السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
نظافة العقول.. وذاكرة السمك.. والتوجهات اللاوطنية

نظافة العقول.. وذاكرة السمك.. والتوجهات اللاوطنية

تقول الحكمة المنطقية: من الصعب إقناع الذباب أن الزهور أجمل من القمامة!



ويبدو أنه من هذا المنطلق.. كتب الروائى العالمى (جابريل جارثيا ماركيز) هذه المقولة: «قاوم الإنسان بالمبيدات الحشرية الصراصير والذباب مئات السنين وبقيت تتكاثرعلى مرالسنين، وصارت مقاومة للمبيدات الحشرية، إلى أن اكتشفت بعض الشعوب أن النظافة الجماعية هى الحل، وبالفعل اختفت الصراصير والذباب من بلادها. والإرهاب مثل الصراصير والذباب لن يختفى إلا بالنظافة الجماعية.. نظافة العقول؛ والتى تتحقق بالتعليم ثم التعليم ثم التعليم.. التعليم الحقيقى وليس معاهد تفريخ الجهلة والغشاشين وذوى العقول المشوشة المعدة لاستقبال الفكر الإرهابى المتطرف والغبى والعميل لأعداء المِلَّة والوطن». 

وبالرغم من أن هذه الأقوال؛ تُعد من البديهيات وألف باء النقاء والصفاء الروحي؛ التى يجب أن تتعارف عليها البشرية فى كل بقاع الأرض، إلا أنه يبدو أننا يجب أن نذكّر بها فى كل حين؛ حتى تستقيم الأمور وتُنتزع بذور الشر من داخل النفوس الأمارة بالسوء، لنقضى على الذباب الذى تفشى وانتشروأصبح كالخيمة التى تحجب الرؤية عن الأزاهير المورقة التى أنبتها الله داخل النفس البشرية. وصحيح أن الله تعالى يقول فى كتابه العزيز: «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا» (الشمس 7 ـ 8)؛ إلا أنه يجب الالتزام والعمل على نزع فتيل الفجور من داخل النفوس الخانعة والضعيفة والحاقدة؛ وتثير باستمرار نزعات الخلاف ـ لا الاختلاف ـ داخل المجتمعات الوديعة الآمنة، لا لشىء إلا لتعكير الصفو والصيد فى الماء العكِر! ولكن ماحيلتنا والأِشرار موجودون فى كل زمانٍ ومكانٍ منذ بدء الخليقة؛ ومنذ دق «قابيل» رأس أخيه «هابيل» بالحَجَرالهائل لينفرد بالغنيمة وحده! 

ولكن الظروف تتغير وتتبدل بحسب مقتضيات العصر ومجرياته؛ ونرى تسارع إيقاع الأحداث فى منطقتنا العربية على كل المستويات: الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية؛ وتأمل فتح نافذة الضوء فى نهاية النفق المظلم، ولكنها تجد  فى طريقها من يقفون لها كحجرعثرة من الطامعين والمتربصين الممنهجين والمدفوعين من القوى العالمية التى تخطط ـ بإصرارـ لتمزيق أواصر الشرق الأوسط ـ قلب العالم ـ وتحويله إلى كيانات هزيلة تابعة؛ وهو مايسمى بمشروع الشرق الأوسط الجديد،  هذا الأمر الذى يقتضى من كل الشرفاء ضرورة الاصطفاف كالبنيان القوى لمواجهة هذه المخططات الخبيثة، فليس هذا وقت الخلاف أو التسابق على كراسى الحكم وقهر الشعوب؛ فخريطة الوطن العربى تتآكل؛ ويخفى معالمها الدم والطائفية وشريعة الغاب التى ترتدى  كذبًا ـ ثوب شريعة الله. ومصر قلب تلك الخريطة، وإذا فنى الجسم وتمزق، فهل تبقى للقلب وظيفة؟! من مصر يبدأ إنقاذ الجسم العربي، ومايحدث تم الإعداد له منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحلول الإمبراطورية الأمريكية محل أمبراطوريات القارة العجوز.. أوروبا. المخطط متقن وهزيمته تكمُن فى ضرورة وسرعة الاصطفاف المنشود ونبذ الخلاف، وتطهير النفوس مما علق بها فى سبعين عامًا من غسيل مخ عبر مراحل نفذتها أمريكا وحلفائها بإتقان؛ ونحن لانزال نحمل «ذاكرة السمك» ونأكل الطُّعم فى كل الأحوال!

ولكن هل نقوى على إقناع  الذباب بأن الزهور أجمل من القمامة ؟ وحينها سنستطيع أن تقنع الخونة والحاقدين بأن تراب الوطن أغلى من الخلاف وإثارة القلاقل والنعرات القبلية والتشرذم؛ والانصياع للعمالة والانبطاح والانحناء لأصحاب المال الوفير ذوى التوجهات اللاوطنية الجبانة؛ والذين يقيمون الصلوات ووجوههم للغرب!  وأقول بملء الفم وبكل القناعة: نعم نستطيع.. والحلول تكمُن فى إعادة النظر فى المنظومة التعليمية من القاعدة إلى القمة، لتخريج الأجيال التى تؤمن بالعلم الصحيح والفن والشعر  والموسيقى والفنون التشكيلية، وكل الجماليات التى حبانا الله بنعمتها، ونلقى خلف ظهورنا بكل ماأُدخل على تراثنا من خرافات ماأنزل الله بها من سطان.  

 والذباب الذى أعنيه هُنا.. هو كل العقول المتحجرة التى تحمل الأفكار المتخلفة؛ يستوى فى هذا معتنقو الأفكار العقائدية المتشدِّدة؛ التى لاتعترف بمتغيرات العصر وقفزاته السريعة نحو الرفاهية الملتزمة بكل ماجاءت به الأديان السماوية من سماحة ونقاء وصفاء للروح والقلب والوجدان.  والذباب الذى أعنيه أيضًا هو كل أصحاب الأقلام المسمومة من الصحفيين والكتاب والشعراء الذين لايحترمون شرف الكلمة؛ ولا يفرقون بين المعارضة المهذبة الواعية بمقدرات الوطن؛ وبين الغوغائية غيرالمنضبطة مع بوصلة الوطن والعرف السارى فى مجتمعاتنا العربية؛ والمصرية على وجه الخصوص. فنجد منهم من  يملأ أعمدة الصحف السيارة والدورية والموسمية وشاشات التلفاز؛ بالتشدق بعبارات المطالبة بالحرية والكرامة والديمقراطية؛ ولا يملك «جواز السفر» الخاص به.. لأنه أسير «الكفيل» الذى يمنحه الدولارات ويحتفظ بجواز السفر فى جيبه كنوعٍ من العبودية المقننة. فأين هى الحرية والكرامة والديمقراطية التى يتشدق بها هؤلاء.. وهم لايملكون حريتهم الشخصية!!  تلك هى « عينة» أو «أنموذج»  لأسراب الذباب التى أقصدها وأعنيها بالإشارة.. كى نستيقظ من السبات العميق.

أستاذ ورئيس قسم الإنتاج الإبداعى بأكاديمية الفنون