السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

من فات قديمه تاه

حكايات ومعارك النجوم من الأرشيف الصحفى

إعداد ـ سوزى شكرى



الأرشيف الصحفى أحد مصادر التوثيق وبدونه تصبح الكتابة منقوصة ليس لها مرجعية ولا يعتد بها بالأخص عند الكتابة عن أحداث وشخصيات لها جذور بالماضى. ريحة الورق هو مشروع التنقيب فى أرشيف الصحافة المصرية للكاتب الصحفى الشاب «محمد جلال فراج»، وبعقلية الباحث عن الأثر الضائع اقتنص جلال من بين مئات الصفحات الأرشيفية العديد من القصص والاحداث. والتزم اولا بالموضوعية فى عرض المعلومة توثيقيا لتصحيح ما هو متداول عن الحدث أو الشخصية، ثم اشتبك مع كل معلومة بالتحاور وبالتحليل وبالمقارنة وربطها وبالمستجدات والمتغيرات الزمنية.

بأسلوبه الخاص بالكتابة يلقى الكرة بمرمى القارئ يداعبه ويشاغبه ذهنيا ويدعوه للتفكير ليجعله شغوفا بما سوف يقرأ بالسطور القادمة، قدم جلال اكثر من 30 قصة وحدثا وتفرد فى اختياراته لعناوين موضوعاته على سبيل المثال: كل ما هو مبدع محمود، رحت فين يا على.. وضاع منير آخر، إنعام من الله،حسنين والعمر  واحد، السفاح حبيب المانشيتات، كاميليا فاتنة و3 صحفيين، الصحافة والموت حكاية حب.. وغيرها الكثير والكثير.

كل ذلك بكتابه الأول «ريحة الورق – أقلام وأقدار ومعارك» الصادر عن «المحرر» - طبعة 2024. الكتاب من تقديم الكاتب الكبير» محمد الباز «الذى أشاد بمشروع ريحة الورق أنه رحلة خاصة فى مسارات الصحافة ودعا القارئ للقراءة، بل وطالب جلال بكتابة المزيد. 

وإليكم بعضا مما جاء بكتاب «ريحة الورق»..

عصر عادل إمام 

«ابتسم فقد عشت عصر عادل إمام»..الكاتب محمد جلال يزف خبرا للقارئ أنه من المحظوظين لأنه عاش عصر عادل إمام. ولكن لماذا عادل إمام؟ يجيب جلال أغمض عينيك لثوان وتخيل قوة مصر الناعمة دون عادل إمام فى المعادلة. هو ليس مجرد فنان كبير وقدير، بل هو مشروع قومى ربانى ومنحة إلهية تشكلت فى عقود موزعة على قرنين، ويستشهد برأى الكاتب «رجاء النقاش» أنه لو لم يظهر عادل إمام فى ربع القرن الأخير لاخترع المصريون عادل إمام آخر، هو الضحكة التاريخية التى لا يستغنى عنها شعب مصر إنه ملح الطعام، ورغيف الخبز بالنسبة للمصريين.

بعطفة على باشا بالحلمية بدايات الولد الشقى أبو دم شربات على حد قول أهالى العطفة. 1968 مقالة للكاتبة «إيريس نظمى» بعنوان «مولد نجم والسبب محمد عوض» بالحوار صورة لعادل إمام كتب تحتها تعليق ساخر «عادل إمام وليس عادل أدهم كما تظن الإعلانات»، اعتذار محمد عوض عن دور «الدسوقى أفندي» سبب مولد نجومية عادل، وحين سألته الكاتبة عن نفسه أجاب عادل: «أنا لون لوحدى، والناس هى التى تحكم على فى النهاية وليس أنا»، استوقف جلال هذا التصريح «أنا لون لوحدى» وأكمل التنقيب.. بالثمانينيات1981 ومع الصحفية «عائشة صالح» قال عادل: «أنا لست امتدادا لأحد ولا أقلد أحدا، أنا نتاج الشارع المصرى، أنا ابن هذا الجيل من الشباب بمعاناته وكل المتناقضات فى حياته اليومية، كل واحد يجد فى بعضا من نفسه». 

