عصر ما بعد الرؤية
لا يمكن بأى حال من الأحوال أن يتم إنكار سحر اللقاءات التليفزيونية فى إيصال المعلومة والتأثير فى المتلقى بدرجات تأثير لا يمكن أن تقارن بأى حال من الأحوال من حيث شدة التأثير وعدد المتلقين مقارنة بالكلمة المسموعة أو المقروءة فقط.
فعلى سبيل المثال دعونا نتخيل أن خواطر الشيخ محمد متولى الشعراوى لم تكن من خلال الحلقات التليفزيونية ولكن كانت على شكل مجلد كبير مثلما جاءت كتب التفاسير الأخرى أو كانت كتب سلسلة العبقريات لعباس محمود العقاد كانت على شكل حلقات تليفزيونية بدلًا من وجودها بين دفتى الكتب.
وليكون التخيل أكثر عدالة فلنتخيل أنه قد تمت طباعة مجلدات خواطر الشيخ الشعراوى وتوزيع نسخة على كل مواطن -١٠٤ ملايين نسخة- وهو ما قد يزيد نظريًا من فرص الاطلاع عليها إلا أن حقيقة الأمر تشير إلى أن للشاشة سحرًا ومعدلات وصول لا يمكن مقارنتها بأى وسيلة أخرى, فالإنسان يميل إلى الأسلوب الأسهل للحصول على المعلومة فبدلًا من قراءة كتاب ربما يكون من الأفضل له أن يشاهد حلقة تليفزيونية مدتها ساعة تتحدث عن نفس الكتاب ولهذا السبب البديهى نجد أن رواية تحمل أفكارًا إباحية لن تكون بنفس درجة خطورة وتأثير مشهد لا يتعدى خمس ثوان فى أى فيلم من الأفلام.
الأخطر هو الانتقال من اللقاءات التليفزيونية التقليدية إلى أسلوب شبكات التواصل الاجتماعى التى تعتمد على مقاطع فيديو أقصر بكثير بل ربما لا يتعدى طولها ٣٠ ثانية فى الكثير من الأحوال وهى التى يكون لها مميزات الانتشار والمشاهدة والاستيعاب والتأثير فى سويعات قليلة وهى قضية يجب أن ينتبه لها الجميع, فهذا النمط الجديد من التلقى سيؤثر على كل الأساليب التقليدية أو حتى الحديثة وما قبل عصر الإنترنت وتشمل أساليب التسلية وتذوق الفنون والعمل والتعليم وهو ما دفع الملياردير الأمريكى الشهير اليون ماسك إلى التصريح يومًا ما بأن الحاجة للتعليم أو الحصول على شهادات جامعية واكتساب المهارات قد اختلفت كثيرا خلال العقدين الماضيين متجها بسرعة وقوة نحو تأصيل تلك الفكرة.