الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حاول التمثيل ورشحه يوسف شاهين لبطولة فيلم الاختيار

يوسف إدريس أمير القصة القصيرة

«أنا يوسف إدريس» للكاتب الشاب الطموح «بشرى عبد المؤمن» وتقديم الكاتب الكبير «إبراهيم عبد المجيد»، الصادر عن دار ريشة للتوزيع والنشر2021. العنوان محمل بالتأويلات والتساؤلات، من المتحدث؟ هل هو يوسف إدريس يتحدث عن نفسه بـ«الأنا»؟ أما أن «الأنا» صفة نرجسية منحها له رفقاء زمنه من الأدباء والمثقفين، أم المتحدث بالنيابة عنه الكاتب «بشرى عبد المؤمن»؟



أبحرت وكدت أغرق بين صفحات الكتاب التى تخطت 300 صفحة ابحث عن «الأنا الإدريسية وهل تتطابق مع» الأنا الفرويدية «وكانت أولى المفاجآت أنها صفة نرجسية سوية قادت الكاتب يوسف إدريس ليحمل راية القصة القصيرة، أليس غربيا أن تكون النرجسية صفة عظيمة.!

ذكر الكاتب «بشرى»: إن صفة «الأنا» ظلت تلاحقه، ولهذه النرجسية سبب، وهو أنه حينما أدرك الحياة من حوله وجد نفسه فى عالم لا يعجبه الكثير من نظامه، وبدأ يحلم بنظام آخر للعالم، فهو يريد الكمال للعالم، فنرجسية يوسف إدريس تتلخص فى محاولته تغيير نظام الحياة من حوله».

ويبدو أن الكاتب توحد معه فكريا ووجدانيا، كان يشعر أنه ذاهب للقائه، ويستعد بالأسئلة ليحاوره بل ويفكر ماذا سيرتدى يوسف إدريس فى لقائهما، وتألم لشقاء طفولته وتعايش مع معاركه، وبقدر ما دافع عنه فى بعض المواقف، كشف عن تناقضات آرائه.

خاض الكاتب رحلة بحثية أرشيفية اطلع ووثق كم من المصادر والمراجع صحف ومجلات وحوارات وقرء ما كتبه يوسف إدريس عن نفسه، وعن نجوم السينما والطرب والأدب والسياسية، وايضا وما كتبه معاصريه عنه.

لمحات مختصرة من مسيرة الطبيب النفسى والصحفى والممثل والروائى يوسف إدريس (1927 – 1990).

أنا اللص

وصف يوسف إدريس طفولته بكلمات مؤلمة: «لم يكن لى عائلة، ولم يكن لى أب، ولم يكن لى صديق، يتيما فى حياه والديه». بمحافظة الشرقية ولد يوسف إدريس 19 مايو 1927 قرية «البيروم» قرية بسيطة وفقيرة شكلت مخزونة البصرى والفكرى وكان أحد روافده الروائية. عاش طفولة بائسة، اتهمه كذبا ناظر المدرسة الابتدائى بسرقة كتب وعاقبة ضربا بالخزرانه، وظل لثلاث سنوات اسمه بالمدرسة «اللص». وظل أعواما يحلم أن يتذوق «الطعمية»، ولم يأكلها إلا مرة واحدة طوال المرحلة الابتدائية، مصروفه عشرة قروش فى الشهر، أسرته ليست فقيرة والده راتبه كبير يعمل فى استصلاح الأراضى، أمه سيدة جميلة كل ما يهمها أن تملك أرضا.

طفل خجول يرتدى بدلة رخيصة وحذاء يحاول دائما إخفاءه تحت تحته الفصل. طربوشه مطبق يسخر منه التلاميذ. والتحق بالمدرسة المتوسطة بدمياط بعمر الثانية عشرة وعاش ولى أمره لأخيه الصغير، وعانى من افتراقه المبكر عن عائلته يتيما فى حياه والديه، وكانت أحلام اليقظة هى تسليته الأولى حتى يبتعد عن الواقع المؤلم. إلا أن جده أمه «ملكة» هى من منحته الاحتواء النفسى تعويضا عن انشغال والديه.