مع الكاتب «فؤاد معوض» 1983 سأله: «إن البعض يصفونك بالغرور وأنك مصاب بالميول الاستعراضية ما دفاعك؟. وقال عادل: «أنا فنان متزن وجاد وعاقل وشديد الاهتمام بعملى، وغرورى هو تصرف طبيعى، أو بتعبير أدق هو الغرور المشروع، والعقلاء ممن أتعامل معهم يقولون إن غرورى وميولى الاستعراضية ليست نتاج عقد ولا تعبير عن كبت، باختصار أنا أحترم فنى وأقدر موهبتى وإذا كنت تسمى هذا غرورا فأنا مغرور جدا». توصل جلال إلى ان عادل لم ينف غروره بل اعتبره “عقل واتزان”، وصادق ومعتزا بنفسه وما ذكره عن نفسه بالبدايات لا يختلف عما بعد الشهرة والنجومية. 

مَنْ هو عمرو دياب؟

السؤال لماذا بقى عمر دياب كل تلك السنوات على القمة التى اخترعها هو بشخصيته من بداية الثمانينيات. أول ظهور صحفى لعمرو دياب 1982 سأله الصحفي: «لقد كان ظهورك مفاجأة لم تسبقها مقدمات إعلانات بالتليفزيون وإعلانات بالمجلات الفنية.؟ أجابه:» لم أقدم أغنياتى من خلال حفلات بالقاهرة، وبالتالى لم يكن للجمهور فرصة للتعرف على فكيف أقدم بطاقتى الشخصية لجمهور لم يعرفنى من خلال صوتى الذى سعيت أن يكون هو بطاقة التعريف بينى وبينه».

حواره مع الكاتب» يسرى الفخرانى «بعنوان» عقل عمرو دياب الذى صنع به أسطورته «1993 وجه له سؤالا: «يقولون إن عمرو دياب يغنى بعقله وليس إحساسه هل يزعجك هذا الكلام؟. أجابه بابتسامة صافية بحسب وصف يسرى: «وماله.. وهو عيب إنى أغنى بعقلى، يقولوا اللى يقولوه طالما الناس حبت ده، وكل ما يهمنى هو أن يظل العمار بينى وبين جمهورى موصولا حتى ولو وصفنى البعض بأننى أعتمد على الإبهار فى حفلاتى لأغطى على» ضعف صوتى «. وبتحليل جلال اجابات عمرو رغم اختلاف السنوات بنفس النبرة الواثق من نفسه لم تتغير، ولم يتعامل مع العقل باعتباره تهمة بل اعتبره ميزة إضافية.

وبنفس الحوار حكى بالحوار عن دور الموسيقار الكبير هانى شنودة فى دعمه وتشجعيه، وأنه تعلم من محمد منير ويتخذه مثلا أعلى له، يراه يطور نفسه دائما. من القصص الطريفة التى حكاها عمرو دياب انه فى صيف 1987 كان مشغولا بنجاح ألبوماته وبيغنى بملاهى شارع الهرم، وفؤجئ بمنتج ألبوماته وقال له:» انت مبسوط وبتغنى فى شارع الهرم وفى مغنى مكسر الدنيا اسمه على حميدة عامل اغنية اسمها «لولاكى» مصر كلها بتسمعها، قوم اخرج واشتغل». ذكر عمرو انه تأثر بكلام المنتج وقرر انه يقلب الصفحة وينسى كل نجاحاته ويبحث عن الجديد.

سعاد الموجوعة بين رجلين

حب ميئوس منه للعندليب ثم قدوة مفقودة مع رحيل الشاعر «، لماذا كان حبا ميئوسا منه بحسب توصيف جلال. نبتدى منين الحكاية... من الستينيات بدأت قصة ألغاز عن علاقتها بحليم بعد فيلمهما» البنات والصيف»، واللقاء الأول بصلاح جاهين كان بالمستشفى بروسيا حيث كان جاهين يعالج من اكتئاب آثار نكسة يونيو، وبدأت بينهما علاقة شديدة الخصوصية، هو بالنسبة لها الحضن الذى يستوعب كل انكساراتها، وجاهين وجد فيها عزاءه عن كسرة قلبه.

