الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
إيناس عبدالدايم.. وسينما الشعب.. وتجفيف منابع الإرهاب!

إيناس عبدالدايم.. وسينما الشعب.. وتجفيف منابع الإرهاب!

نستطيع اليوم فى مصرنا المحروسة ـ بكل الثقة والعرفان لأصحاب الفضل ـ أن نقول مرحبًا بالكورال سداسى الإبداع، هذا الكورال الذى يحتوى فى طياته وبين جوانحه على تلك الفنون الستة: العمارة، الموسيقا، الرسم، النحت،الشعر، الرقص، ليمنحنا إكسير تلك الخلطة السحرية، المتمثلة فى مكونات ما يُعرف بـ«الفن السينمائى»، وهو الفن الراقى الجميل وغايته النبيلة، لأن السينما جاءت لتجمع تلك الفنون، وتخلق منهم صورة «سابعة» مغايرة لصورة كل عنصر من العناصر الستة منفردًا، ولذلك فإنها استحقت وصف «الفن السابع» الذى أطلقه عليها ثلة من محترفى  وروَّاد صناعته فى العصر الحديث.



ومع أصوات إطلاق مدافع البهجة والفرح بقدوم شهر رمضان المعظم للعام 2022، أعلنت الفنانة الدكتورة إيناس عبد الدايم، وزيرة الثقافة، إطلاق مدفع من نوعٍ جديد وجاد داخل الساحة الثقافية المصرية، والذى أطلقت عليه اسم «سينما الشعب»، وهو المشروع الذى يهدف إلى تنشيط وتشجيع إنتاج الأعمال السينمائية المعاصرة، وتقديمها بأسعارٍ رمزية فى متناول كل فئات المجتمع والمواطن المصرى البسيط .. كـ«وجبة ثقافية» تنويرية يحتاجها الواقع المصرى فى هذه الظروف والأوضاع التى تمر بها مصر، والسير قدُمًا نحو العمل على «تجفيف منابع الإرهاب» التى تفجَّرت على ضفتى نهر النيل، فى محاولات يائسة لتعكير مجرى النهر العظيم، واستقطاب جموع البشر على ضفتيه للخروج والتمرد على التقاليد والأعراف والقوانين التى تربى عليها الشعب مذ صنع إرهاصة الحضارات الأولى على أرضنا الطاهرة.

ولنا أن نلقى نظرة سريعة عن المسارات المحددة لبدء هذه العروض السينمائية، فهى ستبدأ بخمس دور عرض فى أربع محافظات هى  سينما قصر ثقافة قنا، سينما «السادات» و«شبين الكوم» بمحافظة المنوفية، قصر ثقافة الأنفوشى بالإسكندرية، مكتبة البحر الأعظم بالجيزة كمرحلة أولى، ثم يتوالى تعميم هذه التجربة الفريدة بمختلف أنحاء الجمهورية، اعتمادًا على ما تنتجه وزارة الثقافة  فى قلعة الفن المصرى المتمثلة فى: «أكاديمية الفنون» و«المركز القومى للسينما»، وهى انطلاقة رائعة تُسهم فى إلقاء الضوء على الأعمال التى تقوم بإنتاجها الوزارة المنوطة بتشكيل العقل الجمعى المصرى والتعريف بأهداف الدولة التى تعمل لصالح الوطن.. والمواطن.

ويجىء مضمون كلمات السيدة وزيرة الثقافة ــ لأنها فنانة فى المقام الأول ــ خير تعبير عن إيمانها المطلق بجدوى هذا المشروع الخلاَّق، حيث أشارت إلى أن المشروع يُبرز إيمان الدولة بدور الفنون والثقافة، والاعتراف بمدى تأثير القوى الناعمة المصرية فى تشكيل الوعى العام، والذى يأتى فى مقدمة اهتمامات  وأهداف الوزارة، من أجل دعم صناعة السينما وتعظيم دورها التنويرى لتعضيد هذا المشروع، والعمل  الدءوب على نشر التنوير والثقافة السينمائية لمجابهة الفكر المتطرف من خلال مواد إبداعية جادة وهادفة.

