الأربعاء 22 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
المنفعة الحـدِّيَّـة.. وثقافة مُغايرة للشراء!

المنفعة الحـدِّيَّـة.. وثقافة مُغايرة للشراء!

بمناسبة رفع مجلس الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى “البنك المركزى” سعر الفائدة الرئيسى بمقدار نصف 0.5% فى أكبر زيادة خلال 22 عاما، فكان محتما أن يقوم البنك المركزى المصرى بالإجراء نفسه، وبحسب معلوماتى  كمستهلك ــ أن الاقتصاد يشبه نظرية الأوانى المستطرقة،  والمعلوم أيضًا أن “البنك المركزى” يرفع  الفائدة عندما ترتفع نسبة التضخم فى الاقتصاد، أى زيادة أسعار السلع والخدمات!



وقبل أن ندخل فى تفاصيل الأسباب والنتائج من باب شر البلية ما يضحك ـ أن نشاطر الضحك هذا التاجر الذى فاض به الكيل من معاملات السوق وأسعار السوق.. وأفكار السوء!

وهنا نسوق الحكاية، يُحكى أن : حضر مندوب مصلحة الضرائب إلى ما يسمونه ــ فى مصر ــ الآن بالإنجليزية (سوبر ماركت) وترجمتها “سوق ممتاز”، ولا نعرف ما هى الحكمة فى هذه التسمية العجيبة، والتى لا تعنينا فى شىء عن حديثنا هذا... المُهم.. مندوب مصلحة الضرائب بعد معاينة المكان وبضاعته وطولُه وعرضُه، تمخضت المعاينة عن مبلغ تقديرى “عشرة آلاف جنيه”، والعجيب أن صاحب المكان لم يقُم بالاعتراض أو المناقشة، وأحضر المبلغ بكل سهولة ويُسر للمندوب السامى الضرائبى، مما أثار دهشته لسرعة التلبية وعدم المناقشة والاعتراض. مما أثار غريزة الطمع لدى المندوب الذى تظاهر بأنه أخطأ فى التقدير، وطلب التعديل إلى خمسة عشر الفًا من الجنيهات، ولم يعترض الممول صاحب المكان، وسرعان ما أحضر الفرق بكل سهولة ويُسر إلى المندوب، وللمرة الثالثة يتظاهر المندوب بالاستدراك وأن المبلغ المطلوب يتجاوز الخمسة وعشرين ألفًا بالتمام والكمال.. وعندئذٍ صرخ الممول فى المندوب قائلًا: ماكينة الطباعة موجودة بالداخل.. فلتدخل لتطبع ما شئت من الأوراق النقدية.. ولا تقم بإزعاجى بطلباتك!

 وأنا أسوق تلك الطُّرفة لترطيب الأجواء فى علاقاتنا الحياتية مع “البعض” من التجار، الذين يحاولون استغلال كل المشاكل الطارئة التى تعترض مسيرة الاقتصاد، مع عدم مراعاة التعامل بالضمير الإنسانى السَّوى مع المستهلكين من أفراد الشعب.

ولكونى غير مختصة فى هذا الصدد سأترك الحديث لرجال المال والاقتصاد ــ بتصرف ــ عن: ماذا يعنى رفع أسعار الفائدة؟ فيبادرون بالرد: إن رفع أسعار الفائدة، هو معيار يحدد أسعار الفائدة على القروض التى  تحصل عليها البنوك من جُعبة البنك المركزى، وبناء عليها تضع البنوك خططها فى آلية احتساب جديدة لأسعار الفائدة على القروض التى تقدمها للعملاء، وكلما ارتفع سعر الفائدة الذى يضعه البنك المركزى، تزيد نسبة الفائدة بشكلٍ تلقائى على القروض القائمة والجديدة بالعملات المقومة بعملة  المركزى أو المرتبطة بها.