ليست مذكراتى

الجدة «ملكة» فى الخامسة والتسعين من عمرها ويوسف طفلا بالخامسة. بالحكى وباللعب تلاشت المسافات العمرية بينهما. يلعب معها لعبه الاستغماية وكان متصورا أنه سيتفوق عليها، ولأنها نحيفة استطاعت أن تنزوى في مكان لا يسع سوى قطة. كانت ممنوعة من شرب القهوة الممزوجة بالسكر، ولهذا كانوا يخفون عنها علب اللبن والسكر فى أماكن لا تعرفها ويعرفها الطفل يوسف. وتذوق معها طعم القهوة لأول مرة.

تتسم حكايات الجدة بالوضوح والجراءة وتخطت حدود العيب وما يصح وما لا يصح من أخلاق وعادات الطبقة الريفية الوسطى، تحكى تفاصيل عن مراهقتها، عن ليلة زفافها، وقال عنها: «الجميل فى جدتى أنها كانت تحادثنى بصراحة طفل يتحدث ببراءة إلى طفل».

نشر إدريس تفاصيل علاقته بجدة بإحدى عشرة حلقة تحت عنوان «يوسفياتى» 1990. إلا أن أحد متناقضاته أنه تنصل منها وقال إنها قصة وسوف يتفرغ لها، وأوقف الكتابة. بحسب ما توصل إليه الكاتب «بشرى» من إثبات أنها مذكراته: إن ابنته نسمة صرحت أنه كتب مذكراته ولم يكملها. وفى الدعاية المجلة ذكروا انتظروا «ذكريات يوسف إدريس مع الجدة». والأسماء والشخصيات والأحداث التى ذكرها فى الحلقات كلها حقيقية.

إدريس ممثلا

تغيرت نظرته عن الفن بعد أن صادف حادثتين كلتاهما لصديقه الممثل الكبير «فاخر فاخر». وإدراك أن الفنان مخلص لفنه لدرجة أن يتخطى الموت من أجل لقاء جمهوره. وإن الإنسان بغير فن إنسان ناقص، بل بغيره لا يمكن أن يكون إنسانا».

وإحدى مفاجآت الكتاب أن الشاب يوسف إدريس كان يحاول أن يكون ممثلا، بالمرحلة الثانوية انضم للنشاط الفنى وفريق التمثيل. فى إحدى مسرحيات المسرح القومى أسند إليه دور الخادم فى انتظار وصول الملكة التى سوف يخاطبها بجملة واحدة فقط» نعم يا سيدتى»، ارتبك ولم ينطق جملته الوحيدة. ومع ذلك فيما بعد عرض عليه التمثيل مرتين وكاد أن يوافق بفيلم» الاختيار «1972 ليوسف شاهين إلا أن الدور قدمه عزت العلايلي. والثانية بمسرحية» البلهوان «1989. وذكر أنه رفض لأنه يفكر فى الإخراج السينمائى. 

ممثلة العطف

السينما المصرية لم تأخذ من إبداعات يوسف إدريس إلا قليلا أشهرها: الحرام، لا وقت للحب، النداهة، قاع المدينة، حدوتة مصرية. فهل أنصفت السينما المصرية أدب يوسف إدريس؟. 

ذكر أنه لم يرض عن الأعمال السينمائية التى قدمت من وحى قصصه قال: «عندما يأخذ أحد المخرجين قصة لى يقدمها للسينما يقدم حدوتة مستقاة من القصة ويؤلف لها أحداثا أخرى وبذلك يفقدون الروح الأصلية للعمل الفنى»، وعن أعماله المفضلة التى تحولت للسينما والتى احتفظت بقدر كبير من النص ذكر أنهما (الحرام- قاع المدينة) لأنهم ركزوا على الحدوتة».

