الذكاء الاصطناعى وحدود الإبداع
تنتشر هذه الأيام الاحاديث عن تطبيقات الذكاء الاصطناعى المبهرة فى كل مكان فنراها فى وسائل الاعلام المختلفة على شكل أخبار محلية وعالمية مرتبطة بالجديد فى هذا المجال وكيف تتداخل تلك التقنيات مع كافة مجالات الحياة على الأرض فنجد الحديث فى المجالات العلمية والأدبية والسياسية والاقتصادية والتعليمية والاجتماعية مع محاولات لرسم مستقبل العالم فى ظل تلك التطورات، هل ستسيطر الآلات على البشر، هل سيقل مستوى ذكاء البشر، هل ستكون تلك الأدوات مجرد مساعدة للإنسان ومسهلة لحياته ولما يقوم به من مهام أم ستطغى على ما يقوم به وتقوم بإزاحته وتجنيبه وتقوم هى بتلك المهام.
وبين هذا وذاك نجد الحديث ينتقل إلى ضرورة وجود مواثيق أخلاقية لتطوير واستخدام تلك التقنيات مع ضرورة وجود استراتيجيات واضحة للاستخدام وقوانين محلية ودولية لتنظيم هذا المستقبل، وفى الحقيقة أن كل ما سبق هى أمور مفهومة ومتوقعة، أما السؤال الذى يحتاج الى إجابة حقيقية هو «ما هى حدود قدرة تلك الأنظمة على الابداع؟»، وجميعنا نعرف أن الابداع-حتى وإن اختلفنا على وجود تعريف مستقر ومتفق عليه له- فإن الابداع به جزء غامض لا نستطيع الإمساك به أو تحديده.
فببساطة نعرف أن كلما عرف الانسان أكثر وكلما تعرض لمواقف وخبرات وكلما مر بتجارب فإن خبرته تزيد وحكمته أيضا وعليه فإن قدرته على التعامل مع الجديد تزداد ويكون رأيه وتفاعله أكثر صوابا من الشخص الذى لم يتعرض إلى كل ما سبق أو لمن تعرض لجزء دون الآخر.
دعونا نتكلم أكثر عن هذا الجزء الغامض من الإبداع فعلى سبيل المثال ليس كل طباخ ماهر يكون قادرا على عمل وتنفيذ وصفة جديدة تلقى القبول والإعجاب، وليس كل كاتب روائى أو فنان تشكيلى أو مؤلف موسيقى يكون لديه القدرة على إنتاج ما يبهر القارئ أو الناظر أو السامع، وهو ما أحدث حيرة للقدامى من الخبراء فى تلك المجالات وفى غيرها أيضا حتى أن العرب القدامى يصفون من يأتى بهذا الغريب والجديد المبهر بلفظ «العبقرى» نسبة الى وادى عبقر حيث ما هى قصة وادى عبقر؟ الذى تقول الروايات إنه واد يسكنه شعراء الجن منذ زمن طويل، ويقال إنَّ من أمسى ليلة فى هذا الوادى أتاه شاعر أو شاعرة من الجن تلقّنه الشعر، وإن كل شاعر من شعراء الجاهلية كان له قرين من هذا الوادى يلقنه الشعر، هذا بالنسبة للشعر وهذا ما كان يعتقده الأقدمون ولكن اليوم ونحن نعرف أن الأمر ليس كذلك فإننا نستطيع أن نقول وبكل ثقة إنه مهما تطورت تطبيقات الذكاء الاصطناعى وأفرزت محتوى رائعا قد يجعلنا نعتقد أن تلك التطبيقات تحمل صفة الإبداع، إلا أنه فى الحقيقة إبداع ناقص لا يكتمل إلا باللمسة الإنسانية النهائية وهى التى يجب علينا أن نركز عليها فى تعليم المستقبل ومهاراته للطلاب والخريجين فى كافة المجالات على حد سواء.