ففى حالة الدولار الأمريكى، فإن كلفة الإقراض سترتفع على البنوك، وبالتالى على العملاء، وهذا مؤشر سلبى على الاستثمارات الباحثة عن تحفيز الأسواق من خلال وضع نسب فائدة منخفضة، وعليه.. سيدفع رفع كلفة الإقراض إلى تراجع وتيرة الإقدام على طلب التسهيلات الائتمانية فى الأسواق العالمية، خصوصا بعملة الدولار والعملات المرتبطة به أو الدائرة فى فلكه!

وإذا كان قرار رفع سعر الفائدة  له أثر سلبى على الاقتراض، فإن القرار يحمل جانبًا إيجابيًا بشكل نسبى على  أصحاب الودائع المصرفية لدى البنوك العاملة فى الأسواق، إذ إن قرار رفع  أسعار الفائدة يعنى أيضًا أن المودع سيحصل على عوائد أعلى عن إيداعاته.

ومن الطبيعى على إثر هذه التقلبات، ستشهد الأسواق ارتفاعًا متسارعًا فى ودائع  العملاء لدى القطاعات المصرفية، وذلك للاستفادة من نسب الفوائد الصاعدة، فى المقابل تتراجع وفرة السيولة داخل الأسواق، ويتم ـ تلقائيًا ـ تطبيق نظرية ما يسمًّى بـ”المنفعة الحدِّيَّة”، أى أن المستهلك الذى كان يقوم بشراء “كيلو طماطم” مثلًا.. سيكتفى بشراء نصف كيلو فقط.. والقياس على باقى متطلباته الحياتية!

ولعله من المناسب الآن فى ظل هذا التضخم الذى يتحكَّم فى حركة الاقتصاد، أن نقوم بالتطبيق الاختيارى  لا الجبْرى   لقانون “المنفعة الحدِّيَّة”، بمعنى أن نعمل على انتشار ثقافة مغايرة للشراء تتمثل فى “الشراء بالقطعة” للخضراوات والفاكهة واللحوم، وقبل هذا نقوم بإقناع البائع والمشترى بهذا المنطق؛ بدلاً من التعامل بـ “الشَّرْوَة “ ، وترديد مقولة: “خلى العيال ياكلُوا”! وتكون النتائج  الحتمية لهذه الشراهة الشرائية والمَعِدِيَّة، هو ذهاب معظم المشتريات إلى مقلب القمامة غذاءً للحيوانات  الضالة.

إنها عجلة الاقتصاد ذات التروس التى لا ترحم، وتدعس أو تدهس من يقف فى طريقها فى محاولات يائسة لإيقاف دورانها الأبد»،والذى يقف خلف ماكيناتها العملاقة هذا الغول الأمريكى الذى يسيطر على مقدرات العالم، فهو الذى يتحكم فى توجيهات وتوجُّهات المسألة “البترودولارية”، والتى حدت بالسيدة الفقيرة “بائعة الجرجير” التى تفترش الأرض فى السوق لتقول للمشترى: شوف يا ابنى الدولار بكام   النهاردة؟!

أى أنه ـ بالاختصار ـ ستصبح: فوائد قومٍ عند قومٍ .. خسائرُ!

فهلا شرعنا فى وضع الحلول سريعا لملاحقة هذا التغول الاقتصادى بفرض سلوكيات تعامل مختلفة لدى المواطنين المستهلكين بشراهة كل ما تمتد اليه أيديهم دون وعى حقيقى بوجود أزمة اقتصادية تجتاحنا مع العالم كله، والاستعداد لمواجهتها أصبح فرض عين للسيطرة على سلبياتها قدر المستطاع تجنبا لخسارات لا يمكن تعويضها يحصدها الغير وتعود عليه بالنفع ويتركنا نهبا للاحتياج والعوز بتخطيط ممنهج يصب فى صالحه ويضرب الجميع فى مقتل.. اليقظة واجبة يا قوم بالله عليكم!

 

رئيس قسم الإنتاج الإبداعى الأسبق بأكاديمية الفنون وعضو اتحاد كتاب مصر