتب المحافظ

مرة أخرى السيد المحافظ ـ فى عجالة ـ يقوم باستدعاء مدير مكتبه وطاقم السكرتارية؛ لإصدار قرار جديد بإلغاء «الإقالة» بشرطٍ  جائر وهو عدم العودة إلى منصبه !! ليه ؟ لست أدرى!

بل إننى أتخيل أن هذا الصحافى الذى نقل الخبر إلى سطور جريدته موثقًا بالصورة الرائعة؛ رقص طربًا لمعايشته هذه اللحظة الفارقة النقية للصفاء الروحى لدى الراقصين فرحًا للانتصار على معضلة الداء والوباء !

وإلى هنا تنتهى لقطات السيناريو ..لنحاول تحليل تلك المشاهد السريعة؛ على ضوء النظرة الإنسانية العلمية المحايدة، التى تستوجبها الظروف القاسية الراهنة التى يمر بها الوطن كجزء لا يتجزأ من هذا العالم!

فالرجل «الطبيب الإنسان» قام بالتعبير العفوى التلقائى عن فرحته بانتصار جهوده وجهود زملائه بالعلم فى مواجهة الوباء؛ والاطمئنان على تمام شفاء مرضاه الذين ضربهم «الفيروس» اللعين؛ وعادوا مرة أخرى ـ بإرادة الله وسطوة العلم ـ إلى الحياة! 

ولم يكن الطبيب يرقص فرحًا لتنفيذ رغبة فى الانتقام أو الدهاء كرقصة «سالومى الأخيرة» وبإيعاز من والدتها «هيروديا» فى الاحتفال بعيد ميلاد الحاكم الجليل «أنتيباس» زوج أمها المبهور بجمال «سالومي» والطامع فيها وفى جسدها الرشيق وهى ابنة السادسة  عشر من العمر؛ تلك الرقصة التى أطاحت برأس «يوحنا المعمدان» انتقامًا لرفضه لحبها وتقربها منه ! ولا رقَصَ هذا «الطبيب» حُزنًا « كرقصة «زوربا» الشهيرة مع صديقه ـ كالطير يرقصُ مذبوحًا من الألم ـ بعد انهيار حلمهما وعدم نجاح مشروعهما بمنجم الفحم الذى طالما اشتاقا إلى خروجه للنور! ولم يرقص «الطبيب الإنسان» رقصة « الإغاظة والكيد» كرقصة الفلاحات فى ريف بلادنا؛ اللائى يرقصن فى ليلة العُرس رقصة الانتصار للشرف والعفة لعروستهن التى طالتها بالنميمة ألسن الحاقدين والحاقدات؛ فيرقصن على دقات «الدربكة» مترنمين بالغناء على الإيقاع : قولوا لأبوها إن كان جعان.. يتعشى !!

وبالضرورة  الحتمية.. كان لا بد من وقفة للرصد والتأمل والتحليل لتلك الوقائع المستجدة على نسيج المجتمع المصرى فى الوقت الحالي؛ وبخاصة فى ظل الضغوط الحياتية المواكبة لمراحل التحولات السياسية والاقتصادية، فالرقص يفصح للجسد عن خفته وحريته، وهى حرية الحركة والإيقاع للتعبير الفُجائى عمَّا يجيش بالصدرفى لحظات الفرح والحُزن؛ فيخرج الراقص عن نطاق الجاذبية المعتادة للجسم وماديته، بل حار العلماء فى تفسيرظاهرة الرقص ليظل سرًا يُجهد العقول فى الوصول إلى مغزاه وفض ألغازه.

ولست هنا بصدد الدفاع عن موقف هذا الطبيب الإنسان؛ ولا عن رجع الصدى فى الشارع المصرى لهذا السلوك إيجابًا وسلبًا، ولكننى أرصد ظاهرة تنامت داخل المجتمع بمختلف الأشكال والتصرفات والسلوكيات فيما يطلقون عليه لفظ «التنمّر» الذى تناولته بقلمى فى العديد من مقالاتى السابقة، وحرصى على دوام التنبيه بتلافى ردود الأفعال الناجمة عنه داخل نفوس المجتمع المصرى والإنسانى بوجهٍ عام . فالطبيب كفيلٌ بالرد على منتقديه؛ تسانده الأغلبية العظمى لمختلف الشرائح الواعية بمقدرات الوطن والإنسان التى يتكون منها المجتمع المصرى.

دعونا نعيش لحظات الرقى الإنسانى فى أبهى صوره؛ طالما جاء  فى ظل عدم خدش الحياء العام؛ أو الإيحاءات التى تداعب الغرائز لمجتمع  تغلفه القيم الإنسانية الرفيعة  منذ نشأة التاريخ، وسيظل متمسكًا بتلك العروة الوثقى.. إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها!

أستاذ ورئيس قسم الإنتاج الإبداعى بأكاديمية الفنون