الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا
عادل نصيف  فارس الأيقونة والموزاييك

عادل نصيف فارس الأيقونة والموزاييك

(وكانت أقدامنا تدوس على عالم خيالى وكأنها ملحمة صغيرة اقتطعت من عصر البطولات.. فهذا بوسيدون يحمل شوكته ويلوح بها بين أفعوانات هائلة متوعدا... وهؤلاء فتيان وفتيات البحر يتحركن بين الأمواج فى رقصة طقسية... وألف مخلوق من سكان البحر يقومون بأعمالهم فى ترتيب... وكأننا إن عبرنا حتى عرش فيليبوس كنا قد سمعنا مائة حكاية تحكيها فيسفساء الأرضية فى بهو فيلبوس المهيب).. بهذا الوصف الرائع وصف كالثنيس أحد المؤرخين الهلنستيين فسيفساء الأرضية فى قصر الملك فيليب المقدونى والد الإسكندر.. وكأنه يصف عملا من أعمال فنان مصرى فارق الحياة منذ أيام... فنان تعدت نجاحاته حدود العالمية وخلد بفنه اسم مصر وفنها القديم من أيقونه وأفرسك وموزاييك فى مدن أوروبية وعالمية كثيرة.



رحل عن عالمنا منذ أيام متأثرا بفايروس كورونا الفنان الكبير عادل نصيف وهو أحد رواد الفنون التشكيلية النوعية فى الوطن العربى والعالم فهو من جيل الفنانين الجادين الذين حملوا على عاتقهم تجديد أحد الفروع النوعية لتراث الفن التشكيلى العالمى والتاريخى وهما فن الموزاييك والفن القبطى وتحديدا فن الأيقونة المصرية والتخصيص هنا لأن الأيقونة المصرية لها مدرسة كبيرة وأصيلة ويرجع إليها جذور أسلوب الأيكينوجرافيك فى العالم أجمع والذى خرج من مصر للعالم الشرقى ثم إلى أوروبا بداية من العصر البيزنطى وساد حتى أواخر العصور الوسطى وهذه الفترة التى ساد فيها خلقت حوارًا كبيرا بينه وبين الأساليب البدائية لقبائل أوروبا التى دخلت للمسيحية وتولد من هذا الحوار أساليب ومدارس كبيرة مثل الأسلوب القوطى الذى يحمل نفس وشائج فن الأيكينوجرافيك.

كان الراحل الفنان عادل نصيف يخوض معركة ذاتية بينه وبين ذاته كفنان وبين أعماله نفسها واتجاهات الفن الحديث، لذا نجده دائما يبحث عن وسط سحرى حتى يحقق الاتزان بين قناعاته كفنان يحمل على عاتقة رسالة الحفاظ على تراث حضارة عمرها آلاف السنين وبين متطلبات عصره الذى يعيش فيه والذى يتخذ الحداثة شعارا وإطارا.

 كان عادل نصيف يتمتع بحالة من النرفانا أو السلام الفنى تجعله متسقا مع ذاته بشكل كبير فلم يكن منشغلا بهوس الحداثة والتنظير فى أعماله بل هو يُغلب فكرة الفن يخدم الحياة والتى نشأ عليها الفن ذاته فى عصور كثيرة مثل العصر الفرعونى والعصر الهللينى حيث كان الفنان فيها حرفى مخضرم أولا ثم فنان ثانيا لأن الفن ذاته كان حرفة لخدمة متطلبات البشر الروحية أولا والمدنية والحضارية ثانيًا.. كما كان عادل نصيف على الرغم من ثقله كفنان فريد وعالمى فى تخصصه إلا أنه غير منشغل بالظهور والسعى وراء إضاءات لن تزيد لعبقريته الفنية شيئا وهذه روح الفنان الحقيقى الذى يمتع المتلقى تاركا أعماله تتحدث عنه، وحتى نقرب الصورة أكثر فإن أعمال نصيف تنتشر فى أكبر محافل العالم الروحية والثقافية فى باريس وهولندا واليونان وأمريكا وغيرها من بلدان العالم الغربى وهى أعمال ضخمة وعملاقة فى الحجم والمضمون وعلى سبيل المثال لا الحصر أدرجت وزارة السياحة الفرنسية لوحته الموزاييك الضخمة التى تزين واجهة كتدرائية الملاك ميخائيل فى باريس كأحد المعالم السياحية لمدينة باريس وهى لوحة لهروب العائلة المقدسة إلى مصر تبلغ مساحتها 62 مترا مربعا وتعتبر من أكبر أعمال الموزاييك فى العصر الحديث وليس هذا فقط بل كل أعمال الموزاييك والأيقونات والتى بلغت جميعها مساحة 300 متر مربع.

