الخميس 18 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الصداقة القاتلة!
كتب

الصداقة القاتلة!




 


 كرم جبر روزاليوسف اليومية : 15 - 09 - 2010


مصر هي التي دفعت ثمن الصراع بين ناصر وعامر
(1)


- استدعي الرئيس عبدالناصر لبيته في منشية البكري المشير عبدالحكيم عامر، وظن المشير أن عبدالناصر سيصالحه ويعيده إلي القوات المسلحة، بعد أن أعلن عن استقالته وحمَّله مسئولية هزيمة يونيو 67 .


- لم يتصور المشير أن عبدالناصر أراد أن يحاكمه وسط مجموعة من زملائه أعضاء مجلس قيادة الثورة، وانتهت المقابلة بأن تركهم عبدالناصر في صالون منزله إلي غرفة نومه.
- في تلك اللحظة بالضبط كان الفريق أول محمد فوزي يتصل بعبدالناصر ويبلغه بأنه نجح في فض اعتصام الضباط الذين احتشدوا في بيت المشير بالجيزة، مهددين بإعلان حرب مسلحة ضد عبدالناصر.
(2)
- لم يذهب المشير إلي بيته، واعتقله عدوه اللدود الفريق فوزي ولم يمض أكثر من شهر حتي تم الإعلان عن انتحار المشير، لتنتهي بذلك فصول الصداقة القاتلة بين الرئيس والمشير.
- كيف مات المشير؟.. التحقيقات الرسمية تقول إنه تناول عقاراً قاتلاً كان يخبئه بشريط لاصق في أحد فخذيه ورغم ذلك فقد أعيد فتح القضية عدة مرات وأثبتت التحقيقات أنه مات منتحراً وليس مقتولاً.
- أخذ سره معه إلي قبره، ورغم شهامته ورجولته وأخلاقه وصفات الجدعنة التي أشتهر بها، إلا أن النهاية كان من الصعب أن تكون شيئا غير ذلك.
(3)
- قبل النكسة، تحول البلد إلي عزبة يتقاسمها فريقان، رجال عبدالناصر ورجال المشير.. هؤلاء يسيطرون علي الاتحاد الاشتراكي، وهؤلاء يسيطرون علي الجيش، وكل فريق يأتي برجاله.
- انغمس رجال المشير وهم كبار قادة الجيش في الحياة المدنية، ونشروا أجواء من الخوف والذعر، خصوصاً شمس بدران الذي ارتبط اسمه بكثير من قضايا التعذيب.
- كان ولاؤهم للمشير وليس لعبدالناصر، وأحس عبدالناصر بخطورة الموقف ولكن لم يكن في يديه أن يفعل شيئا، حتي جاءت حرب يونيو فكشفت الواقع المرير الذي تعيشه البلاد.
(4)
- وصل الصراع بين عبدالناصر والمشير ذروته قبيل النكسة، وأتذكر أن الفريق فوزي رحمه الله قال لي في حوار صحفي منذ سنوات أن عبدالناصر حين عينه رئيساً لأركان الجيش، صمم المشير علي أن يضرب بالقرار عرض الحائط.
- حدد عبدالحكيم عامر صلاحيات الفريق فوزي في المشروعات الزراعية، وكلفه بزراعة مئات الأفدنة من الذرة وأبعده تماما عن الشئون العسكرية.
- جاءت الفرصة علي طبق من ذهب لفوزي بعد النكسة وبتعيينه وزيراً للدفاع استطاع أن يرد اللطمة للمشير، وأشرف بنفسه علي اعتقاله وتصفية رجاله وتقديمهم للمحاكمة.
(5)
- 43 سنة تمر علي انتحار المشير عامر، ويشهد للفريق فوزي رغم ما اشتهر به من الانضباط والقسوة أنه نجح في تضميد جراح الجيش وإعادة بنائه من جديد.
- الأشجار تموت واقفة وكذلك الرجال، ونجح جيش مصر العظيم في تجاوز النكسة وصراعاتها ولقن إسرائيل صدمة قاسية في معركة رأس العش، بعد أن تصورت أن جيش مصر لن تقوم له قائمة.
- بقيت قصة الرئيس والمشير أو الصداقة القاتلة درساً دامياً ليس لمن عاصروها فقط، ولكن للأجيال التي جاءت بعد ذلك، فالصداقة إذا امتزجت بالسلطة، تجلب كثيراً من الكوارث.
(6)
- دروس كثيرة وعبر ومواعظ حفرتها قصة الصداقة القاتلة في وجدان الوطن، أهمها علي الإطلاق درس النكسة المريرة التي مازالت تداعياتها مستمرة حتي الآن.
- لو تفرغ عامر لوظيفته العسكرية كان من الممكن ألا تقع النكسة، خصوصاً أن عبدالناصر أبلغه بموعد الحرب قبل وقوعها بأيام، ولكن لم يؤخذ كلامه علي محمل الجد والاهتمام.
- انفصل عامر تماما عن وظيفته الأساسية وهي تطوير وتحديث الجيش، وتنفيذ مهمة حماية الأمن القومي المصري ضد العدو الأساسي وهو إسرائيل، وانصرف لأعدائه في الداخل.
(7)
- الشلة أيضا هي التي أفسدت المشير وعجلت بالهزيمة وبالنهاية بعد أن أطلق رجاله ينشرون الفساد والخوف والذعر، وياويل من كان يقع تحت أيديهم.
- غاب القانون وعلا سلطان القوة.. ولم تكن هناك ديمقراطية ولا حرية، وكانت الصحافة تقوم بمهمة التمجيد والتجميل وتكتب ما يملي عليها.
- دفعت مصر الثمن الفادح مع أن الاثنين عبدالناصر وعامر كانا يعتقدان أن ما يفعلانه هو لخيرها وعزتها ورفع شأنها.. ولكن الطريق إلي جهنم مفروش بالنوايا الطيبة.


E-Mail : [email protected]