السبت 24 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
حكمـة الحيـاة

حكمـة الحيـاة

عندما سُئل الموسيقار الكبير الراحل محمد عبدالوهاب فيمن يفضل أن يجالس، قال إنه يفضل أن يجلس مع نفسه، أى أنه يشعر بالراحة والسعادة عندما يختلى إلى نفسه، والواقع أن هذا الاتجاه يجسد رؤية عميقة للعديد من الفلاسفة، كالفيلسوف اليونانى الشهير «إبيقور» الذى رأى أن السعادة الحقيقية تكمن بداخلنا، فبداخلنا يتقرر نمط تفكيرنا، وإرادتنا، فما يقع من أحداث خارج ذاتنا فهو عرضى، وتأثيره مؤقت، أما عن رد فعلنا لهذا العرض فهو يختلف من شخص إلى آخر بحسب ما ينتج من تفاعل لما يكمن بداخلنا مع هذا العرض، فكل فرد هو نتاج مباشر لمداركه، لذا فإنه يصح إلى حد كبير تلك العبارة التى تقول إن الإنسان حبيس أفكاره، فالعالم الخاص بكل واحد منا محكوم بطريقة إدراكه للأشياء، فلكل منا نظرة للحياة تختلف بحسب إدراكنا للعوامل الخارجية التى تعتمد على طريقة تفكيرنا، إذًا فمن داخلنا نحدد أولويتنا فى هذه الحياة، فإذا كان الكثير يعتقد أن أولوياته الأولى تحقيق الثروة، فليمحص النظر قليلًا، فالثروة التى قد يرى البعض أنهم ينعمون بها لم تكن سببًا لسعادتهم،  فكم من شخص هادئ مثقف متأنٍ صافى الذهن يمتلك ما يعينه على الحياة أكثر سعادة، لأنه يمتلك أكثر مما يمتلكه أى شخص آخر، فهو يمتلك راحة البال فى أفكاره وخواطره عندما يختلى إلى نفسه، فكم من ثرى فريسة للملل والضجر، ولو شارك فى كل مظاهر اللهو والصخب، فأكثر الناس سعادة من يملك طبعًا معتدلًا، فتقلبات الحظ والصدف لا يشغل من طابت سريرته، فهو وإن كان يؤثر ويتأثر بالمحيط  الخارجى له، ولكنه لا يتأثر بالمظاهر الخارجية إلى الحد الذى يؤثر فى كينونته، فإذا كان فى الحياة صعوبات وعقبات وحواجز تواجه الإنسان فهناك دائمًا من يستطيع أن يوجهها ويتغلب عليها مستعينًا فى ذلك بقوته الداخلية وإرادته، فينبغى أن نسخر قوتنا الداخلية لما فيه نفعنا وتحقيق التطلعات التى تناسبنا، فالكثير يشقى حينما يتطلع لتحقيق تطلعات لا تناسبه، كمن لا تقوى قوته البدنية على حمل أثقالًا تفوق قوته البدنية، إذًا فاللاهث وراء الثراء المضحى بقيمه الداخلية لن يفوز بالسعادة إلا بالنزر اليسير، لأن من ضحى بكل غالٍ وثمين من أجل الوصول للثروة لم ينتشله المال من الشقاء، فإذا كان الثراء يُمكن المرء من إشباع حاجياته الشخصية، فإن تأثيره على راحة البال لا يذكر، فجامع الثروة على الدوام مشغول بمراكمة الثروات وتكديسها، وهو عاجز عن تذوق المتع الرفيعة، إذ تمضى حياته فى الركض وراء المتع الحسية العابرة، إلا من رحم ربى، إذًا، فالسعادة تتشكل لدى الإنسان كما يقول «شوبنهاور» بما فى الإنسان  وليس بما عنده، فالثراء الحقيقى هو الثراء الداخلى الذى يعين الفرد على الصبر فى مواجهة الصعوبات، لذا، يجب أن نقتنص لحظات مع ذاتنا، فعندما نجلس مع أنفسنا، فإن الحياة تتوقف، لتبوح بحكمتها «كما يقول عالمنا الجليل مصطفى محمود» رحمه الله.