إن إطلاق مشروع «سينما الشعب» يُعد بمثابة عودة  لتعزيز الدور الذى تقوم به قصور الثقافة فى نشر الوعى وصناعة الإبداع منذ ستينيات القرن الماضى، من أجل إعلاء القيمة الجمالية وزيادة الثقافة المعرفية التى تضطلع بحملها ــ كرسالة تنويرية ــ كتائب القوى الناعمة المصرية. 

إننى من خلال هذا الطرح الراقى لمشروع «سينما الشعب» فى كل محافظات الجمهورية بطول وعرض القطر المصرى من الإسكندرية حتى أسوان، أتطلع بكل الثقة إلى عودة «الأسرة المصرية» إلى الخروج الجماعى لقضاء السهرات الفنية والترفيهية بين جدران وقاعات قصور الثقافة، نظرًا لتقلص حجم « دور السينما» فى المدن والقرى،  وقيام أصحاب دور السينما  الخاصة بالمغالاة فى تحديد قيمة ثمن التذكرة للحصول على أكبر قدر من الأرباح، الأمر الذى يُعد عبئًا إضافيًا على الدخل المادى للأسرة، وعليه.. نهيب بالسادة القائمين على تحديد الأسعار لمشروع «سينما الشعب» مراعاة تخفيض فئة التذاكر إلى عشرين جنيهًا بدلاً من أربعين، وحتى يمكن للٍأسرة بعدد  خمسة أفراد ـ مثلًا ـ من الحصول على متعة الرحلة ومشاهدة العروض السينمائية بأقل التكاليف، فالثقافة المعرفية كالماء والهواء اللازمين لاستمرارية الحياة بكل الثراء المعرفى والذهنى، والعمل على أن نقى الشباب الصاعد من الانزلاق فى هُوَّة التطرف واعتناق الفكر المتخلف عن مكتسبات العصر من الثقافة والتقدم والازدهار فى مجالات الحياة كافة.

ويذكر بعض المؤرخين الذين عاصروا بداية البث التليفزيونى فى مطلع ستينيات القرن الماضي، أن وزارة الإرشاد القومى  وقتها ـ كانت تضع أجهزة التليفزيون ـ بديلًا عن دور السينما ــ فى الحدائق العامة والميادين، لتخرج «الأسرة» بقضها وقضيضها، كبارها وصغارها من رجالٍ ونساء، ومعهم «وجبة العشاء» لمشاهدة معجزة العصر حتى انتهاء البرامج قبل منتصف الليل !  هكذا كانت الأسرة التى خرج من عباءتها أدباء وشعراء وكُتَّاب وصحافيو حقبة السبعينيات والثمانينيات.. وامتدادًا إلى وقتٍ قريب، قبل أن تغزو الأفكار المتطرفة برياحها السوداء على المجتمع!

وأخيرًا.. لعل البعض يسأل مستفسرًا: ولماذا «السينما»؟

لأن قوة السينما  الجادة..  تتلخص فى قدرتها الفائقة على التحكم فى انتباه المشاهد والتأثير الإيجابى على تفكيره واستيعابه لتوجهات الدولة اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا، وتعمل على تشكيل وخلق الإحساس الجمعى  لإيجاد المواطن الصالح داخل الأسرة والمجتمع ككل. 

إننا نرفع القبعة للوزيرة الفنانة الدكتورة إيناس عبدالدايم.. التى تعمل على وضع استراتيجية ثقافية وفنية، للنهوض بالمجتمع المصرى بريادة القيادة الوطنية المخلصة، تلك القيادة التى تعرف مقدرات الوطن وقيمته على خريطة العالم.

رئيس قسم الإنتاج الإبداعى الأسبق بأكاديمية الفنون وعضو اتحاد كتاب مصر