أول أفلامه» لا وقت للحب «1963 المأخوذ عن روايته» قصة الحب «إخراج صلاح أبوسيف وبطولة رشدى أباظة وسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة بطلة أهم أفلامه وواحد من أيقونات السينما المصرية والذى احتل المركز الخامس بقائمة أهم 100 فيلم بالسينما المصرية فيلم» الحرام «1965.

وصف فاتن حمامة انها ممثلة» العطف «حيث انها فى كل ادوارها تجعلك تتعاطف معها فتاة ضعيفة تعانى من ظلم، رغم انها فى الحياة شخصية إيجابية منطلقة، وفى الافلام لا تختار ولا تنطق ولا تثور. وان فاتن حمامة لا ذنب لها فى أنها وضعت فى تلك الشخصية السينمائية.

النمر المتربص

والفنانة الكبيرة نادية لطفى بطللة فيلمى «قاع المدينة» 1974، وعلى ورق سوليفان «1975. وصفته:» يوسف إدريس يشبه قصصه القصيرة لا يحب التطويل ومهنته كطبيب اثرت عليه بالإيجاب فى عمله الأدبى، الفكرة عنده واضحة وبراقة، هو كالمشرط حاد وقاطع، وكالنمر المتربص مع المدعين فى كل مجال».

الزعيم عادل إمام قال عنه كان أستاذى وصديقى  تربطنا صداقة ولقاءات منتظمة استمرت 15 عاما،لم نلتقى بعمل فنى،وكنت اتمنى اؤدى دور الممثل عبد السلام محمد بمسرحية «الفرافير» من اعجابى بالشخصية، وطلبت منه كتابة عمل يجمعنا إلإ أن إدريس حذرنى ألإ أخرج عن النص، ولكن لم يتم».

حدوتة مصرية

انتقلت خلافات إدريس ويوسف شاهين إلى الصحف، وضع إدريس القصة القائمة على فكرة» المحكمة «التى جاءت بفيلم» حدوتة مصرية» شاهين وإدريس كانا يحكيان أدق تفاصيل حياتهما ويتم تسجليها لتكون مادة للفيلم. رفض إدريس أن تكون التفاصيل التى حكاها موجودة ضمن أحداث الفيلم، وهدد برفع دعوى قضائية حال وجودها. وحذفت وجاء الفيلم تفاصيل حياة شاهين فقط.

عن تدخله فى التأليف ذكر: «إن المخرج يوسف شاهين يود أن يكون مؤلفا حسب الموضة الشائعة لدى المخرجين العالمين يؤلفون الموضوع ويخرجون، القصة فن مستقل لا يستطيع المخرج أن يبدعها، وأن يأتى مخرج مصورا نفسه على أنه كاتب قصة فهذا أمر غير مقبول».

فاطمة اليوسف

عودة لـ «الأنا» ولكن هذه المرة الأنا اعتزاز وكرامة. يحكى الكاتب الكبير أستاذ محمود السعدنى أن التقى بيوسف إدريس بمؤسسة روز اليوسف من أجل أن يقبض كل منهما أجرا مقابل نشر كل منهما كتابا لأول مرة بإصدار الكتاب الذهبى، وحذره إدريس ألا يقبل مبلغ أقل مما يتقاضاه الكاتب أمين يوسف غراب او يوسف السباعى لأنهم ليسوا أقل منهما فنا.

إلا أن السيدة فاطمة اليوسف لها رأى آخر قالت: «انتو شباب كويسين لكن محدش يعرفكم علشان كده كتبكم ما باعت غير 3 آلاف نسخة لكل كتاب، يعنى خسائر لدار هانديكام كل واحد 40 جنيها زى بعضه»، إلا أن إدريس طلب يأخذ 150 جنيها مثل «غراب والسباعى» ندمت فاطمة اليوسف أنها وافقت على اقتراح السباعى للنشر لهما. 