تناقضات آراء حليم حول الزواج من فنانة، وتهربه الدائم من الاعتراف بعلاقته بسعاد رغم أن المقربين شهود عليها. موضوعان1961 بعدد واحد، الأول تحقيق للصحفي» فموبيل لبيب «تحدث عن سعاد حسنى وقال:» إن الوحيد الذى لمس قلبها بحنان وأحاطها بالحب هو عبد الحليم حافظ»، والثانى حوار مع حليم سأله الصحفى: هل تحب سعاد حسنى؟ رد حليم ردا سريعا:» أبدا لا سعاد ولا غير سعاد «. حاصره المحرر بسؤال آخر ومتى تحب؟ قال حليم: وهو الحب له مواعيد!. وتحت عنوان» «بقلبى أحب وبعقلى أتزوج» حوار1962 مع حليم وسأل عن علاقته بسعاد أجاب: «سعاد زميلة فنانة أحترمها زى جميع الفنانات وكل حرصى على سعاد أنى مؤمن بأنها نجمة المستقبل»، والمفارقة فى نفس الحوار أن حليم ناشد زوج الفنانة زبيدة ثروت لكى يتراجع عن قراره بمنعها من التمثيل ويجعلها تعود لفنها! 

بسؤال آخر لحليم: سمعنا أن رأيك أن الزوجة لا تشغل نفسها إلإ بزوجها، أجاب حليم: «فعلا دا رأيى ان وظيفة الزوجة توفر لزوجها بيتا هادئا وهذا يتطلب تفرغا، أما إذا كانت فنانة ما اقدرش احرمها من فنها وإلإ ابقى راجل قاتل للموهبة «. وبتصريح الإعلامى وصديقه المقرب وجدى الحكيم حسم كل ما سبق: «ان حليم كان تقدميا فى كل شىء إلإ فى الحياة الأسرية فروح الفلاح ابن الشرقية الغيور لا تفارق عقليته».

فوزى.. فاز فى النهاية

أن تكون «شحات الغرام» فهذا مقبول فى العشق، لكن أن يقول محمد فوزى: «إننى أطالب بجائزة الدولة، فأنا مؤمن بأننى أستحقها فعلا». قال ذلك بآخر حوار له 1965 قبل وفاته بسنة ونصف. كما ذكر اسباب مطالبته بالتكريم: «أنا أول من قدم أفلاما استعراضية وأول من قدم أفلاما ملونة وأول من قدم أغانى دينية (لبيك إن الحمد لك) وتسابيح، وأول من أنشأ مصنع أسطوانات، واقترحت المصحف المرتل وسجلته، كما سجلت خطب الرئيس على أسطوانات، ثم لحنت نشيد التحرير الجزائرى الذى كان يردده الجزائريون أثناء كفاحهم، وبعد استقلالهم أصبح السلام الوطني، هذا إلى جانب كثير من الأغانى الناجحة والأفكار الجديدة فى الموسيقى، وأعتقد لكل هذا أننى أستحق جائزة الدولة عن جدارة».

يقول جلال كلما قلبت فى أوراق الصحف والمجلات الصادرة فى أواخر أيام فوزى وجدت ظلالا للأحلام مبتورة لم يحققها، منها التكريم، وكتابة مذكراته قال الكاتب عبد المنعم سليم 1966 إن فوزى طلب منه أن يكتب مذاكراته ويسجلها ليرويها فوزى للجمهور بنفسه بالإذاعة. إلا أن المرض اشتد على فوزى وذهب برحلات علاج طويلة، وبنهاية المقالة ندم سليم أنه لم ينفذ رغبته، وحلم آخر لم ينفذ أن تغنى له أم كلثوم من ألحانه، ذكرت زوجته أنه ترك وصية تسجيل سجله بصوته أثناء علاجه لأغنية أعدها لأم كلثوم. بالتأكيد لو نفذت الوصية كنا سوف نسمع لحنا عظيما.

وبجنازته كتب بالصحف عنوان «مات حبيب الأطفال» أكتوبر 1966، وصفت جنازته بأنها رهيبة امتدت لأكثر من 40 كيلو مترا وعشاقه يرددون إلى جنة الخلد يا فوزى. لذا اختار جلال عنوان موضوعه « فوزي... فاز فى النهاية «، نعم فاز بمحبة جمهوره وهذا أعظم تكريم. وبعد سنتين من وفاته كتبت» إيريس نظمى «مقالا بعنوان» الأطفال.. بلا صديق «تحدثت عن دور فوزى فى حياة الأطفال وانه لا يوجد من يكمل رسالته.

مظلوم ليلى مراد

بعد سعاد الموجوعة ومحمد فوزى وأحلامه المبتورة بأرشيف جلال مظلوم آخر، «هل ظلمت ليلى مراد شقيقها منير صاحب الـ 7 صنايع». يستنكر جلال هذا العنوان المنشور يعتبره توصيفا قاسيا أن منير فقط شقيق ليلى مراد.! كعادة الأسر الفنية الأمور لا تسير بينهما بالتساوي، النجومية رافقت ليلى، بينما عاندت منير فى بداياته، ومع ذلك استطاع منير الفنان الشامل أن يصير رقما لا يستهان به فى معادلة الموسيقى فى مصر.

