الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا
القضاء.. ومواجهة تحديات الكورونا

القضاء.. ومواجهة تحديات الكورونا

يشكل اجتماع مجلس الهيئات القضائية اليوم الثلاثاء الموافق 12 مايو 2020، خطوة وطنية مهمة من المستشار الجليل عمر مروان وزير العدل والسادة المستشارين رؤساء الجهات والهيئات القضائية، وذلك لعرض نتائج اجتماع الوزير مع الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية والذى عُقد فى 28 أبريل الماضى، بشأن الاستعداد لعودة العمل بالمحاكم، مع اتخاذ الإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا covid – 19، وميكنة منظومة التقاضى، بما يبعث برسالة طمأنة للمتقاضين أنهم موضع اهتمام ومتابعة القضاء فى مصر المحروسة، لا سيما فى تلك الظروف الاستثنائية التى تجتاح العالم بأسره. 



وفى الواقع فإن اجتماع اليوم هو أحد الإجراءات المتتابعة والمتتالية التى حرص عليها القضاء المصرى منذ ابتلينا بهذا الوباء دون سابق إنذار قبل نحو ثلاثة أشهر، فتزامنت تلك الإجراءات مع سياسات الدولة لمواجهة تحديات هذا الوباء والهادفة لتقليل معدلات التخالط الاجتماعى، وخفض المترددين على الوزارات والمؤسسات، وتقليص فرص التزاحم، فقامت بعض الجهات القضائية بتعليق الجلسات كلية، وقام البعض الآخر بنظر القضايا العاجلة والتى تتعلق بحريات المواطن.

ولكن ومع استمرار تهديد هذا الفيروس للبشر، وأخذًا بمقتضيات الملاءمة والمواءمة، كان لزامًا أن تتطور آليات المواجهة بما يحقق سير منظومة العدالة فى سرعة دون تسرع، والحفاظ على حياة وصحة القضاة والمتقاضين دون تهويل أو تهوين.

وتأتى التكنولوجيا بلا منازع فى مقدمة أولويات تحديات المواجهة، وهى ما يطلق عليه فى أدبيات هذا العصر «التقاضى الإلكترونى»، بما يعنيه من المحاكم الإلكترونية كنظام قضائى معلوماتى عالى التقنية، بيد أن هذا الأمر ليس هينًا أو يسيرًا، فثمة بُنية تكنولوجية متشعبة المجالات، تتعلق بتعديلات تشريعية حادة وجوهرية فى عديد من القوانين من أهمها المرافعات المدنية والتجارية والإثبات والإجراءات الجنائية وغيرها، وكذلك ميكنة جميع إجراءات الدعوى بداية من قيدها وتداولها حتى الحكم فيها ثم حفظها إلكترونيا، وفى تحقيقات النيابة العامة؛ بداية من تحرير المحضر فى قسم الشرطة ثم وصول القضية للنيابة وصولا إلى المحاكمة وانتهاء منها بالتصرف فى الدعوى، وفى إجراءات المحاكمة؛ ميكنة محاضر الجلسات والاستعلام عن القضايا من خلال بوابة رقمية برقم القضية وتاريخها، وتفعيل نظام أرشيف إلكترونى لحفظ القضايا.. مع مواجهة التحديات التمويلية الهائلة يقينًا، وتأهيل العناصر البشرية القادرة على استيعاب تلك المراحل التقنية المتقدمة، ناهيك عن وعى المتقاضى ذاته، وحتمية وضع استراتيجيات زمنية دقيقة تحقق نشر ثقافة توعوية تكنولوجية فاعلة.

 ويشكل القاضى ذاته أحد أهم تحديات المواجهة، سيما فى ظل كميات متزايدة من القضايا المطلوب منه الفصل فيها وإعطاء كل ذى حق حقه، وإصدار أحكام قطعية فى أعداد كبيرة منها (فى عجلة دون تعجل)، مع ضرورة إعادة النظر فى مبدأ عدم توطن القاضى فى ظل مجتمع لا يعرف الجار جاره، للحفاظ على عدم تنقله بين محافظات مترامية الأطراف فى وسائل نقل متزاحمة، مع ما يصاحب ذلك من إرهاق بدنى وذهنى، قد لا يمكنه من أداء مهمته القضائية على أكمل وجه، فى ظل تصاعد مخاوف إصابته بذلك الوباء الفتاك فى غدوه ورواحه.

أما عن قاعات المحاكم ومن يترددون عليها من كل حدب وصوب فحدث ولاحرج، وهنا ندق ناقوس الخطر الحقيقى، لانعدام الوعى – حتى الآن – بخطورة وسرعة انتشار الفيروس، فتكون القاعات مرتعًا خصبًا لانتشاره وتضاعف إصابات المرضى منهم وكبار السن، والمخالطين لهم يقنًا من أهلهم وذويهم، ولا تكفى – فى اعتقادى – مجرد إجراءات التعقيم التقليدية التى يزول أثرها بعد ساعات، بل لا بد من تجريم المخالفين لقرارات الإجراءات الاحترازية بحسم وحزم لا يلين. 

وأخيرًا فإنه ينبغى العناية الفائقة بصحة ومتابعة المترددين على المحاكم، ومنهم شركاء العدالة من المحامين ومأمورى الضبط القضائى، وأعوان القضاة من الموظفين وخبراء الطب الشرعى والأدلة الجنائية وأبحاث التزييف والتزوير وغيرهم، وكذلك الشهود والمتهمين أنفسهم، فضلا كمية أطنان من الأوراق التى ظلت سنين عددا يتراكم عليها التراب والتى موردًا رئيسيًا لنقل العدوى دون هوادة. 

وبالقانون تحيا مصر