لولاكى

وفى الأغانى علق إدريس على كلمات الأغانى فى منتصف الثمانينيات قال: «الكلمات التى نسمعها الآن، إن أى واحد يمشى فى الشارع يستطيع أن يقول مثلها، فليس فيها أى ابتكار أو إبداع». كما ذكر: «حتى مرحلة أم كلثوم وعبد الوهاب، وبدايات عبد الحليم حافظ كان كلام الأغانى غريبا، كان كلاما مختلفا تم تركيبه على موسيقى متطورة، مثل كلمة (المعزول) أو (الهجر) و(يا مهاجرنى) أو (يا معذبين)، وهذا كلام قد يصلح لعصر غزل المشربية».

أما عبد الحليم فتفرد بعد التحامه بكمال الطويل ومحمد الموجى وهما قد طورا موسيقى الغناء الفردى بعد عبد الوهاب بتبنى «رتم» أسرع كثيرا من رتم عبد الوهاب. المطرب محمد عبده التقط نغمة العصر السريعة ووضعها فى ثوب سعودى.

لماذا تحتقرون أغنية لولاكى ؟!،قال عنها: «أغنية استمدت من الإيقاع البدوى الأسرع فى ليبيا وشمال أفريقيا، ذلك الإيقاع المختلط بموسيقى البربر سكان الشمال الأفريقي. الناس بدءوا يحتاجون إلى إيقاع أسرع وأكثر حيوية، يسمعونه بأجسادهم أولا وبآذانهم ثانيا.

نوبل بين ثلاثة أدباء

أشار نقاد الأدب أن إدريس كان يستخدم الرمز برواياته كقناع يختفى خلفة للتعبير عن أفكاره وكم من رواياته أدخلته فى معارك وصلت لفصل من منصبه كصحفى.

نفى نجيب محفوظ وجود خلاف مع يوسف إدريس حول نوبل وقال: «إن إدريس أول من هنأه بالجائزة، لم أسمح لنفسى أبدا أغضب منه، فهو قام بحملة على لجنة نوبل وليس ضدى وعلمت أن البعض خدعة وأبلغه أخبار خاطئة عن احتمالات فوزه فصدم من اللجنة وليس مني».

بينما حين سال إدريس إذا عرضت عليك الجائزة هل تقبلها قال: «توفيق الحكيم ونجيب محفوظ أحق منى بالجائزة وقد رشحت بالفعل أكثر من مرة واستبعدونى لموافقى السياسية». وحاول السادات ترشيح توفيق الحكيم. 

الأديب دكتور طه حسين كتب له مقدمة مجموعته الأولى «أرخص ليالى» وأيضا مجموعة «جمهورية فرحات» وقال عنه إدريس خلق ليكون قاصا، واستفاد من مهنة الطب ومن مخالطته للإنسان فى آلمه جسمه ونفسه، وفتح له أبواب التفكير وعرف دقائق النفس البشرية بحكم طبيعة المهنة.

وبعد عامين هاجم طه حسين الأدباء الشباب واتهامهم بالسطحية وأنهم لا يقرؤون، فرد عليه أدباء الفترة وهما (يوسف الشباعى، يوسف إدريس، فتحى غانم).

حكاياته مع الرؤساء

عاصر إدريس فترة التحويلات السياسية والوطنية من الخمسينيات إلى الثمانينيات وربطته علاقات قوية مع الرؤساء جمال عبدالناصر، أنور السادات، محمد حسنى مبارك. كتاباته كانت التعبير القصصى عن المشروع القومى لجمال عبد الناصر وبعد وفاة عبدالناصر تأزم مشروع إدريس نفسه. وفى رواية إدريس «الرحلة» تنبأ بموت عبدالناصر بحسب تأويلات النقاد.

وقبل أن يصبح انور السادات رئيسا كان رئيس مجلس إدارة جريدة «الجمهورية» وخصص له عموده اليومى الذى كان يشكل افتتاحية الجريدة موقعا باسم السادات، أما الرئيس حسنى مبارك فكانت علاقة صداقة ولقاءات منها بحسب ما ذكرته السيدة رجاء الرفاعى زوجة إدريس أن مبارك وحافظ الأسد  جاءوا لزيارة مفاجئة بالساحل الشمالى بمارينا واستقبلهم إدريس على طبيعته «بالشورت».