الأحد 1 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الفنان محمد عبلة.. ووسام «جوته»!

الفنان محمد عبلة.. ووسام «جوته»!

(... إنهم رواد شجعان فى مجتمعاتهم، أسسوا روابط مثمرة مع أطراف ثقافية ناشطة فى كل أنحاء العالم...).



هذه العبارة الرائعة جاءت ضمن كلمات السيدة/كارولا لينتس.. «رئيس معهد جوته»، لتقوم بتفسير حيثيات منح وسام الشاعر الألمانى «يوهان جوته»، للفنان التشكيلى المصرى/محمد عبلة، والذى يُعد أول فنان تشكيلى عربى يحصل عليه ــ وهو أرفع وسام تمنحه للشخصيات المؤثرة فى مجالها ــ وقد حازه من قبل «الشاعرأدونيس» من سوريا، «الدكتور عبدالغفار مكاوى» من مصر.

 ولكن.. وسط كل هذه الاحتفالية، وفرحتى واعتزازى بالحدث الجميل، كانت سعادتى الشخصية فى هذا المشهد الذى يُثلج الصدر، ويطمئننا على مستقبل الفن والفنون فى مصرنا المحروسة، ويرد ـ بقوة ـ على خفافيش الظلام والجهل الذى يزعجهم ويقض مناماتهم، كل الفعاليات التى تهتم بالفنون بشكلٍ عام، ويتلخص المشهد فى قيام الدكتوره/نيفين الكيلانى  وزيرة الثقافة المصرية ـ باستقبال الفنان التشكيلى/محمد عبلة! وأين؟ فى مطار القاهرة الدولى، وذلك عقِب وصوله من المانيا بعد حصوله على وسام (جوته) الذى يُعد أهم جائزة للسياسة الثقافية الخارجية، وكان برفقتها كلٌ من: الدكتور خالد سرور، رئيس قطاع الفنون التشكيلية، سوزانا هون، المدير الإقليمى لمعهد جوته فى إفريقيا والشرق الأوسط، والدكتورة حنان سمير عبدالعظيم الأستاذ بالمعهد العالى للفنون التطبيقية. وللقارئ غير المتخصص ــ كل الحق فى أن يتوجه إلينا بالأسئلة عن: من هو (جوته)؟ ومن هو (محمد عبلة)؟

ولأننى مصرية أعتز بمصريتى، سأبدأ بالتعريف بصاحب التكريم، الفنان التشكيلى المصرى الأصيل/محمدعبلة، ولا تتعجبوا من هذا اللقب ـ الذى قد يبدو غريبًا على الأذن المصرية ــ الذى يأتى فى معاجم اللغة العربية بأنه: اسم عَلَمْ مؤنث عربي، ولكنه يعنى: الضخم أو الممتلئ، أو هو الصخرة، وفى تفسير آخر: العَبْلُ .. هو الضَّخْمُ من كلِّ شىء! وبما أن الشىء بالشىء يُذكر.. لعلنا نتذكر الآن اسم (عبلة) الذى اشتهرت به محبوبة الفارس «عنتر بن شداد»! فبحر اللغة العربية عميق بلا شطآن، فهناك معانٍ كُثُر لهذا اللقب، ولكن هذا ليس مجالاً لحديثنا الآن!

فالفنان التشكيلى محمد عبلة.. خرج إلى بحر الحياة فى محافظة الدقهلية، وثوار يوليو 1952 فى بدايات وضع أسس ومعايير انطلاق مصر الثورة نحو المستقبل، فهو من مواليد 27 سبتمبر 1953، وكانت المدرسة الأم التى وضع بها أولى لمسات لوحاته، هى كلية الفنون الجميلة/جامعة الإسكندرية، وحصل منها على شهادة بكالوريوس الفنون الجميلة ـ قسم تصوير ـ 1977، ثم الحصول على: دبلوم كلية الفنون الجميلة فى العام 1978، ثم درس فى كلية الفنون والصناعات (نحت) بزيورخ ـ سويسرا فى العام 1981.

