الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
نجم غاب عن فضاء رمضان!

نجم غاب عن فضاء رمضان!

لم أكن أصدق وأنا أستاذ اللغة أن المساحة الزمنية الصوتية لحرف الـ (واو)؛ من الممكن أن يقوم بتغيير معالم العوالم التى تعيش فيها وبينها فى «فيمتو ثانية»؛ وهى المساحة الزمنية الصوتية لنطق الحرف الفاصل بين «الحياة (و) الموت» كمثال فى استخدامات اللغة متعددة المواقف!



وهى الـ«فيمتو ثانية» التى رحل بعدها مباشرة الفنان متعدد المواهب الدرامية والكوميدية «ابراهيم نصر».. وهى ( وااااو ) نفسها التى يستخدمها البعض ولكن بمزيد من المساحة الزمنية الصوتية للتعبيرعن الدهشة أو المفاجأة، وشتان بين المسافتين والنتائج المترتبة والمعبرة عن كل منهما!

فلقد كان الرجل يعيش حتى آخر لحظات حياته لايشكو من أى معضلة تعيق حركة جسده أو فكره، بل كان يستعد لاستكمال لقاءاته بمعجبيه ومحبيه على الشاشة الفضية؛ تواصلاً لعادته السنوية فى الالتقاء بهم فى شهر رمضان من كل عام، ومنذ التقى مصادفة بالشاعر الغنائى «بخيت بيومي» الذى يصطحبه إلى مبنى التليفزيون المصرى لأداء فقرة تكميلية مع المذيعة التليفزيونية الراحلة/أمانى ناشد فى برنامج جماهيري، وبعدها يأخذ طريقه إلى عالم السينما والمسرح والتليفزيون والبرامج الترفيهية.. وأجاد وتألق فى تقمص العديد من الشخصيات الكاريكاتورية فى البرنامج الشهيرعلى الصعيدين المصرى والعربى: الكاميرا الخفية!

ولأن موت الفجاءة.. يتطلب حتمية وضرورة استخراج «صكًا» ممهورًا بخاتم النسرـ الشهيرفى أوراقنا الرسمية للخروج من هذا العالم، جاء التشخيص فى تقريرالطبيب: «هبوط مفاجيء فى عضلة القلب»!، ولم يكن الطبيب فى رأيى مُحقًا فى هذا التوصيف.. فهذا «الهبوط» كان بمثابة «ارتقاءً» إلى آفاق الخلود لشخصه ولفنه الذى منحه لجمهوره على الساحة الفنية المصرية والعربية على مدى عقود طويلة من الزمن؛ حتى لو غاب بموت «الفُجاءة» عن الساحة الفنية الدرامية والكوميدية بالمسرح والسينما والتليفزيون. وكان أداء شخصية البوهيمى «جعيدي» فى فيلم «شمس الزناتي» المأخوذ عن الفيلم الأجنبى «العظماء السبعة»، وهو «الصعيدى القُحْ» الذى لايعرف من الحياة سوى الحصول على « الوَكْل باللهجة الصعيدية/أى الأكل».. من ناتج عمله بورشة الحدادة كنافخٍ للكير، ودائم الإعلان عن التمرد على سلطة صاحب العمل بدافع التطلع إلى الحرية كإنسان لايقبل الظلم أو القهر والتحكُّم.. ليتحول مع أحداث الفيلم إلى الثائر المناضل الذى يشارك بقوته الجسدية وسلاحه فى تحرير قرية من بعض الأقوياء المستبدين بها والمغيرين عليها، ليتألق فى أداء تلك الشخصية المركبة المُعقدة إلى اقصى حدود التجسيد فى الأداء الحركى والجسماني، بل يقال إنه تفوق فى الأداء على الشخصية المحورية البديلة فى الفيلم الأجنبي،كما تفوق الفنان العملاق «محمود المليجي» فى دور «محمد أبو سويلم» فى فيلم «الأرض» المأخوذ عن رواية الكاتب «عبد الرحمن الشرقاوي»، على أداء الممثل العالمى «أنتونى كوين»!.

وإطلالة على مسيرتة ورحلته فى عالم الفن منذ ولادته بحى شبرا بقاهرة المعز، نجده قد اكتسب شخصيته الصعيدية من انتسابه إلى الأب الصعيدى الذى ارتحل إلى القاهرة من مركز «النخيلة» بمحافظة اسيوط، ليعمل بين طائفة المعمار والمقاولات، ولكن غريزة الفن الموجودة فى أعماق شخصيته أخذته إلى تقليد الشخصيات الموجودة فى محيط العائلة؛ ليحظى بلقب «كوميديان العائلة»، وفى مدرسة «عثمان بن عفان» بشبرا يترأس فريق التمثيل ويقدم على مسرحها أعماله المسرحية، وليظل متعلقًا بأهداب الفن حتى لحظة حصوله على ليسانس الآداب.. ليتزوج ويخرج إلى الحياة العملية، وحتى تلقى المقادير فى طريقه بالصدفة الشاعر الغنائى بخيت بيومى.. لتدورعجلة الزمان حتى تتوقف مع اللحظة الفارقة فى حياة كل إنسان!

وقدنعاه نقيب الفنانين المصريين الفنان أشرف زكي، فى بيان له، قال فيه: «إن الفن المصرى والعربى فقد فنانًا كبيرًا أثرى السينما والدراما التلفزيونية» وتم تشييع جنازة الفنان الراحل من الكنيسة المرقسية القديمة بالأزبكية، ليوارى جثمانه مقابر الأسرة بمقابر العباسية.

وليجيء نعى الأب بطرس دانيال رئيس المركز الكاثوليكى للسينما، النجم إبراهيم نصر بكلمات مؤثرة، عبر حسابه الرسمى بموقع التواصل الاجتماعى فيس بوك. ونشر الأب بطرس دانيال صورة لإبراهم نصر، وعلق عليها ناعيًا: « الراحة الأبدية أعطه يارب وبنورك الدائم فلتضيء له وليستريح بسلام أمين. نقدّم تعازينا القلبية فى رحيل الفنان الكوميديان إبراهيم نصر الذى أمتعناجميعًا بأعماله وبرامجه المتنوعة طالبين له الرحمة من الله والعزاء لذويه ومحبيه وجمهوره المحترم».

وكان الأمل أن يكون خبر وفاة «أيقونة الكاميرا الخفية» إحدى دعابات القدر.. أو إحدى مشاهده التى امتعنا بها، ويكون الخبر تعبيرًا عن مقلب من مقالب الكاميرا الخفية ويقول عبارته الشهيرة: نذيع ؟ ولكن شاءت الأقدار أن يكون مشهد الرحيل حقيقة.. لأنها النهاية الحقيقية لكل مشاهد الحياة! وأذعنا الحزن على غيابه وذرف دموع محبى فنه بعيدا عمن أنكروا جميل منحه أوقاتا سعيدة لنا ملؤها البسمة والبهجة والدهشة،ومارسوا فتنة ممجوجة تخدم أغراضهم الدنيئة ولكن وعينا دوما له الغلبة وسنترحم على نجمنا المحبوب وسنظل ندعو له بالرحمة والسلام لروحه فى عليين.