الجمعة 29 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
العقل الإرهابى.. وأغصان السماحة

العقل الإرهابى.. وأغصان السماحة

«بالسلاح تستطيع قتل الإرهابيين؛ إنما بالتعليم تقتل الإرهاب»



تلك هى مقولة أطلقتها السيدة ملالا يوسفزى، وهى ناشطة باكستانية مدافعة عن قضايا حقوق الإنسان وأهمية التعليم فى العموم ــ وتعليم الإناث بشكلٍ خاص ــ وهى حائزة على جائزة نوبل فى العام 2013؛ ولا يوجد أدنى شك فى الاقتناع بتلك المقولة من كل ذى فكرٍ مستنير يواكب العصر ومتغيراته المتسارعة؛ ونحن نأمل بكل الجدية والإصرار أن نتناول موضوع مكافحة الإرهاب على نحو متعمّق ووافٍ ــ وبخاصة بعد تكرار حوادث القتل على الهويَّة والعقيدة ــ لنتمكن من العيش فى أرجاء أوطاننا بكل الأمن والأمان؛ وللأسف لم تأخذ تلك الحوادث اهتمامًا للتصدى لها بالقدر الكافى والواجب؛ باعتبارها حوادث فردية على الصعيد المجتمعى؛ وإيعازها إلى بعض خلافات ومشاحنات “الجيرة” العادية؛ أو المشاجرات الناجمة عن مشاكل الأطفال الصغار ـ كعادة التجمعات السكنية المتلاصقة ــ ولكنها انتشرت وتفشت حتى أصبحت فى حكم “الظاهرة” التى تستحق الدراسة لوضع الحلول الجذرية لها؛ من أجل حماية المجتمع ومكتسباته على كل المستويات.

ولكننا نصطدم بالحقيقة المؤسفة لتلك الظاهرة؛ ونجد أن خلاصة ما أسفرت عنه تلك الدراسات الجادة والمخلصة من المتخصصين؛ بالإضافة إلى تقارير الجهات الأمنية؛ هو ظهور ما يسمى بـ”العقل الإرهابى” داخل نسيج المجتمع؛ وهو نتاج عدم “تجديد الخطاب الدينى” ـ فى المساجد والكنائس ـ والقيام بالتوعية الكافية لشرح مضامين وأهداف “كتب” أصحاب العقائد السماوية؛ ولعل غياب “استراتيجية” قوية ومُمنهجة لطرق التعليم فى مصر والعالم العربى؛ تُعد السبب الرئيس فى نمو هذه العقلية الإرهابية المتطرفة بين جنبات مجتمعاتنا.

ولا ننكر أن الطابع الإرهابى متجذر فى العقلية العربية منذ أحداث الفتنة الكبرى؛ حين تفرقوا شيعًا يقاتلون بعضهم بعضًا باسم الدين؛ وقد قام فقهاء السلاطين فى كل عصر بغرس بذور الفتنة والإرهاب بين الفرق الإسلامية كالشيعة والسُّنة وكل المغايرين لتوجهاتهم المذهبية؛ بل إن تلك الجذور لم تجد الهواء النقى الذى يُثمر أغصان السماحة والرضا؛ إلى أن أصيبت تلك الجذور بالعفن والعطن؛ ومازال هناك على سطح الأحداث من يقومون بـ”رى” تلك الجذور العَطِنَة بالدماء.. فلا تُثمر سوى أغصان شجر الحنظل والحَسَكْ فى كل دروب محاولة الإصلاح والوصول إلى اجتثاث جذور الإرهاب من تربة الوطن؛ حتى وصل الأمر إلى الاعتداء ـ من الطوائف المسلمة ـ على أضرحة الأولياء الذين تحتفى بهم جماعات الصوفية والمتصوفة!! 

مابالنا بمن هُم أصحاب العقيدة من المسيحيين الذميين أصحاب الكتاب؟

< إذن .. فالإرهاب لا وطن ولا دين له!