 عمل مديرا لقاعة الفنون التشكيلية بالأوبرا عام 1990، وأستاذا زائرا للفنون بمدرسة أوربرو السويد، كما كان رئيسًا لمجلس إدارة أتيليه القاهرة عام 2010، وشارك فى العديد من المعارض الدولية فى: الشارقة، فنلندا، سويسرا، اليابان، الكويت، بينالى القاهرة، بينالى دول البحر المتوسط بالإسكندرية، الأرجنتين.

ولإيمانه بدور الفنان الحقيقى داخل نسيج المجتمع، وبأنه لابد أن يكون كالشجرة وارفة الظلال والثمار التى تستمد شرايين الحياة من تربة الوطن والمجتمع، والمشاركة الجادة والصادقة  فى أفراحه وأتراحه، ومعرفته بدور الفن الجاد فى العمل على ازدياد الثقافة المعرفية وارتفاع الذائقة الجمالية  لدى كل الشرائح البشرية بمختلف ثقافاتها وطبقاتها فى تركيبة المجتمع، فالإبداع: مقاومة لكل أشكال القُبح والخنوع والخضوع لسلطات القهر والاستبداد لشرائح المجتمع كافة. 

ومن هذا المنطلق والمنطق الذى لا يتزعزع،  كان له شرف المشاركة وسط الثوار فى الأيام الأولى لثورة 25 يناير، والإضاءة على الدور الذى لعبه الفنانون والمبدعون فى اعتصامهم الشهير بوزارة الثقافة المصرية، وتسجيل اعتراضهم على «توزير» أحد قيادات الإخوان على «وزارة الثقافة»، بل قام بتوثيق تلك الثورة عن طريق رسم اللوحات الجدارية فى مدن مصر وربوعها، الأمر الذى كان له أكبر الأثر فى تلك النجاحات التى حظيت بها ثورة يونيو إلى يومنا هذا.

والفنان محمد عبلة أجاب عن سؤال: كيف ترى المسئولية المجتمعية للفنان؟ فقال: يحزننى إلغاء حصص الرسم والموسيقى والألعاب من المدارس، فكثير من الطلاب كانوا يحبون الذهاب إلى المدرسة لممارسة هذه الهوايات إذن فهى دعوة صريحة لإعادة النظر فى شكل المناهج الدراسية فى مراحل التعليم كافة، لإيقاظ المَلَكات الفنية والإبداعية فى روح الأجيال الصاعدة فى مصرنا وعالمنا العربى. 

أما عمن هو صاحب الوسام: هو الشاعر الألمانى «يوهان جوته».. الذى نشأ فى مدينة فرانكفورت فى  اغسطس من العام 1749 وتوفى فى مارس من العام 1832، وكان شاعرًا وعالمًا وواحدًا من أهم مبدعى الشعر باللغة الألمانية، ومن أشهر أعماله آلام فيرتر، وفاوست، ومن قصائده بروميثيوس، المرثيات الرومانية، والديوان الغربى والشرقى» والذى ظهر فيه تأثره بالفكر العربى والفارسى والإسلامى! ويُعد فى ألمانيا وخارجها ممثلًا للفكر الألمانى، ومُجّد فى الإمبراطورية الألمانية باعتباره الشاعر القومى الألمانى والمعبّر عن «الجوهر الألمانى».  

وأخيرًا.. لا يسعنا إلا تقديم كل التهنئة للفنان القدير محمد عبلة على نيل هذا التكريم المستحق، ونثمن الدور البارز الذى قامت به الدكتورة «نيفين الكيلانى» فى الاحتفاء بالفنان المكرم فى مشهد رائع فى الساعات الأولى من توليها قيادة وزارة الثقافة المصرية، ونشيد بتصريحها المبشر فى الإعلان عن إيمانها بدور الثقافة والفنون، ومدى التأثير الإيجابى فى مسيرة المجتمع نحو الارتقاء بالذائقة الجمالية والمعرفية.

 وتحيا مصر بقلوب أبنائها الشرفاء من المبدعين.

 

رئيس قسم الإنتاج الإبداعى الأسبق 

بأكاديمية الفنون وعضو اتحاد كتاب مصر