الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لماذا تنشب الحروب؟

لماذا تنشب الحروب؟

تبدأ الحروب عندما تفشل الدبلوماسية فى حلّ المشاكل بين الدول؛ مقولة رائعة تلخص تاريخ الحروب فى العالم قديما وحديثا، فالدبلوماسية  انتصار للحكمة، خلافا للحرب التى تعبّر عن تغليب الأنانية الكامنة فى دواخل الإنسان، من خلال سعيه لفرض «منطق القوة» الذى يدوس على قيم الحق، المتمثلة فى احترام كرامة الإنسان التى لا يختلف اثنان فى كونها حجر الأساس فى المنظومة الخلقية والقوانين الدولية.، فالحدود السياسية للدول خضعت فى الماضى لحسابات ضيّقة تخدم أقوياء الساعة وليس مصالح الشعوب. ولا شك أن هذا المنطق الأنانى هو الذى تسبّب فى قيام حروب عالمية وإقليمية دمّرت البشرية فى جميع القارات.



ومن الأمثلة البارزة التى لم يستخلص منها كبارُ العالم الدرسَ، إذلال ألمانيا من طرف خصومها بعد هزيمتها فى الحرب العالمية الأولى، فلم يأخذ المنتصرون فى مؤتمر فرساى 1919 كرامة وأمن ألمانيا بعين الاعتبار، عندما فرضوا عليها شروطا قاسية تمثلت فى اقتطاع أجزاء من أراضيها، وفى تقزيم جيشها، وفى إلزامها بدفع غرامات وتعويضات يستفيد منها المنتصرون.

ومن رحم قرارات مؤتمر فرساى المهينة للدولة الألمانية، وُلد التطرّف السياسى النازي، الذى رفع شعار إعادة الكرامة للشعب الألمانى الساكت على مضض.

 وكان المنتصرون فى الحرب العالمية الأولى يعتقدون أن فرض شروط قاسية على ألمانيا المهزومة سيضمن السلام للبشرية. لكنهم فى الواقع كانوا سببا فى ظهور «أدولف هتلر» المتطرّف وفى قيام الحرب العالمية الثانية التى أهلكت الحرث والنسل.

إن الغاية من إعادة هذا التاريخ إلى الأذهان، هى الإشارة إلى أن العالم الغربى الرأسمالى قد بالغ فى إذلال روسيا، فى تسعينيات القرن الماضى عقب سقوط نظام الاتحاد السوفيتي، وهذا ما يؤكد جشع الغرب الرأسمالى وأنانيته فى تعامله مع الأحداث. وعليه فإن فلاديمير بوتين قد خرج من رحم هذه المعاملة القاسية لوطنه – على غرار ظهور النازية- من أجل الانتقام لكرامة الشعب الروسى.

وفى هذا السياق تجدر الإشارة أيضا إلى موقف أمريكا المتشدّد إزاء نصب الاتحاد السوفيتي لصواريخه فى دولة كوبا، فى فترة الستينيات من القرن الماضى. وكادت الحربُ العالمية الثالثة أن تندلع، ولم تنفرج الأزمة الخانقة إلاّ بعد سحب هذه الصواريخ، مقابل تعهُّد أمريكا باحترام استقلال كوبا.

وجغرافيا من الطبيعى أن تدرج روسيا أوكرانيا ضمن حزامها الأمنى الذى لا يقبل المساومة، ومن ثمّ فهى ترفض إقامة قواعد الحلف الأطلسى على حدودها. لكن استلاء الغرب وغطرسته جعلا أوروبا الغربية لا تأخذ فى الحسبان هذا المطلب، لذلك فهى تتحمّل وزر اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا التى ستنعكس تبعاتها على العالم قاطبة، بعد أن أصبح العالم قرية تربطها علاقات اقتصادية معقّدة.

والحقيقة أن الغرب لا يقيم وزنا للقانون الدولى، فهو يحسن الكيل بمكيالين، بدليل خرقه لسيادة العراق وليبيا واليمن، ولم يكتف بالسكوت أمام جرائم الصهاينة فى فلسطين المحتلة، بل اعتبر المقاومة فى فلسطين ولبنان مظهرا من مظاهر الإرهاب. وفى المثل الشعبى  أن الله يرسل «لكل فرعون موسى» يردعه، وموسى فراعنة الغرب هو فلاديمير بوتين!.