محمود عبد الكريم
لماذا لم تحدث النهضة؟
ظلت المنطقة العربية وفى القلب منها مصر لحقبة طويلة محكومة بما تركه الحكم العثمانى لها وهو الاستعمار الذى عاد ببلاد العرب إلى ما قبل الحداثة والتطور الذى كان الغرب قد قطع فيه خطوات بعيدة، وقد عزل الحكم الاستعمارى العثمانى المنطقة عزلة تامه وفصلها عن الغرب ووقف حائلا ضد كل حركات التطور الفكرى أو الصناعى وبالتالى التطور الثقافى.
لقد تجلى الجمود الثقافى فى استمرار النموذج الإسلامى الثقافى فى صورته الراكدة وتعظيم فكرة الخلافة الإسلامية التى انتقلت بقدرة السلاح من الجزيرة العربية والمنطقة إلى بلاد الأناضول أو تركيا الحالية وهذه وحدها إحدى مفارقات التاريخ.
وكانت مؤسسات الفكر الدينى رغم قلتها تحتفظ بنفس التركة العتيقة حيث السيادة للمشايخ وأئمة المساجد والزوايا، وظل الريف المصرى تحديدا غارقا فى الغيبيات والخزعبلات ومعزولا عن أية حركة نهضوية أو تطور يشهده العالم الذى لم يعد يكفيه تقسيم العالم لتحديد البعد الاحتكارى للرأسمالية الحديثة كما كان فى الماضى حيث كان المستعمر القديم بعد غزوه البلاد المعنية باحتلاله لها يقطع كل وسائل التطور والتقدم لهذه البلدان المحتلة، وذلك بتجميد كل الطاقات والإمكانيات الذاتية.
لكن وفى الحقيقة أن الحملة الفرنسية التى كانت فى ظاهرها وجوهرا احتلالا استعماريا قبيحا إلا أنها أحدث ثورة بل وزلزال فى المنطقة ومصر تحديدا.
لم تدم الحملة الفرنسية على مصر سوى ثلاث سنوات أنهت خلالها العزلة المصرية عن الغرب التى فرضها الاستعمار العثمانى ومنع عنها نقل التطور الحاصل فى الغرب ثم جاءت دولة محمد على بعد أن قضت على دولة المماليك وساد النمط الاقطاعى لصالح أفراد هذه الأسرة التى استمرت تحكم بالعقلية الإقطاعية حوالى قرن ونصف القرن فى ظل جمود اجتماعى واستبداد سياسى وضعف ثقافى تغذيه مؤسسات ديننية كلاسيكية!
يقول المفكر الراحل سلامة موسى إن ما حدث هو تضاعف الاستبداد على اثر الاحتلال البريطانى لمصر وبالحكومة الحديوية التى بدورها كانت تستبد بالمصريين أدى ذلك الى بروز حدثين مهمين هما ظهور الحزب الوطنى ثم ثورة عرابى ورفاقه لمواجهة هذا الاستبداد السياسى والاحتلال العسكرى وكانت هذه الحركة تعبيرا عن طموح الجيش المصرى فى القضاء على المستبدين!
عرابى إذا نادى بالمساواة بين الطبقات وضرورة احترام الفلاح باعتباره العنصر الأساسى فى القومية المصرية وبالتالى أحد عناصر النهضة المصرية الأساسية.
لم يكن الاستبداد السياسى كما يقول سلامة موسى أكثر من صورة تعكس صور العلاقات الإنتاجية سواء قبل الاستعمار مباشرة حيث مارس أبناء محمد على أبشع أشكال الضغط والتسلط على المواطن المصرى والذى زاد بطبيعة الحال مع الحقبة الاستعمارية مما نتج عنه تأخر نهضة البلاد وجمود الحركة الثقافية وترك الريف المصرى غارقا فى الجهل والتخلف
بعد محمد على تخلص الاستعمار الإنجليزى من كل ما بناه محمد على من مصانع أسلحة والسكر والنسيج وحول البريطانيون الاقتصاد المصرى إلى اقتصاد زراعى أو مزرعة تمد بريطانيا بما تحتاج من منتجات زراعية ومن هنا تأخرت النهضة المصرية إلى أن جاءت ثورة يوليو 1952.