الحرية.. الفكر.. الأخلاق

رواية «قلب الليل» لأديب مصر العالمى الأستاذ نجيب محفوظ والصادرة عام 1975 لا يمل القارئ من مطالعتها ولا أعتقد أنه يكتفى بقراءتها مرة واحدة وهو ما يحدث مع الفيلم السينمائى الذى يحمل نفس الاسم والمعروض لأول مرة عام 1989 بطولة النجم الراحل نور الشريف والذى يجسد شخصية «جعفر الراوى» ذلك الطفل المتمرد على كل القيود والقواعد والباحث عن الحرية دومًا وهو ما يجعله يتمرد على سلطة جده ومحاولاته لجعله يتخرج من الأزهر الشريف أو يتزوج فتاة من اختياره فيترك ذلك كله ويلتحق بفرقة صديق طفولته «محمد شكرون» ويتزوج من الغجرية «مروانة» التى ينجب منها طفلًا ولكن يبدو أن الغجر لم يرق لهم عمله الجديد وقاموا بالتفريق بينه وبين زوجته فيما ينتقل إلى مرحلة جديدة من خلال الزواج بسيدة ارستقراطية «هدى» وهنا يدخل مجتمع المثقفين وتدفعه زوجته إلى دراسة الحقوق وتدعمه لفتح مكتب محاماه إلا أنه يشعر بالخواء الداخلى وتتوق نفسه إلى الحرية فيترك زوجته ويعتكف لوضع كتاب يزعم بأنه يحتوى على حلول لكل المشكلات فى كل زمان ومكان وهنا يرتكب جريمة قتل ضد أحد المستهزئين بما كتب والذى وصف كتابه بأنه محاولة فاشلة لتوفيق ما لا يتفق وفى قول آخر «سمك لبن تمر هندى».

يخرج الراوى بعد انقضاء المدة فيجد زوجته قد توفت وقام ابنه بالهجرة إلى اسطنبول فيسير هائمًا على وجهه فى الطرقات فى مشهد النهاية تاليًا أجزاء من الكتاب.

القصة فلسفية فى المقام الأول ولك عزيزى القارئ أن تؤولها كيفما شئت ولكنها تدق ناقوس الخطر لكل باحث عن الحرية والحكمة، كان هذا التصور فى عصر ما قبل عصر المعلومات والذى نراه يعج بمصادر المعلومات الموثقة والكاذبة بالإضافة إلى مشاعر وآراء وتصرفات مستخدميه وخاصة مستخدمى منصات التواصل الاجتماعى.

بالطبع لن يسلك الجميع نفس مسلك جعفر الراوى ولكن محاولات تحليل كل ما نمر به ربما يكون مستحيلًا والأكثر استحالة هو الوصول إلى الحكمة المرجوة فالأمر أصبح أكبر من قدرة البشر على الدراسة والتحليل وهنا تأتى أهمية علوم تحليل البيانات الكبيرة Big Data Analysis لتساعد الإنسان فى معركته مع هذا الكم المهول من البيانات والمعلومات وهى علوم آراها لازمة وضرورية للجميع سواء على مستوى الفرد العادى وعلى مستوى المؤسسات والحكومات أيضا وتكون الغلبة لمن يستطيع القيام بتحليلات سليمة تساعده فى رسم مستقبل أفضل.