محمود عبد الكريم
هل تتغير عندما تبلغ الخمسين أو الستين؟
نعم... هذه الإجابة سوف تسمعها من أى شخص تخطى الستين أو السبعين من عمره، نعم أنا أتغير هذا ما يمكن أن يؤكد عليه أى شخص كما قال لى صديقى الذى شارف على السبعين من عمره «أنا أتغير»
نعم فبعد أن كنت أحب والدى وزوجتى وأبنائى وأشقائى وأصدقائى فقط بدأت أحب نفسى أيضًا معهم
نعم أنا أتغير
فقد أدركت للتو أننى لست مثل أطلس فى أساطير اليونان والعالم لا يقف على ظهرى!
نعم أنا أتغير
لقد توقفت منذ فترة عن مساومة بائع الفاكهة والخضار فى أسعاره وتأكدت أن بعض القروش التى أساومه عليها لن تغنينى ولن أصحبها معى إلى قبرى ولكنها قد تفيد هذا البائع المسكين الفقير فى مصروفات أولاده أوشراء مستلزماتهم المدرسية
نعم أنا أتغير
صرت أدفع لسائق التاكسى دون انتظار الباقى فقد ترسم المبالغ الضئيلة البسمة على شفاهه، على أى حال هو يكد من أجل لقمة شريفة بينما أخذت أنا من الدنيا الكثير ولم أعد طامعًا فى المزيد نعم أنا أتغير
صرت أجيد فن المجاملات بسخاء وحرية دون نفاق، إذ تعلمت أن ذلك يحسن المزاج ليس لى فقط بل للآخرين أيضًا
نعم أنا أتغير
فلم يعد يزعجنى أن قميصى به بعض التجاعيد والكرمشة فقوة الشخصية والثقة أهم من المظاهر
نعم أنا أتغير
صرت أبعد بهدوء عن أولئك الذين لا يقدرونى أو يهتمون بما أقول أو يعرفون قيمتى لكننى أعرف جيدًا من أنا!
أصبحت لا أهتم لمن لا يخذلنى فأنا أعلم أن الله يصرفهم عنى لأنهم لا يستحقون أن يكونوا فى دائرة أهل الفضل بل وأنهم طردوا من باب الإحسان وتولوا معرضين
نعم أنا أتغير
لقد صرت أكثر برودة عندما يستفزنى أحدهم بعدوانية كى يدخلنى فى جدل عقيم على أى حال، لن يبقى من كل الجدالات شيء وأنا لم أعد أحتمل
نعم لقد تغيرت
إننى أعمل كل شيء يشعرنى بالسعادة، وتعلمت أن الحياة تمر فى كل صباح بلا عودة وقد أنام ولا أصحو ثانية وأولادى جزء من حياتى وليسوا كل حياتى، وأن أستمتع بعلاقتى مع الله، وأكثر من طاعاتى فبعد موتى كم من شخص سيذكرنى وإلى متى خاصة أن كل من عليها فان وإن طال العمر وامتد وفى النهاية تيقنت أن من يملك مصيرى مسئول عن سعادتى دنيا وآخرة هذه الكلمات من أجمل ما سمعت وقرأت فى الزهد من الحياة واسيتعاب دروسها حتى لوكان ذلك قد تأخر قليلًا من صديق أصبحت الدنيا وراء ظهره.
