موكب المومياوات.. و«كبسولة» الوعى الأثرى والحضارى
مازلت فى حالة انبهار لامثيل له لا تنقطع ولن تنقطع منذ بدء متابعتى لاحتفالية الدولة المصرية لرحلة المومياوات الملكية من المتحف المصرى بميدان التحرير حتى وصولها لمستقرها الأخير بالمتحف الحضارى بالفسطاط، وحتى لحظة كتابة هذا المقال، وظنى أن هذه الحالة التى أمر بها يشاركنى فيها ملايين الملايين فى مصر وحول العالم،فهو حدث بحق غير مسبوق حين استرجع تفاصيله منذ بدأ الإعداد له وتداولته وسائل الإعلام معلنة عن قدوم حدث حضارى جلل، كم كانت محقة، فيا له من حدث يحكى عن حضارة شعب بأكمله، ويستنطق العالم إعجابا،فها هو المصرى القديم مازال بيننا حاضرا بقوة بكل ما يمثله من تقدم فى جميع المجالات تشهد بها أعماله التى خلدها بإزميله فى رسوماته ونقوشه وماتركه من أدوات متعددة الاستخدامات، وماخلد بها ملوكه وملكاته بواسطة فن التحنيط المعجز الذى لم يستطع العلم الحديث برغم طفراته الهائلة اكتشاف أسراره وفك شفراته،حتى يومنا هذا برغم ما بذله العلماء من جهد جهيد من محاولات استكشافية لفك طلاسمه،مم يدلنا على التقدم العلمى المذهل الذى عم حياة جدودنا الفراعنة العظماء. لقد افتتح السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى بمنتهى الشموخ هذا الحدث التاريخى الكبيرالذى توقفت عقارب الساعة فى جميع أنحاء العالم لتشهده وسط إعجاب لايخفى، وانبهار لاينكر.
وقد جال الرئيس داخل بهو المتحف يحيطه وزير السياحة الدءوب بشروح وافية لمحتوى المتحف وما يشتمل عليه من أقسام تتناول تاريخ آثار الجدود الشوامخ، فهو بحق وعلى حد وصفه «كبسولة»، أجد أن أبناءنا فى أمس الحاجة إلى تعاطيها حتى يتكون لديهم الوعى الأثرى والحضارى المنشودين اللذين يعززان لديهم الانتماء الحقيقى لهذا الوطن العظيم بتاريخه القديم والحديث فى آن معا، لتأصيل الهوية المصرية التى رسخها مجد الأجداد،ولينبنى الوعى المفتقد لقيمة الإنسان المصرى وقدراته الفائقة التى أسهمت فى بناء أمجاد لايمحوها الزمن مهما مر، ولا السنون مهما تعددت. لقد عشنا جميعنا حالة فريدة من نوعها حبانا الله بها، وأنعم علينا بكل تلك الهبات الثمينة منذ فجر التاريخ، وكتب لها الخلود لنتوارثها وتنعكس علينا شموخا وعزة ورفعة وفخرا.
وقد أضاف أوركسترا وكورال الاتحاد الفيلهارمونى الساحربقيادة ولمسات المايسترو المصرى العالمى المبدع نادر عباسى والعازفين النوابغ والمائزة سلمى سرور على الكمان والرائعة رضوى البحيرى على الإيقاع، رونقا خاصا لوقائع الاحتفالية،بتجسيده لمختارات الموسيقار هشام نزيه التى حاكت المناخ الأثرى وعبق التاريخ،وتألقت الأصوات الرنانة الحنون مع الكورال، لنجمات الغناء المتألقة أداء وحضورا ريهام عبدالحكيم، والموهوبة الجميلة نسمة محجوب والسبرانو الرائعة أميرة سليم،فى أداء غنائى صعب يحتاج إلى حنكة وتمكن وإحساس عال استمتعنا به حتى وإن غمضت علينا بعض الكلمات المصرية القديمة.
وكان الحضور الطاغى للفنانة الكبيرة يسرا والفنان النجم خالد النبوى وباقة من ألمع النجوم ،شاركوا فى الاحتفاء من خلال ظهورهم على شاشة العرض المسرحى لنستكمل معهم عناصر البهجة والسرور تقدمهم أحمد السقا وأحمد حلمى ومنى زكى ونيللى كريم وأمينة خليل وهند صبري، وكذلك الظهور الخاص للفنان محمد منير مع كلمات المبدع أمير طعيمة فى أغنية جميلة واكبت الحدث فى وطنية وانسجام. وكانت إطلالة المذيعات مائزة للغاية كن فى أبهى حلة وأناقة تليق بالمناسبة صاحبها مهارة فى التقديم والتعليق الذى ينم عن ثقافة حقيقية،ناهيك عن الموكب الفخم الذى جال شوارع قاهرة المعز حتى وصل إلى مستقره. وكان فى استقبال المومياوات فخامة الرئيس السيسى مع انطلاق المدافع ترحيبا يليق بمكانة ملوك وملكات مصرنا المحروسة.
إنها ليلة من ألف ليلة وليلة اجتمعت فيها كل عناصر النجاح المبهر التى كد واجتهد فيها كل عناصر العمل بإتقان وحرفية شديدة،قادها المخرج المتمكن عمرو عزيز.
موكب المومياوات الملكية أظهر عظيمات مصر من بناتها فقد غلبت مشاركتهن عزفا وغناء وتمثيلا وتقديما، فالمرأة المصرية ملكة متوجة على مر التاريخ على عرش الكون وخزائن الأرض قادت أقوى الجيوش وأسهمت فى بناء حضارة كتب لها الخلود ،وكانت دوما قادرة على التحدى.
وقد أثبت أيضا أن مصر بلد الأمن والأمان استطاعت تأمين حدث بهذه الضخامة وسط القاهرة المزدحمة بـ٢٠ مليون نسمة ،ومرت وقائع الاحتفالية بسلام ،وهذا تحد أمنى جديد خضناه بعدما رسم الرئيس السيسى الخطوط الحمراء المنيعة لكل المتربصين بمصر . فهو بحق اختبار جديد وتحد وضعتنا فيه الأقدار أمام العالم لنثبت مرة تلو المرة أننا مصر العزة والكرامة والتاريخ والصمود والتحدى صانعة المعجزات،ويقينى أنها لن تكون آخر تلك الليالى ومازلنا نترقب القادم مع قيادة سياسية لديها الكثير فى الجعبة من المفاجآت السارة لشعبها المتعطش دوما لجرعات متجددة من الأمل فى الغد الأفضل ،ولم يخيب الله لنا أملا بل أعطانا من فضله ونعمه بسخاء ونحن له لشاكرون وعلى عطائه لحامدون.. مصداقًا لقوله.. «وإن شكرتم لأزيدنكم».