بالخمسينيات كان منير يحاول إقناع أنور وجدى زوج شقيقته ليلى بموهبته الموسيقية كان يلحن ويغنى لأنور أى شىء، أخبار الحوادث، الوفيات، أرقام حسابية، إلى آخره. إلى أن أعطاه بعد إلحاح أغنية لشادية ليلحنها وأعجبت أنور وجدى هذا ما ذكر بمقاله1957 بعنوان «قصة موسيقى لحن أخبار الوفيات»، ومن كثرة تلحينه لشادية أطلقوا عليه النقاد «ملحن شادية».

ومع الكاتب جليل البندارى 1961 سأله: لماذا لم تلحن لشقيقتك إلا أغنية واحدة هل لا تعترف بك ملحنا؟. أجابه برد حاسم ومؤلم كشف عن أزمته مع شقيقته قال: «أبدا هى بتعترف بيا وكل حاجة، إنما بتعاملنا زى واحدة أخوها جراح وهى بتعمل عمليات برة». 

وسوء حظه رافقه إلى يوم وفاته الصحافة كانت مشغولة بحادث الرئيس السادات بالمنصة والذى مر عليه أسبوعان، ١٨ أكتوبر ١٩٨١ كتب خبر وفاة منير بالصفحة الأخيرة بسطور قليلة لم ينتبه لها اهل الفن ولا الجمهور وكانت جنازته هشة حضرها أبناء اخته ليلى مراد فقط. ولم توثق الجنازة صحفيا ولا إعلاميا.

هزيمة «جو» على «يد» بقلظ

«وصيفة يا كاملة الأوصاف» هكذا وصف جلال محبته وتقديره للعظيمة رفيقة طفولتنا ماما نجوى، اما معركة «بقلظ وجو» فكانت بسبب نجوى إبراهيم كممثلة سينما اعجب بها يوسف شاهين  وقدمها بدور «وصيفة» بفليمه «الأرض»، وبعد نجاحها عرض عليها شاهين بفيلم «الاختيار» رفضت العرض وضعت أربعة شروط لقبول العمل بالسينما وهما (لا قبلات، لا مايوهات، لاعناق ساخنا، لامشاهد اعتداء)، تلك الشروط لم تعجب شاهين وفشل فى إقناعها. وعادت للسينما بفيلمين» العذاب فوق شفاه تتبستم»، والرصاصة لا تزال فى جيبى». 

 وقالت: «أنا مذيعة تليفزيون، وبالذات مقدمة برامج أطفال وأقدم برنامجا للكبار هو (كلاكيت)، فأنا مستعدة أن أدير ظهرى للسينما إذا شعرت بأن السينما جارت على عملى فى التليفزيون»، وبهذا التصريح انحازت ماما نجوى لوجودها مع «بقلظ» وأخواته وهزم «جو». 

العربجى ابن الذوات

الفنان الممثل الشيك الأنيق «سليمان بك نجيب» باشا السينما المصرية، ابن الذوات الذى عمل دبلوماسيا وعام 1938 تم تعيينه ثاني مدير للأوبرا الملكية فى عهد الملك فاروق.

سليمان نجيب صحفى.. قام بعمل تحقيقات صحفية بنفسه بشوارع القاهرة، وكان يكتب مقالات صحفية ويوقع عليها «العربجى الاسطى حنفى أبو محمود» مقالات نقدية ساخرة لأوضاع سياسية بمصر فى تلك الوقت بعد ثورة 1919. لاقت صدى كبيرا عند الجمهور الذى لم يعرف شخصيته الحقيقية. وعن لماذا اختار مهنة العربجى يتحدث بها قال: «لو أتيح لى أن أستعمل بدلا من القلم كرباجى، إذا لقدر الله لوجوه كثيرة أن ينزل عليها مفرقها فى الهواء، تاركا أثرا أسود على خدود ليس للدم فيها أثر»، وجمع مقالاته بكتاب بعنوان «مذكرات عربجى» كتب له الكاتب فكرى أباظة المقدمة، وأقرب صديق له أمير الصحافة الأستاذ محمد التابعى.