ـ ولم يرع أولئك الملوثة عقولهم بالأفكارالإرهابية العقيمة؛ حُرمة الأشهر المباركة؛ لتمتد أياديهم النجسة لتتلطخ بدماء الأبرياء الذين يؤمنون بالله الواحد القهار ويستظلون معهم بسماء وطن واحد؛ ولكن الغباء المُمنهج له من يسيرون خلفه بلا عقلٍ!  

إن طيورالظلام من الجماعات الإرهابية ــ يستوى فى هذا جماعات ما يسمَّون بـ”الإخوان المتأسلمين” أو “جماعات السلفية المتطرفة” ــ  يحاولون أن تظلل أجنحتهم السوداء سماء أوطاننا القابعة فى سلام ويتمتعون بأخوة قوية فيما بينهم؛ لا تحمل البغضاء والحقد لأى جنس من البشر؛ فالكل سواسية أمام الله وهو وحده  ــ سبحانه ــ الذى يملك الحساب والمحاسبة يوم يبعثون.

< ولكن .. كيف نبتت وترعرعت جذورالإرهاب العطِنة فى مصر؟ 

ـ نعلم جميعًا أنه قد انتشرت بعض أعمال الفوضى بعد انتفاضة الثورة فى يناير 2011 وواكبها ـ بفعل فاعل ـ انهيار منظومة الدولة الأمنية وعلى رأسها جهاز الشرطة؛ ولكن سرعان ماسيطر الجيش المصرى على الساحة؛ وقام بإزاحة القوى التى استولت على زمام الأمور فى غفلة من الزمن؛ وهو الأمر الذى فتح الطريق أمام قيام شراذم الجماعة الإرهابية بترهيب المواطنين الآمنين بالمتفجرات والاغتيالات العشوائية فى كل أنحاء الجمهورية؛ وبخاصة فى ربوع سيناء التى كانت قمة أحلامهم وأهدافهم للمقايضة مع الكيان الإسرائيلى وجعلها وطنًا للاجئين من الشعب الفلسطينى الذى يسبح فى الشتات منذ قيام الدولة العبرانية على أشلاء الوطن الفلسطينى.

ولعلنا نلجأ إلى صفحات التاريخ التى تقول سطورها للتوثيق للأجيال: كانت عظمة وتجليات شهر يوليو فى العام 2013؛ حين خرج الفريق أول ووزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسى فى خطاب له أمام القوات المسلحة المصرية وطالب جموع الشعب بإعطائه تفويضًا فى محاربة الإرهاب واجتثاثه من جذوره، وهو ما تحقق فى اليوم التالى بخروج جموع غفيرة للشوارع فيما سمى وقتها “مليونية تفويض الجيش” لإعطاء “السيسى” الضوء الأخضر فى شن حرب مضادة على الإرهاب.

ومع كل التحية والإكبار والإعزاز للمجهودات الجبارة التى يقوم بها الرئيس لكبح جماح الجماعات الإرهابية؛ وهى الجماعات التى تقوم بتفيذ أجندات خارجية لاتريد الخير لشعبنا والقضاء على مسيرتنا التنموية الوطنية الناجحة نحو التعمير؛ من أجل تعويض سنوات التجريف فى الحقبة الماضية؛ فإننا ننتظر ثورة حقيقية فى حقل التعليم بكل مراحله فى مصر؛ والاهتمام بالثقافة للقضاء الفعلى على جذور الإرهاب الفكرى الذى يعشِّش فى عقول الإرهابيين .. ولنعُد بجديَّة وفاعلية إلى تطبيق مقولة الناشطة الباكستانية:  “بالسلاح تستطيع قتل الإرهابيين؛ إنما بالتعليم تقتل الإرهاب”.

لقد آن آوان زرع ثمار السماحة والتظلل بأغصانها دون غيرها فلنغتل العقل الإرهابى من جذوره حتى يلتقط النفس الأخير ويرحل إلى غير رجعة لننعم بالسلم والأمان ونعيش إنسانيتنا، ولا شيء على الله بعصى مع جهود المخلصين.. واسلمى يا مصر فى كل حين!

 

رئيس قسم الإنتاج الإبداعى الأسبق بأكاديمية الفنون وعضو اتحاد كتاب مصر