يعتبر فن الموزاييك من أعرق الفنون النوعية فى العالم حيث يرجع تاريخه للقرن الخامس قبل الميلاد، ولعلنا لن نبالغ إذا قلنا إن الإسكندرية ومنذ عصر بطليموس الثانى فيلاديلفوس وهى مفرخ طبيعى لفنانين فى كل المجالات وخاصة الفن التشكيلى وحتى عصرنا الحالى نظرا لدورها التاريخى وتنوع المخلفات الأثرية والفنية بها من كل العصور بداية من العصر الهيلنستى وحتى الآن لذلك فإن الفنان عادل نصيف لم يجد صعوبة فى استلهام تراث أصيل وعميق من بيئته التى يعيش فيها فهو فنان سكندرى درس الفن بعمق ونال بكالوريوس الفنون الجميلة جامعة الإسكندرية من قسم التصوير عام 1985 بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف ثم أكمل دراسات نوعية بمعهد الفن القبطى بالقاهرة، ثم أنطلق بعد ذلك فأجاد فن الأفرسك وهو إيضا من الفنون العريقة والتى نفذت به اعاظم أعمال عصر النهضة مثل لوحة العشاء الأخير لدافنشى وتقنيته هى الرسم بالألوان الخفيفة الكثافة على الجبس الطرى حتى يمتص الألوان وتصبح اللوحة على عدة طبقات داخل الجبس.

يأتى تميز الراحل عادل نصيف فى أنه تخصص وأجاد فى أعرق أساليب الفن التشكيلى ذات التراث القوى وهى كما قلنا الأفرسك والأيقونة بأنواعها والموزاييك بأنواعه مما جعل أعماله تنتشر فى كل أنحاء أوروبا وأمريكا وتلقى رواجا منقطع النظير مما جعله يمثل مصر فى عدة مناسابات عالمية كان على رأسها صالون الخريف بباريس عام 2011 كما يعتبر أيضا أول فنان قبطى طبعت ايقوناته القبطية بكتاب frist christmss بامريكا باللغة الإنجليزية والإسبانية ويحصل على جائزة أفضل كتاب لهدايا الاعياد. كما نظمت له دار النشر welcomebook والكاتب معرضا لأيقوناته بمنهاتن بنييورك ديسمبر 2008، وشارك أيضا فى معرض CARAVAN المقام بلندن بكاتدرائية سان بول من 30 أغسطس وحتى 26 سبتمبر عام 2013 والكثير من المشاركات الدولية ومنها أيضا لوحات الموزاييك بمسرح سان جورج بحى بروكلن فى مدينة نيويورك.

وله مقتنيات لدى العديد من رجال الأعمال والشركات بمصر. وزارة الثقافة المصرية، متحف الفن الحديث بالقاهرة، مركز الإبداع بالإسكندرية، سنغافورة، هولندا، إسبانيا، كينيا، جنوب إفريقيا، السويد، ألمانيا، استراليا، أمريكا، كندا، فرنسا، اليونان والامارات العربيه المتحدة

كان رحيل عادل نصيف موجعًا لأحبابه وأصدقائه وزملائه فى معترك الفن وحالما ترجل هذا الفارس النبيل.. نعته كل الأوساط الفنية فى مصر.. فسلاما لروحه الجميلة.